حقيقة أن العمالة الأجنبية الوافدة على دول مجلس التعاون الخليجي صارت تمثل تهديداً أمنياً، وسياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وثقافياً على دول الخليج، بسبب تزايد أعدادها، وتنامي طموحاتها في ظل الاهتمام الدولي بحقوقها، واتجاه بعض الدول المصدرة للعمالة إلى الضغط على دول الخليج من أجل منحهم الجنسية وتوفير بعض الضمانات من أجلها لم يعد أمراً محلاً لشك أو تأويل، فالأصوات المتعالية في أغلب دول الخليج، تؤيدها الدراسات المتخصصة، وكذلك التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والإقليمية جميعها متفقة على تلك “الحقيقة”. وهذا الأمر دفع بعض اليمنيين – ربما بشكلٍ مستعجل ودون مبرر منطقي – إلى التفاؤل والاعتقاد بأن الأمر يمثل فرصة سانحة للعمالة اليمنية للحلول مكان تلك العمالة، دون التفكير في حيثيات قرار الاستغناء عن العمالة الوافدة، ومبررات الدول الخليجية إلى ترحيل مئات الآلاف من العاملين الأجانب من أراضيها، أو في كيفية استثمار هذه الفرصة لتعزيز فرص العمالة اليمنية في العمل داخل أقطار مجلس التعاون الخليجي، وفي متطلبات سوق العمل الخليجي، ... إلخ. ففي السنوات الماضية تزايدت الدعوات الخليجية الداعية إلى إحلال العمالة العربية (ومنها اليمنية) محل العمالة الأجنبية لتجنب الأخطار الناجمة عن زيادة أعداد هذه الأخيرة داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وبموازاة ذلك ارتفعت بعض الدعوات والأماني لإحلال العمالة اليمنية محلها. لكن تلك الدعوات وحدها لم ولن تكون كافية لتسهيل انتقال العمالة العربية (اليمنية) بطريقة آلية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لأن الأمر رهن بتوفر عدة أمور لابد منها، وتسهيلات لابد من تقديمها، وتأهيل لا مناص من القيام به. لقد سبق للباحث العربي منصور الراوي (1)، طرح موضوع تسهيل انتقال العمالة العربية بين الأقطار والدول العربية، وأعتقد أن النقاط التي أوردها يمكن أن تكون منطلقاً للتفكير في كيفية تحسين شروط انتقال العمالة اليمنية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وهي: 1 -إحلال العمالة العربية (اليمنية) محل العمالة الأجنبية، وعلى أن يتم ذلك بشكل مرحلي وتدريجي، وبشكلٍ رسمي تشرف عليه وزارة شئون المغتربين اليمنية، والجهات ذات العلاقة في دول مجلس التعاون الخليجي. 2 - اشتراط معاملة العمالة اليمنية الوافدة إلى تلك الدول معاملة العمالة الوطنية، أو على الأقل منحها معاملة تفضيلية، أو منحها الأولوية في التوظيف في المجالات التي لها أفضلية فيها، أو التي تتمتع فيها بميزة نسبية على باقي العاملين الأجانب، أو تلك التي لا تتطلب خبرات ومؤهلات خاصة، في إطار تنفيذ الاتفاقيات الثنائية أو الجماعية الموقعة بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي. 3 - الاهتمام بإعادة تأهيل وتدريب العمالة اليمنية، على أن تشارك دول الاستقبال في هذه العملية، وعلى أن تتم العملية وفق دراسات علمية تحدد كافة الجوانب التي سيتم التركيز عليها عند التدريب وإعادة التأهيل. وفي هذا الإطار أكدت إحدى الدراسات الحديثة لواقع العمالة اليمنية في المملكة العربية السعودية، للباحث اليمني (عبد الملك طاهر المخلافي) على امتلاك أفراد العمالة اليمنية العاملين، المهارات السلوكية اللازمة لأداء العمل بكفاءة عالية، مثل: التعامل الجيد مع الآخرين، والاستماع والإصغاء الجيد، والقدرة على الإقناع، والانضباط في العمل، والقدرة على إدارة وقت العمل بشكل فعال، والقدرة على إدارة الحوار مع الآخرين، بدرجة كبيرة. إلى جانب امتلاكهم المهارات والقدرات التنظيمية اللازمة لأداء العمل، والمهارات والقدرات الفنية اللازمة لممارسة الأعمال بدرجة متوسطة، وتوافقها مع حاجات سوق العمل بالقطاع التجاري السعودي. ([2]) وهو ما يعني أن التركيز سيكون على المهارات التي يتطلبها سوق العمل الخليجي، وعلى المهارات التي تفتقد إليها العمالة اليمنية في دول الخليج العربي، أو التي تمتلكها بدرجات ضعيفة أو متوسطة. 4 - إخضاع عملية التنقل للعمالة اليمنية للتنظيم بدلاً من تحكم آلية العرض والطلب في الحركة، وربط هذه الأخيرة بمشروعات التأهيل والتكامل بين اليمن ودول الخليج العربي، والامتناع عن الاستغناء المفاجئ عنها، كما حدث عقب أزمة 1990م. ومع كل تلك القدرات التي يمكن أن تشكل قوة دافعة باتجاه استيعاب أعداد متزايدة من القوة العاملة اليمنية في دول الخليج، فإن الأمر الذي يجب علينا أن نقف عليه كثيراً، أن العمالة اليمنية لن تجد السبيل سهلاً للحلول بطريقة آلية مكان العمالة الأجنبية المستغنى عنها، لأنها قد تكون ضمن من يتم الاستغناء عنهم، ولن يكون من السهل عليها أن تنال موطئ قدم في سوق العمل الخليجي الذي تتحكم فيه آلية العرض والطلب، وتسيطر عليه هواجس العمالة الأجنبية، وتوجهه سياسات توطين الوظائف، وتقل فيه فرص العمل أكثر فأكثر. إذن الأمر يحتاج إلى تضافر جهود الجميع في اليمن والخليج، وعلى كافة الأصعدة الرسمية والمجتمعية، ويحتاج إلى تفاهم مشترك، يقوم على قواعد واضحة، ويحتاج إلى إجراء مسوحات ودراسات علمية تحدد المجالات والأنشطة التي تتمتع فيها العمالة اليمنية بميزات تنافسية، وتلك التي تحتاج فيها إلى تأهيل وتدريب، وهذه المهمة لن تكون سهلة، لكن مؤكد أنها ليست مستحيلة. الهوامش [1] - منصور الراوي، انتقال العمالة العربية داخل الوطن العربي: الواقع والآثار، مجلة شؤون عربية، العدد (65)، إبريل 1991م، ص 57 – 79. [2] - عبد الملك طاهر الحاج، واقع العمالة اليمنية في سوق العمل السعودي: دراسة ميدانية على العمالة اليمنية في القطاع التجاري السعودي، رسالة ماجستير (غير منشورة)، جامعة الملك سعود: كلية إدارة الأعمال، 2008م، ص 109 - 110. رابط المقال على الفيس بوك