الرئيس هادي شخصية مقبولة من مختلف الأطراف ويجب الإقرار أن مهمته ليست بالسهلة أوضح الدكتور يحيى بن يحيى المتوكل أن الثورة الشبابية شكلت فرصة للخروج من انسداد أفق سياسي واقتصادي استمر لفترة غير قصيرة وأحال البلاد إلى ركام وشلل تام حسب رأيه, وقال: إن تأييده للثورة اختلف عن تأييد فئات وأفراد كثيرين ساندوا هذه الثورة بأشكال مختلفة، حيث نزل إلى ساحة التغيير في الشهر الماضي فقط لتنظيم حلقة نقاشية حول اقتصاد السوق الاجتماعي وتسليط الضوء على دور الشباب فيه تعزيزاً لوعي الشباب حول قضايا الحوار الوطني ورؤية المستقبل وتحديداً في الجانب الاقتصادي. وأضاف أنه بالرغم من تأييده للثورة إلا أنه يرى أنها استلبت في وقت مبكر من قبل قيادات تحركها الأحزاب السياسية والزعامات القبلية والجهات النافذة ومراكز القوى بما في ذلك أجهزة الأمن السياسي والأمن القومي. كما تحدث الدكتور المتوكل عن الحوار الوطني والهاشميين الذين ينتمي إليهم ومالهم وماعليهم في الحوار الوطني وكذلك عن يوم الغدير والولاية السياسية وما إلى ذلك في الحوار التالي: بدايةً ما تقييمكم لسير عمل حكومة الوفاق الوطني أين نجحت وأين أخفقت حتى الآن؟ - أولاً أشكر صحيفة الجمهورية على هذه المقابلة وأود أن أشير إلى الشوط الذي قطعته هذه الصحيفة في تغيير الصورة النمطية للصحافة الرسمية وبادرت برفع سقف الحريات الإعلامية إلى مستويات لم تكن مشهودة وكذلك التطرق إلى قضايا ومسائل اعتبرت سابقاً خطوطاً حمراء. ومع ذلك أجد نفسي ملزماً أن أكون صادقاً مع الصحيفة لأشير إلى بعض التحيز في سياستها, وبالتالي أحثها على فتح الباب وتشجيع كل الأطراف السياسية والاجتماعية لاستخدام هذا المنبر الإعلامي في طرح الآراء والأفكار وإن اختلفت, والذي يتطلب ضمان تساوي الفرص للأطراف جميعها. أما بشأن تقييم سير عمل حكومة الوفاق الوطني وتحديداً مكامن النجاح في أعمالها ونقاط الإخفاق، فأقول ابتداءً: إننا نستطيع تلمس هذا التقييم من المواطن نفسه والذي يتوق للخروج من الوضع غير المستقر والمقلق وحالة اللايقين التي نعيشها، خاصة بعد أن اعتقد أنه تنفس الصعداء إثر توقيع المبادرة الخليجية في مثل هذه الأيام من العام الماضي في مدينة الرياض. ولكن للأسف الشديد، فمع قرب انقضاء العام الأول من عمر هذه الحكومة يتبين لنا أكثر وأكثر الأخطاء الاستراتيجية التي رافقت منذ البداية تشكيل الحكومة وتركيبتها، بل اتضح سوء نوايا طرفي الحكومة عندما تم تشكيل الحكومة مناصفةً بين الطرفين المتصارعين والتغافل عن طرف ثالث مستقل يمثل أغلبية الشعب اليمني الصامت، لو شارك بثلث الحكومة لأزال التجاذبات والتنازعات السياسية وأوجد تنافساً وحواراً جاداً للتصدي للمشكلات الحقيقية وليس الهروب إلى قضايا جانبية أو الادعاء بإنجازات لا تنطلي على أحد مثل مقارنة مستوى الخدمات التي تقدم اليوم والسيئة أصلاً أو الوضع الأمني بما كان عليه الحال قبل عام. فبأي منطق تبرر هذه الحكومة أو غيرها فشلها في استعادة الدولة بتحقيق بعض التحسن المصحوب بإخفاقات كثيرة لا تعد ولا تحصى بحجج واهية مع استمرار تقديم الوعد بعد الآخر بمعالجة هذه المسألة أو تلك، أو حتى توجيه تلك الجهة أو ذلك المسئول لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وكأن ذلك هو الفرض الكافي الذي لزم الحكومة وأخلت مسئوليتها عن ما يليه أو يترتب عليه، وهي مسألة مضحكة ومبكية في الوقت نفسه. ومن ضمن ذلك تشكيل لجان تحقيق سواء لقضايا الفساد التي أزكمت أنوفنا أو للاختلالات الأمنية وتقطعات الطرق وتخريب أنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء التي انبرت وزارة الداخلية بعد هذه المدة الطويلة لتوجه إدارة الأمن في محافظة مأرب بفتح ملفات جنائية للمتهمين بتلك الجرائم. إذاً، كم نحتاج إلى محاكمتهم 20 سنة؟ وكم يتطلب توقيع العقاب عليهم في حال توفرت المحاكة العادلة وعدم تدخل المتنفذين الذين ما زالوا يصولون ويجولون بل ويشترطون على الدولة بوقاحة مطلقة ربط إيقاف التخريب بإطلاق المخربين السابقين، وبالتالي الدخول في حلقة مفرغة وخبيثة من الفوضى العبثية. فكيف بالله نتوقع أن يقيم المواطن هذه الحكومة وعملها؟ حقيقةً إننا في مرحلة استثنائية وفي ظروف صعبة، وبعد أن كان البلد على وشك الانفجار، لكن على الحكومة أن تثبت قدرتها على تحمل المسئوليات دون شكوى من عوامل وقيود تواجهها. وهنا أؤكد أنني لا أحمل للإخوة رئيس الوزراء والوزراء إلا كل خير، ولكن الحيثيات التي بينتها تدفعني لاعتبار أن هذه الحكومة قد سقطت رغم استمرارها في عملها، فمعيار البقاء هو القدرة على تحمل المسئولة وتحقيق الأهداف التي وضعتها في برنامجها التي نالت بموجبه الثقة، وبالتالي أصبح بقاءها غير الفاعل ورحيلها سيان. ما هي أولويات المرحلة الراهنة؟ - لا شك أننا نمر بمرحلة عصيبة، رغم أننا كما أعتقد قد تجاوزنا الأسوأ من خلال توقيع المبادرة الخليجية والتسوية السياسية والتي من وجهة نظري لم تكن الحل الأمثل لتحقيق التغيير المنشود وتلبية تطلعات الشباب وتوق الشعب اليمني عموماً للحرية والكرامة. ومع ذلك، فلا يخفى على أحد ضرورة التعامل مع مسارات عديدة في نفس الوقت، على رأسها التسوية السياسية التي تضمنت الانتقال السلس للسلطة وقد أنجز منها جزء لم يكتمل بعد, جراء مواصلة مراكز النفوذ من الطرفين السعي لتحقيق مكاسب أكبر على حساب الطرف الآخر، رغم ما يتحمله الوطن والمواطن نتيجة استمرار هذا الصراع الخفي وعدم قدرة حكومة الوفاق على اتخاذ قرارات حاسمة. ويشمل المسار السياسي كذلك الدخول في حوار وطني شامل لا يستبعد أحدًا حول كافة القضايا الوطنية والوصول إلى معالجة لكافة المشاكل والمظالم والتوافق على نظام الحكم في اليمن الجديد وعلى دستور يتناسب مع الانتقال إلى دولة يسودها القانون وتحقق الكرامة الإنسانية لكل أبنائها. وقد رافق إنشاء اللجنة التحضيرية للحوار وتمثيلها الوازن للعديد من الأطراف والدفع بأعمالها مآخذ عدة، منها ضعف الشفافية ومحدودية التواصل الشعبي وتفعيل دور وسائل الإعلام في القضايا التي تناقشها اللجنة والمشاركة المجتمعية، مما عزلها وجعل نشاطها يظهر كجزءٍ من عمل الحكومة، فضلاً عن الشك في مقدرتها الفنية مقارنةً بدور جمال بن عمر وفريقه في تحديد التوجهات والقضايا والآليات والوسائل، مما يخلق قلقاً من سطوة هذا الدور في المراحل القادمة مستقوياً بالدول الراعية للمبادرة الخليجية مع إمكانية فرض نتائج أو معالجات معينة بذاتها لا تنبع من توافق يمني حقيقي، وهو ما يتطلب دعوة الأطراف الفاعلة ليكون لها دورٌ أبرز من خلال التحضير المهني للحوار وإعداد أوراق عمل جادة حول القضايا المختلفة تشمل بدائل وخيارات متعددة للحلول التي يمكن أن تلقى قبولاً من أغلب الأطراف حتى تتفادى الوقوع في براثن الحلول الوسط لجمال بن عمر وفريقه, والتي لن تحقق توافقاً بقدر ما تؤجل الخلاف والصراع. وهناك المسار الاقتصادي والذي يمثل كذلك أولوية ترتبط بحياة الناس ومعيشتهم، خاصة أن الاقتصاد اليمني هشٌ ويفتقد لمقومات قاعدة انتاجية صلبة جعلته عرضةً لهزاتٍ عنيفة خلال السنوات الثلاث الماضية استتبعها ضربة قاصمة نتيجة الثورة الشبابية والأزمة السياسية المستمرة حتى يومنا هذا بالإضافة إلى التخريب الممنهج للبنية التحتية وموارد الثروة من نفط وغاز تهدر أمام سمع وبصر الحكومة. لذلك، فإن على حكومة الوفاق التركيز في الفترة الانتقالية على تصويب البرامج التي قدمتها للمانحين والاتجاه نحو تنفيذها بجدية وكذلك التعامل مع الموازنة والسياسة المالية بمسئولية وترك إعداد التصورات والاستراتيجيات المستقبلية للحكومة التي تأتي بعد الفترة الانتقالية بدلاً من إضاعة الجهود والموارد في قضايا تحتاج توفر أوضاع وظروف طبيعية. أما المسار الثالث والمرتبط بالمسارين السياسي والاقتصادي فهو تحقيق الاستقرار الأمني الذي يتطلب توحيد القرار العسكري والأمني ووضعه تحت قيادة واحدة، وهو ما أشار إليه الرئيس هادي أكثر من مرة، غير أنه لم يتحقق ولا يبدو أن هناك خطوات جادة نحو تحقيقه رغم أن هناك إجراءات تمت لهيكلة الجيش والأمن. ويكفي هنا أن أشير إلى ضعف اللجنة العسكرية والأمنية التي تواصل إعلان التحذيرات وتمديد المهلة تلو الأخرى للالتزام بقرارتها دون جدوى، مع واقع مغاير تماماً لما تعلنه من تنفيذ أعمالها والذي يعكس صورة الوضع العام ويسبب القلق للكثيرين. كيف تنظرون إلى الحوار الوطني والقضايا التي سيتم تناولها؟ - في حين اعتبر الانتقال السلمي للسلطة من خلال توقيع المبادرة الخليجية وإجراء الانتخابات الرئاسية, وانتخاب الرئيس هادي نزعاً لفتيل الانفجار وشرطاً ضرورياً لوضع لبنات بناء اليمن الجديد، فإن الحوار الوطني يمثل الأداة والوسيلة اللازمة لتحقيق ذلك الهدف. وقد اتضح للجميع بما في ذلك الذين سعوا لعرقلة هذه العملية أنه لا مفر من الحوار لمعالجة كافة القضايا الوطنية والوصول إلى توافق وطني بشأنها، وعلى رأسها القضية الجنوبية وقضية صعدة. ورغم الملاحظات وبعض التحفظات هنا وهناك وتلهف الكثيرين لإصدار القرار الجمهوري بإنشاء اللجنة الفنية للحوار الوطني وتطلع العديد لاحتواء اللجنة على أسماء وشخصيات جديدة تعكس الرغبة في التغيير والتعبير الحقيقي والصادق لما يعاني منه المجتمع اليمني من أقصاه إلى أقصاه، فقد وقع القرار وقع الصدمة وخيبة الأمل التي ظهرت بادية على الأفراد وفي تصريحات العديد من الفئات والجماعات داخل الشعب اليمني التي رأت أنها لم تُشرك أو تمثل التمثيل المناسب أو أن غيرها حظي بدور أكبر مما يستحق، أو اختلط الأمر عليها فاعتقدت أن هذه اللجنة هي لجنة الحوار الأوسع التي ُيفترض أن تجلس حول طاولة الحوار لتتناول الشأن اليمني وتحدد ثوابت ومسارات اليمن المستقبلية. وأعيب على القرار أيضاً بُعده كل البعد عن الموضوعية في تحديد المعايير التي تم اختيار الأعضاء استناداً إليها، وكذلك عدم الشفافية التي كان يمكن أن تمثل مشاركة غير مباشرة تتيح للجميع الاطلاع ومعرفة خلفيات وأسس القرار وتضمن الحيادية وتحقيق الأهداف المعلنة، بل وقد تساعد على تصحيح وتفادي بعض الأخطاء التي وقعت. ولا شك أن مسئولية هذا القرار تتحمله لجنة الاتصال والتواصل والتي عملت خلال الفترة الماضية بالأفكار والآليات المعتادة التي لا يمكن أن تنتج إلا المعطيات التي شهدناها في القرار، وكأن اليمن محكوم عليه بأنماط وأشكال تقليدية تشتكي هي نفسها من التقليد، ومحكومٌ أيضاً بأشخاص معدودين احتكروا السلطة سابقاً ولاحقاً. بل أذهب أبعد من ذلك لأنيط اللثام كما ذكرت في مقابلة سابقة أن هناك نفساً واحدًا في صياغة المبادرة الخليجية وهذا القرار، وكأننا كيمنيين غير قادرين على بلورة القرارات والأبعاد المصيرية لنا ولأجيالنا القادمة. المهم في الأمر، وإن كان قرار تشكيل اللجنة وتحديد مهامها قد أصبح أمراً واقعاً، أن لا تتكرر الأخطاء عند تشكيل لجنة الحوار الوطني الموسعة، وخاصة في إبقاء أصوات الأحزاب الحاكمة (المؤتمر والإصلاح والاشتراكي) هي الأعلى، على حساب الأفكار والآراء الجديدة والمعبرة عن تطلعات غالبية الشعب اليمني غير المتحزب - وخاصة الشباب - بيمن جديد تسوده الحرية والكرامة وسيادة القانون. فإذا استمر الحال على ما هو عليه الآن، فلن نجد من التغيير إلا اسمه ومن الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية إلا رائحتها، وتذهب أرواح الشهداء وجراح المصابين وتضحيات الشعب مع الرياح، فهل نقبل ذلك؟ إن أهم مهام اللجنة التحضيرية هو اقتراح قوام وأعضاء لجنة الحوار والتي نأمل أن يتم من خلاله تلافي القصور الموجود في اللجنة الفنية التحضيرية، وكذلك تحديد أجندة وقضايا الحوار التي انحصرت في 8 قضايا عامة أساسية نأمل أن تكون جامعة مانعة وتتناول كل المظالم التي عانى منها شعبنا اليمني بإجماله أو في بعض مناطقه وفئاته على امتداد نصف القرن الماضي حتى نمهد لمصالحة وطنية حقيقية وكاملة تعيد اللحمة وتبعد شبح الانفصال وتهديدات الطائفية والمذهبية التي تغذيها جهات خارجية، وخاصة في هذه السانحة التاريخية التي يمكن أن لا تتكرر. ونريد أن نرى من اللجنة التي أكملت بحسب تصريحاتها 90 % من مهامها آليات واضحة تُمكّن الجميع من التعبير عن قضاياهم بحرية كاملة واقتراح المعالجات التي يمكن أن تحقق توافقاً وطنياً دون إرباك المشاركين بمماحكات وخداع سياسي غلب على أعمالنا ومناشطنا خلال العقود الماضية. وندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لاختتام الحوار بالتوافق، وليس من خلال فرض الأمر الواقع الذي ظل سياسة الدولة منذ أمدٍ غير قريب كمقاربة لمن يملك القوة ولا يمتلك الحق ولا الحجة، فلا يوجد أمامنا طريق سالك آخر غير الحوار الجاد والصريح الذي نتجاوز به كل الأخطار المحدقة. ويتوجب على جميع القوى السياسية والفاعلين في المجتمع التعامل بإيجابية مع ما سيطرح والسعي للوصول إلى منتصف الطريق، إذ لا يمكن لطرف ما أن يتمسك بمواقفه ويدعي تملكه للحق دون غيره. وأولاً وأخيراً، يجب أن يبقى نصب أعين الجميع مصلحة الوطن التي تعلو على كل مصلحة عصبوية ضيقة سواء كانت حزبية أو قبلية أو مناطقية أو طائفية. ومن باب النصح، أدعو اللجنة التحضيرية للحوار أن تظهر قدراً أكبر من الشفافية والتواصل مع الرأي العام بما يعزز الثقة بها وبمهامها، ويبعد تأثير التكهنات والإشاعات التي تزدهر وتنتشر عندما لا توجد أخبار من مصدرها الأصلي. يرى الكثيرون أن ما مرت وتمر به اليمن من أزمات متعددة هي بسبب الوضع الاقتصادي، كيف ترون أنتم ذلك؟ - لا شك أن فشل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن خلال العقود الأخيرة يعود إلى أكثر من عامل وسبب، إلا أن الاستخفاف بالملف الاقتصادي والتساهل في تنفيذه والذي كان سمة المرحلة السابقة يعتبر عاملاً رئيسياً أدى إلى استمرار طغيان القرار السياسي على الأولويات الاقتصادية والاجتماعية وعدم جدية وتوفر الاهتمام الكافي في تناول القضايا الاقتصادية وفي متابعة الأداء الاقتصادي. وباتت المحصلة الطبيعية لذلك أننا وبعد عقود من الزمن ما زلنا أمام اقتصاد وطني هش ورخو يعتمد على موارد ريعية غير مضمونة ويفتقد لأنشطة إنتاجية حقيقية تجعله - كما سبق وذكرت - عرضةً للتقلبات والأزمات الداخلية والخارجية، فلا تمر علينا خمس سنوات متواصلة دون أن يهتز الاقتصاد الوطني لسبب أو آخر. وقد أوصل التراكم لتلك الأزمات والمشاكل الاقتصادية وعدم التصدي لها ووضع معالجات جادة أوصل الجميع إلى أفق مسدود. ولقد سعدت جداً عندما أعلن الأخ رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي أن جُلّ مشاكل البلاد تتمثل في التحديات الاقتصادية، واستشعر أهمية القرار الاقتصادي معتبراً أن القرار السياسي يجب أن يأتي ملبياً له وليس العكس. وتحتاج ترجمة ذلك إلى أفعال على أرض الواقع, العمل على إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني باتجاه القطاعات الواعدة التي تحتاج بادئ ذي بدء إلى جهود الدولة لتوفير عوامل انطلاقها من بنى تحتية وبيئة مواتية تشمل تسهيلات وأنظمة محفزة يستغرق توفيرها عدد من السنين، إلا أنه لا بد أن نبدأ فوراً ودون تأخير والذي لا يبدو أن الحكومة الحالية – شأنها شأن من سبقها – تستشعر الأهمية القصوى لذلك. بل أسوأ من ذلك، توحي لنا هذه الحكومة أنها تبدأ من الصفر متغاضية عن الاستراتيجيات والخطط والبرامج التي أعدت في السابق. والمسألة الأهم أن تكون القرارات الاقتصادية مرتكزة على جدواها وليس على نطاقها وأثرها السياسي، والذي يجب أن يتحول إلى أساس وتوجه عام لكافة العاملين في أجهزة الدولة بدءاً بالقيادات السياسية وانتهاءً بأصغر موظف، وبالتالي تصبح القرارات المتعلقة بمواردنا ومعيشتنا اقتصادية وليس سياسية أو نفعية. هذا ما نحتاج أن نؤكد عليه ونضمن الاتفاق عليه في الحوار الوطني القادم، وكذلك النص عليه في دستورنا الجديد الذي يجب أن يتجاوز فلسفة اقتصاد السوق الحر إلى اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يوازن ويحافظ على المبادرات الفردية لاقتصاد السوق من ناحية ويؤكد على المسئوليات والتكافل الاجتماعي للفاعلين في الاقتصاد من ناحية أخرى ضماناً للعدالة الاجتماعية. كيف تقيمون علاقة اليمن بالدول والمنظمات المانحة، خاصةً في ضوء مؤتمرات أصدقاء اليمن واجتماعات المانحين لليمن مؤخراً؟ - لا شك أن هناك تعاطفاً ودعماً دوليين لليمن غير مسبوقين, لمساعدة اليمن للخروج من وضعه الراهن. وقد ظهر ذلك جلياً من خلال الزيارات والتصريحات السياسية للأشقاء والأصدقاء وكذلك الاهتمام الدولي والإقليمي بمؤتمرات أصدقاء اليمن واجتماعات المانحين التي انعقدت في الفترة الأخيرة. وواقع الأمر أن لدينا تجارب سابقة وعديدة مع الجهات المانحة دولاً كانت أو منظمات، ولا ينبغي الركون إلى هذه العلاقة والآليات التقليدية التي أدت إلى عدم استفادة اليمن من كل المساعدات الخارجية. ورغم أن الجانبين الحكومي والمانح يتحملان اللوم، إلا أن صاحب الشأن وهو الجانب اليمني معني بالدرجة الأساسية في تحقيق الاستفادة من التعهدات التي عادة ما تلتزم بها الدول والجهات المانحة. ويتطلب التنفيذ السليم إعداد دراسات وإجراءات مخططة ومبرمجة معدة سلفاً للمشاريع التي تقدم للمانحين للتمويل. وتأتي إشكالية التنفيذ من عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة ومتابعة ترجمة تلك التعهدات سواء من خلال الاتفاق على المشروعات المراد تمويلها أو إجراءات التنفيذ كالمناقصات وغيرها. كما أن هناك إشكالية أخرى تتمثل في عدم اتساق ووحدة القرار لدى الجانب الحكومي وظهور وجهات نظر متعددة واجتهادات فردية تؤثر إلى حد كبير على القرارات، بل وقد تغيرها بين يوم وليلة. ولا ينبغي أيضاً أن نغفل قضية الفساد المستشري الذي له دور كبير في إبطاء تنفيذ المشاريع التي نجدها في قوائم الخطط والبرامج لسنوات طويلة والتي قد لا تحتاج لأكثر من عام إلى عامين للتنفيذ ولتبقى معلقة لسنين طويلة، ولدينا أمثلة واضحة على ذلك منها مطار صنعاء الجديد ومحطة توليد الكهرباء مأرب 2 وخط الغاز من مأرب إلى معبر والوحدة الخامسة للغاز المنزلي وغيرها كثير من المشاريع المرتبطة بالطرق أو الإنشاءات أو السياسات الاقتصادية وحتى في الجانب الاقتصادي الخاص. فهذه المشاكل والعراقيل لا تقتصر على الجانب الحكومي، ولكن تنطبق وتمتد إلى القطاع الخاص الذي يعاني بدوره ويشارك في الفساد المستشري. ويمكن كذلك إلقاء جانب من المسئولية على الجهات المانحة التي تضع أحياناً شروطاً غير مبررة، بل ونجد حالات عديدة تتصف بعرقلة إجراءاتها الروتينية والبيروقراطية التي لا تبتعد عما نشاهده في الجانب الحكومي، فأحياناً يتطلب متابعة الإجراءات الإدارية لدى الجهات المانحة بما فيها منظمات الأممالمتحدة والبنك الدولي وقتاً طويلاً ليمر العام أو أكثر دون أن تستكمل الإجراءات اللازمة ولترى تلك المشاريع أو القرارات النور. صحيحٌ أن هناك خطوات لمراجعة وتقييم القضايا والآليات التي ذكرتها بغرض تجاوز العقبات وتسريع الاستفادة من حوالي 8 مليار دولار تم التعهد بها في مؤتمري الرياض ونيويورك الأخيرين وعلى رأس ذلك وثيقة المسئولية المتبادلة، إلا أن ذلك يجب أن يقترن بتوظيف مناسب للخبرات الوطنية باعتبارها المساهم الأساس في إعداد الخطط والبرامج ومتابعة تنفيذها والعامل الحاسم لنجاح جهود التنمية. ما هي القرارات التي على الرئيس هادي إصدارها خلال هذه الفترة؟ - شكّل صعود الرئيس هادي إلى قمة السلطة كشخصية مقبولة من معظم الأطراف الرهان الأساسي للمبادرة الخليجية وكذلك لمستقبل اليمن, ويجب الإقرار أن مهمة الرئيس هادي ليست بالسهلة، ويتحمل الرئيس هادي عبئاً مضاعفاً نتيجة ضعف حكومة الوفاق وعدم تمكنها من تحمل المسئولية التي ألقتها على عاتقها المبادرة الخليجية والتسوية السياسية التي تفترض تولي الحكومة الإدارة الاقتصادية والخدماتية مقابل تركيز اهتمام الرئيس على الجانب السياسي والأمني. كما أن عليه سرعة إصدار القرارات اللازمة لتهيئة الحوار والمقترحة من اللجنة التحضيرية وتحديداً تلك التي يمكن تنفيذها في المدى القصير أو المتوسط. وينبغي على الرئيس هادي أيضاً تجاوز مسألة تقاسم المناصب والمحافظة على التوازنات، والانتقال لإيجاد قناة تواصل مع الشعب لبيان الحقائق بين وقت وآخر والتي تعزز الثقة به وبقدرته على تحقيق التغيير وتطلعات الجماهير وخاصة الشباب الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل كرامة الإنسان اليمني. ما هي قراءتكم للاغتيالات التي تشهدها الساحة اليمنية؟ ومن هي الجهات المستفيدة من ذلك؟ - تعكس الاغتيالات سلوك الجبناء وأولئك الذين يجدون صعوبة في مواجهة الآخر بالفكر والمنطق فيلجؤون إلى ما حرم الله. ولا تظهر هذه الاغتيالات وتنتشر إلا في الدول التي تعاني انفلاتاً أمنياً وعدم قدرة حكوماتها على القيام بدورها والسيطرة على مكامن الاختلال وأماكن انتشار الجريمة سواءٌ كانت جريمة منظمة أو عادية. ويمكن أن تشهد أعتى الدول الأمنية حالات اغتيال بين وقت وآخر، لكن أن تصبح عمليات الاغتيال خبراً يومياً فهذا مؤشرٌ على الانفلات الأمني. والحقيقة أن موجة الاغتيالات التي تشهدها الساحة اليمنية حالياً تذكرنا إلى حدٍ كبيرٍ بما شهدناه في السنوات الأولى للوحدة رغم أن ضحايا تلك الفترة اقتصر على السياسيين، وبالتالي نستنتج أن مدبري الاغتيالات أو المحرضين لها ينتسبون لنفس الفئات والجماعات وأنها أعادت استخدام الأسلوب ذاته للتخلص من الخصوم أو إرهابهم وتخويفهم. وأعتقد أن السؤال الأهم يتجه للجهات الأمنية التي لم تتمكن حتى اليوم أو ربما لا ترغب في الإفصاح عن المتهمين والمشبوهين في تلك الجرائم رغم تشكيل لجان التحقيق الواحدة تلو الأخرى، مما يضع تلك الجهات في موقف المقصر وربما المتواطئ. وفي حين لا نستبعد تدخل أطراف أخرى في حالات معينة، تستهدف إذكاء نار الخصومة وزعزعة استقرار البلاد، إلا أن اعتقاد كل من الأطراف المتخاصمة أنها تحقق نجاحاً باغتيال شخصيات من الطرف الخصم هو اعتقاد خاطئ، إذ إن الخاسر الوحيد هو الوطن الذي يغوص أكثر فأكثر في الفوضى ومخاطر الاحتراب والتصفيات المتبادلة. وعلى الحكومة وأجهزتها الأمنية الاتجاه بجدية لاتخاذ الإجراءات الأمنية الوقائية وكذلك التعامل مع جرائم الاغتيال وغيرها بمهنية ورفع الغطاء السياسي والكشف عن مرتكبيها بغض النظر عن انتماءاتهم وصلاتهم، بدلاً من تشكيل لجان تحقيق الهدف منها هو إخفاء الجرائم والتغطية عليها والذي أصبح معروفاً لدى الداني والقاصي. كيف ترون عملية هيكلة الجيش؟ - للأسف الشديد أن الكادر العسكري وكذلك الإداري في الدولة يفتقد أبسط مبادئ المهنية في عمله، وهو ما أوصلنا إلى هذه العشوائية والفوضى الكاملة في مؤسساتنا سواء المدنية أو العسكرية. فما كان يعتبر قبل أقل من سنتين نموذجاً ومثالاً للتطور والتقدم كشف اليوم عن استغلال ممنهج لقدرات وموارد البلاد من قبل المتولين للسلطة وخاصة في الجانب العسكري الذي تعامل مع المنشآت والعتاد والموارد البشرية والمالية كملكيات خاصة، وخلق ثقافة تملك واحتواء عجيبة أدت إلى هذا الانقسام وضعف الجيش الذي لم يكن يتولى مهام عملياتية حقيقية وإنما اعتمد في تنفيذ حروبه ومواجهاته على عناصر قبلية أو حزبية سواءً في الجنوب أو الشمال.. وإذا أردنا أن نحول دون تكرار تلك الأخطاء الفادحة، فإنه يلزم اتباع الأساليب العلمية في هيكلة القوات المسلحة والأمن، أي إعادة بناء الجيش والجهاز الأمني بشكل متكامل، وهو ما ينطبق كذلك إلى حدٍ ما على الجهاز الإداري للدولة وبالذات حيث تتكرر بعض المهام في أكثر من جهاز حكومي مثل مسئوليات مكافحة الفساد.. وكما هو معلوم، فإن الخطوة الأولى المطلوبة هي توحيد القرار العسكري تحت قيادة واحدة وفي أقرب وقت ممكن، وبعد ذلك نترك عملية إعادة بناء القوات المسلحة والأمن لتأخذ مداها الزمني والكيفي، والذي نأمل أن لا يخضع أو يتّبع مدرسة أو فكراً عسكرياً معيناً سواء كان غربياً أو عربياً، وإنما الاستفادة منها لتلبية احتياجات ومتطلبات هذه القوات المسلحة لأداء مهامها الوطنية والمنصوص عليها في الدستور، وبما أن هذه العملية ستأخذ عدداً من السنين، فإن هناك إجراءات وضوابط ومعايير متعارف عليها دولياً في أنظمة الجيش والأمن وإدارتهما يمكن الشروع في تطبيقها فوراً، من قبيل تحديد القوام الفعلي للجيش والأمن وفترات الخدمة والتدوير والتنظيم الداخلي للفروع الرئيسية في القوات المسلحة والهرم التراتبي والترقيات وغيرها، وهو ما أشار إلى بعضٍ منها رئيس الجمهورية في إحدى خطاباته، وستحد تلك الإجراءات من الاختلالات وترفع كفاءة الأداء والانضباط في هذه القوات، ويجب التركيز كذلك على البناء الثقافي والتوجيهي لهذه القوات والتخلي عن الشعارات الطنانة التي لا تحقق شيءً وإنما تفقد المواطن الثقة بهذه القوات، وخاصة في هذه المرحلة التي ندعي فيها أن الجيش والأمن لحماية الوطن وخدمة الشعب فإذا بنا نشاهد انقساماته التي أودت بأرواح العشرات من أبناء شعبنا المسكين، والأحرى أن نأخذ بالحديث الشريف “إذا بليتم فاستتروا”. هل أيد الدكتور يحيى المتوكل الثورة الشبابية، ولماذا؟ - بالطبع أيدت الثورة الشبابية لما حملته من مبادئ وقيم ضد الظلم والاستبداد والدعوة لتحقيق الحرية وكرامة الإنسان، بالإضافة أنها شكلت فرصة للخروج من انسداد أفق سياسي واقتصادي استمر لفترة غير قصيرة وأحال البلاد إلى ركام وشلل تام، وقد اختلف تأييدي للثورة عن تأييد فئات وأفراد كثيرين ساندوا هذه الثورة بأشكال مختلفة، ومن ذلك أني لم أنزل إلى ساحة التغيير إلا في الشهر الماضي لتنظيم حلقة نقاشية حول اقتصاد السوق الاجتماعي وتسليط الضوء على دور الشباب فيه تعزيزاً لوعي الشباب حول قضايا الحوار الوطني ورؤية المستقبل وتحديداً في الجانب الاقتصادي، وكانت قناعتي وما زالت أن الثورة لم يتح لها الوقت الكافي لتنضج، كما أنها جذبت كل ثائر وفاجر شأنها شأن كل الثورات، بالإضافة إلى أنها استلبت في وقت مبكر من قبل قيادات تحركها الأحزاب السياسية والزعامات القبلية والجهات النافذة ومراكز القوى بما في ذلك أجهزة الأمن السياسي والأمن القومي ولم تتمكن من مواصلة المسير لتحقيق أهدافها التي لا تختلف عن أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين. في مقالة لكم مؤخراً تقولون إن هناك حملة منظمة ضد الهاشميين تكيل التهم لهذه الشريحة من اليمنيين وتحملها كل سلبيات الماضي منذ دخول الإمام الهادي يحيى بن الحسين إلى اليمن في القرن الثالث الهجري وحتى اليوم، ما سبب ذلك من وجهة نظركم؟ - أعيد التأكيد إلى أن الهدف من تلك المقالة التي نُشرت بعنوان “اليمنيون الهاشميون أمام الحوار الوطني.. ما لهم وما عليهم” في كل من صحيفة «الثورة» وصحيفة «إيلاف» هو الدعوة - كما ذكرت في المقالة نفسها - إلى أمرين اثنين لا ثالث لهما، هما إزالة الظلم والتشويه عن تاريخنا القديم والوسيط والمعاصر من خلال قراءة جادة ومحايدة بعيدة عن الأهواء والأغراض، وكذلك تحقيق المواطنة المتساوية قولاً وعملاً وللجميع بدون استثناء وفي الحقوق والواجبات على حدٍ سواء، ولنبدأ عهداً جديداً خالياً من المشاعر السلبية تجاه بعضنا البعض، وفيما يتعلق بما تضمن السؤال عن إشارتي إلى وضع الهاشميين في اليمن موضع التهمة في الماضي وحتى اليوم فيرتبط ذلك بحقائق وحيثيات عديدة نمت وتراكمت عبر سنين طويلة وحملت معها قيماً وتقاليد خاطئة وكذلك أحقاداً وضغائن تكونت نتيجة تلك الأخطاء اختلط فيها الاجتماعي بالديني وأدت إلى ممارسات ومشاعر لا تقل عنها سوءاً، وللأسف ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، ونستطيع أن نتبين تلك الأفكار والمشاعر في كتابات وإجراءات تظهر بين حينٍ وآخر امتداداً لتلك الاتجاهات، ولا أستطيع إلا أن أصفها بالعنصرية تُحمّل هذه الفئة من اليمنيين كل سلبيات الماضي وتضعها موضع الاتهام في الحاضر والمستقبل، بما في ذلك التصدي ومواجهة أية حقوق وحريات فكرية لهذه الفئة. ففي العقود الأخيرة، ومع محاولة الفكر الزيدي الدفاع عن وجوده، انبرى النظام السابق في دعم بعض عناصر تلك الحركة في بداياتها الأولى، ولكن من باب بث الفرقة من ناحية وخلق التوازن مع الحركات الإسلامية المخالفة لها من ناحية أخرى، والعكس أيضاً صحيح عندما أوجد النظام السابق الحركة السلفية في منطقة دماج بمحافظة صعدة ودعمها بشكل مطلق، وتعزيزاً لتوجهاته العنصرية في محاولة الربط بين عقده الثلاث المتمثلة في الأئمة الزيود والهاشميين والحركة الحوثية، فقد سخَّر أجهزة الدولة ونفوذه ومناصريه وكذلك الذين يشاركونه الرؤية لبث السموم بين أبناء الشعب اليمني وتعميم مفهوم ثالوث جديد كما رآه يعكس كافة صور العنصرية المقيتة، وهو أن كل هاشمي وزيدي المذهب هو حوثي الانتماء حتى لو كان مخالفاً أو مختلفاً مع الحركة الحوثية.. بل ذهب النظام السابق أبعد من ذلك إثر حرب صعدة الثانية، وقام بإعداد كشوفات بجميع الهاشميين في أجهزة الدولة والقوات المسلحة والأمن توطئة لإجراء عنصري لم يشهده التاريخ القديم ولا الحديث في اليمن، ولكن الله سلّم وأحبط أعمالهم، وقد أذكى هذه الحالة غير السوية للعلاقة بين أطياف المجتمع اليمني في هذه المرحلة الهامة والمفصلية من تاريخ يمننا الحبيب أن التقاذف بالتهم أصبح من أبسط الأمور نتيجة غياب الحسيب والرقيب الإنساني وكذلك الفساد الذي امتد إلى المفكرين والعلماء، وانحسار دور مؤسسات الدولة الجامعة مثل الثقافة والإرشاد والإعلام وضعف دورها في هذا الجانب، ولتكتمل الصورة، يجب أيضاً الإشارة إلى الدور الخارجي والذي لا يمكن أن نعتبره بريئاً في ضرب التعايش المذهبي ابتداءً والذي كان قائماً في اليمن لقرون طويلة، وما لذلك من تأثير على العلاقة بين مكونات المجتمع اليمني، وكذلك إذكاء نيران هذه الأوضاع لحسابات خاصة بتلك الأطراف وجدت لها في الداخل أطراف ومصالح مستعدة لتلقيها والسير في تنفيذ أجنداتها. دعوتم في نفس المقالة إلى أن تكون “المصارحة والمصالحة” من القضايا الأساسية في الحوار الوطني، بين مَنْ ومَنْ بالتحديد؟ وهل تؤيدون أن يكون هناك ممثل للهاشميين في الحوار الوطني؟ - إن العامل الأهم في المقالة تلك هو النظر إلى المستقبل، خاصة أننا بصدد الدخول في حوار وطني شامل لا يستثني أحداً ولا يحول دون أي موضوع له طابع الوطن كله، وسيكون من الخسارة بمكان تفويت هذه الفرصة وإغفال أي شأن يخص فئة أو منطقة وله تبعات على الوطن بأكمله، ومن بينها تسوية الملعب السياسي والاجتماعي من خلال السعي لتحقيق الهدف الأول للثورة وتطبيقه على أرض الواقع، وتجاوز التمييز والتحيز لصالح منطقة أو فئة أو قبيلة أو طائفة أو غيرها، ويجب أن يضمن المستقبل حق جميع أبناء اليمن دون استثناء في تبووء المناصب والمراكز وتحمل المسئوليات وفق معايير الكفاءة والجدارة وليس استناداً إلى علاقات القربى أو المصلحة، وفي المقابل يخضع كل أولئك للقانون والمساءلة بما يؤمن سلامة سير البلاد نحو النمو والازدهار، ويتطلب هذا الأمر كشف الأوراق وبيان الحقائق، وذلك لأن الجميع قد وقع سابقاً أو لاحقاً في خطأ وزلة التحيز والتمييز بشكل أو آخر والذي سيتبين من خلال استجلاء الحقائق التاريخية ليس من قبل الأنظمة الحاكمة التي وللأسف تكتب التاريخ وفقاً لرؤاها ومنطلقاتها، وإنما قيام المؤرخين الذين يجب أن يتجردوا في كتاباتهم ويُغلِّبوا الحقيقة والموضوعية لتناول الأمور والأحداث والأسباب من منطلق وواقع زمانها ومكانها وليس بمعايير العصر الذي نعيش فيه، ولن نجد فرصة أفضل من اليوم للدعوة لإعادة قراءة وكتابة التاريخ اليمني بتجرد، ودراسة واستعراض وجهات نظر الأطراف المختلفة في كل فترة حتى تتبين الحقائق. ومن أبجديات مؤتمرات الحوار هذه وأسس نجاحها المكاشفة والمصارحة وكذلك صدق النوايا والتي تؤدي مجتمعة إلى تصحيح العلاقات بين فئات وشرائح المجتمع ليتلوها إزالة الغبن واسترضاء بعض الفئات والمناطق التي تشعر بالإقصاء كالحراك الجنوبي وأبناء تهامة والهاشميين وربما أيضاً أبناء محافظة تعز وغيرها، وبما يعزز اندماج مكونات المجتمع اليمني بعضها ببعض، مع أهمية الإشارة هنا إلى ضرورة دور تدخلي إيجابي لصالح المهمشين من ذوي البشرة السوداء، ويجب أن تكون مثل هذه المصارحة أساس كل موضوع يطرح على لجنة الحوار وبنية وغرض المصالحة وليس نكأً للجراح أو استجرار الماضي، فبدون المصارحة أو حتى المصارحة الجزئية تبقى قضايانا وخلافاتنا معلقة دون حل وبالتالي لا يمكن إغلاق ملفاتها والمضي إلى مستقبل مهيئ لتحقيق الآمال والتطلعات. وتكون المصارحة بين الفئة التي تشعر بأنها ظلمت أو أقصيت خلال فترة ما وبقية فئات المجتمع.. كما أن المصارحة يجب أن يتبعها المصالحة وهو الجانب الآخر لترميم العلاقة، وبحسب مفهومها العام تحتاج المصالحة إلى تبني مواقف معتدلة ومرونة في التناول للوصول إلى حلول مرضية وقابلة للتطبيق، وتحديداً لأنها تتطلب أولاً وقبل كل شيء مصالحة مع النفس كخطوة أولى في سبيل مواجهة قضايا كبيرة وحساسة.. أما بشأن وجود ممثل للهاشميين في الحوار الوطني، فأرى أن ذلك عاملٌ مهمٌ لضمان تناول المظلوميات التي أشرت إليها، فلا يمكن لشخص آخر غير مُخوّل أن يعرضها أو يتحاور عليها أو على غيرها من القضايا الوطنية التي لها علاقة بتلك المسألة، تماماً مثل أنه لا يمكن لأشخاص غير منتمين للحراك الجنوبي ومُخوّلين أن يمثلوا ذلك التيار، رغم صعوبة تحديد ذلك الممثل أو الممثلين ولكن الاختيار يبقى مسئولية كل فئة بعينها. ما هي الأسباب الحقيقية لحروب صعدة؟ وما علاقتها بالصراع الحوثي مع الإصلاح والسلفيين في أكثر من منطقة وكذلك الشحن الطائفي بين الفريقين؟ وكيف يمكن معالجة ما يسمى قضية صعدة؟ - لقد كُتب الكثير عن هذا الموضوع وتم تناوله من زوايا مختلفة تعبر عن أطراف الصراع، ولكن للأسف لم نلحظ تحليلاً محايداً يوضح كثيراً من التفاصيل التي ما زالت غائبة وأحياناً غير واضحة لنا، لاعتبارات التحيزات والحسابات السياسية وكذلك الصراع الفكري والمذهبي الذي يؤجج أكثر فأكثر. ومع ذلك، يمكن القول بأن المعطيات التي أمامنا لا تبرر قيام الدولة بتلك الحروب العبثية أو غيرها طالما توفرت وسائل أخرى لحل الإشكاليات، ولا بد من التعرض لهذه الجوانب في الحوار الوطني من أجل منع تكرار استخدام القوات المسلحة في احتراب داخلي وفي أي منطقة إلا في حالات محددة وواضحة، ولا شك أن الجانب الفكري كان وما زال أحد الأسباب الرئيسة التي ألهبت الخلافات وكان لها الأثر في إشعال حروب صعدة نتيجة الخواء الروحي والتعبئة الخاطئة والفهم المحرف لكثير من المعتقدات التي تحيل أبناء الوطن الواحد والدين المشترك أعداءً لبعضهم البعض وحلفاء للغير، وتحديداً ما حدث بين المد السلفي من ناحية والتيارات والمذاهب الأخرى كالزيدية والصوفية من ناحية أخرى، مما أضر بالسلم الأهلي.. كما لعب التدخل الخارجي وما زال دوراً أساسياً من خلال ترجيح كفة طرف على الأطراف الأخرى، وهو ما يوسع الخلاف ويزعزع الوحدة الوطنية. وقد تعقدت الأمور أكثر باتساع التدخل الخارجي وبأشكال مختلفة، وأحياناً بترحيب من الدولة اليمنية وليحاول البعض إعطاء الصراع طابعاً إقليمياً، حقاً أم باطلاً، ولم يكن التنافس على السلطة بين العائلة والقبيلة بمنأى عن كل ذلك، بل كان في جوهره وربما المحرك الرئيس لتلك العوامل المختلفة، إذ ظهرت مؤخراً بعض الحقائق التي تفصح عن ذلك وتزيل خفايا ما كان يدور وراء الكواليس وفي الغرف المظلمة، ومع ذلك، ورغم تعقيدات قضية صعدة وآثار الحروب الستة، فإن محاذير اندلاع حرب سابعة يستدعي الواقعية في التعامل مع الحركة الحوثية أو أنصار الله ونبذ الصراعات الجانبية وتشجيعها للانخراط الكامل في العمل السياسي وعلى أرضية متساوية من خلال النظر إلى المظلوميات عبر تلك الحروب وطرح نقاط القلق حولها بشفافية كاملة في إطار الحوار الوطني بعيداً عن التسييس أو المذهبية، وكذلك ترك المبالغات حولها والتخويف بشأن إقامة دولة أو دويلة مستقلة. وينبغي كذلك وبالتوازي التأكيد على حرية الفكر والمعتقد والتنوع والتعدد المذهبي وإتاحة الممارسة الكاملة لتلك الحريات في ضوء ثوابت الدين والشرع المعبر عنه في الدستور والقوانين الوطنية، وهو ما سيضمن القضاء على التعصب والتطرف ويحيل الجمود الفكري إلى تلاقح يحقق المصالح ويدرء المفاسد. كيف تنظرون إلى خطاب عبدالملك الحوثي في ذكرى الغدير.. وكيف تنظرون إلى الولاية السياسية وحصر الحكم في سلالة محددة؟ - الحقيقة أني لم أستمع إلى ذلك الخطاب وإن كنت سعيداً بعودة الاحتفال بهذه الذكرى الطيبة والتي حافظ عليها اليمنيون لقرون عدة وانقطعت لأسباب سياسية خلال الفترة الماضية، ويجب أن ننظر إلى هذه المناسبات كفرصة للتأكيد على الإخاء لا للتفريق، فحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وتوليته ليست قاصرة على فئة دون أخرى وإنما يجمع عليه المسلمون بطوائفهم المختلفة اتباعاً لأوامر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الواردة في الأحاديث الصحيحة، وهنا، ومن باب الرأي ومسايرة التطور الذي نعيشه أتطلع أن تأخذ هذه الاحتفالية شكلاً مختلفاً بعيداً عن استخدام الأسلحة النارية واستعراض القوة ولتقتصر على التذكير بسيرة هذا الإمام العلم ومناقبه الجمة والدعوة للاقتداء به، خاصة ونحن نعيش في زمن ارتفعت فيه درجة الاحتقان فضلاً عن أولوية الدعوة الصادقة للإخاء والكلمة الطيبة. أما سؤالكم عن الولاية السياسية وحصرها في البطنين، فإنها بقيت مسألة خلافية في القرون الغابرة بين علماء المسلمين بمن في ذلك مجتهدي المذهب الزيدي الذين رأى بعضهم أن شرط العلوي الفاطمي في الولاية شرط أفضلية وليس شرط صحة، فإني أستغرب العودة إلى هذه المواضيع في القرن الخامس عشر الهجري، وفي عالم تجاوز أفكار وأنظمة تلك المرحلة وظروفها وانتقل إلى ما يلبي ويتوافق مع تنظيم حياة ونماء البشر في هذا العصر، ولا يتناقض هذا الرأي مع الاعتقاد اليقيني أن ديننا الحنيف صالحٌ لكل زمان ومكان بل يؤيده، لأن اختلاف الأزمنة والأمكنة يتطلب ديناً يوفر مجالاً للتطوير ومرونةً للاجتهاد والتغيير بما يحقق المصالح دون الإخلال بثوابته وأركانه.. فإذا كان المذهب الزيدي قد تميز عن غيره من المذاهب بالدعوة للخروج على الظالم بالسيف، فإن ذلك لا يختلف في جوهره عن الخروج على الظالم يومنا هذا من خلال ترشيح من يجد في نفسه الأهلية والقدرة للانتخابات عبر صناديق الاقتراع سواء كانت رئاسية أو نيابية أو حتى محلية والوقوف أمام الظلم والاستغلال عبر برنامج انتخابي يبين الأفكار والتوجهات، ولا أعتقد أننا بحاجة إلى الخوض في هذا الموضوع بعد هذه القرون العديدة والتغيرات الجوهرية التي تؤكد ما أقره الإسلام ابتداءً وانتهاءً بأننا جميعاً إخوة متساوون لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وليحكمنا من هو أكفأنا وأتقانا ففي ذلك فلاح الأمة.. فما بالنا نتعارك حول هذه المسألة وقد فتحنا المجال ليحكم هذه الأمة أراذلها، والأولى اتباع الحق وإزالة الظلم أينما كان وممن كان والدفاع عن هذه الأمة أمام أعدائها وتوفير سبل الحياة الكريمة لأبنائها. عودة إلى مقالكم الأخير الذي أكدتم أن الحراك الجنوبي والحركة الحوثية يشكلان القوة الحقيقية الضاغطة لتحقيق أهداف الثورة الشبابية، لماذا؟ - أعتقد جازماً أن الحراك الجنوبي والحركة الحوثية يشكلان حالياً القوة الحقيقية الضاغطة لتحقيق أهداف الثورة الشبابية بعد أن انكفأت الأحزاب السياسية وتياراتها الشبابية ومعظم القوى القبلية والاجتماعية في المبادرة الخليجية والتسوية السياسية، والدليل على ذلك أن اللقاء المشترك والساحات أكدت سابقاً وفي غير مرة أنها لن تشارك في الحوار الوطني إلا بعد هيكلة الجيش ولو المرحلة الأولى المتمثلة في إخضاعه لقيادة واحدة، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم في ظل استمرار انقسامه بين الجانبين الثوري والحرس الجمهوري. فماذا حدث حتى تغير تلك الأطراف مواقفها من هذه المسألة ومن قضايا أخرى؟.. الواضح أن العامل الخارجي وتحديداً رعاة المبادرة الخليجية وكذلك المبعوث الأممي جمال بن عمر يقومون بدور كبير للضغط على اللقاء المشترك من ناحية، في حين لعب عامل الزمن دوراً معززاً في التأثير على المواقف السابقة والمعلنة وبشكل رئيسي على الشباب الذين يشعرون اليوم بالتفكك والإحباط الذي يخيفهم من خسارة كل شيء، وبالتالي اضطروا إلى تبني سياسة الحصول على “شيء أفضل من لا شيء” بعد فقدان الثورة المستلبة وقودها، وحتى من تبقى في الساحات اليوم من تلك الأطراف هو للحيلولة دون هيمنة الحركة الحوثية عليها. من وجهة نظركم كيف يمكن تناول القضية الجنوبية باعتبارها القضية الأساسية في الحوار الوطني؟ - يتضح لدينا جميعاً أن القضية الجنوبية تحظى باهتمام كبير وكذلك تعاطف واسع حول المظالم والمطالب الحقوقية لأبناء المحافظات الجنوبية والذين عانوا الأمرين. غير أن ذلك لا يعفي الزعامات الجنوبية التاريخية من تحمل جانب من مسئولية ما حدث، خاصة أن بعض تلك الزعامات أظهر فشلاً سياسياً ذريعاً سواءً في الشطر الجنوبي في فترة ما قبل الوحدة وكذلك أثناء الفترة الانتقالية لدولة الوحدة وأخيراً كمعارضين في مواجهة النظام السابق وأيضاً في التعامل مع المرحلة الحالية، ويجب أن يكون واضحاً أن تلك الشخصيات لا يجب أن تمثل الحراك الجنوبي الموجود على الأرض في الداخل، فكفانا استغلالاً لمعاناة الناس لتحقيق مصالح شخصية.. أما المسألة الثانية، فإن حق الحراك في المطالبة بحقوق واستحقاقات معينة لا يعطيه مطلق الحق في تجاوز حقائق تاريخية ووقائع على الأرض، فالشعب اليمني واحدٌ على مر التاريخ حتى في الحقب التاريخية التي تعددت الدويلات على أرضه، ومع ذلك، فإن منطق الأمور ودروس التاريخ تدل على إمكانية فرض أوضاع معينة بالقوة، لكن ذلك لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.. لذلك، يلزم التوصل إلى توافقات وخاصة في الدول المكشوفة والمعرضة للتدخلات الخارجية التي قد تكون متوافقة في وقت ما وتتغير في وقت لاحق لتعيد خلق التوترات وتبلبل الاستقرار، وأرى أن إيجاد حل للقضية الجنوبية ينطلق من تحديد أسبابها والتعامل مع كل سبب على حدة لإزالة نتائجه وآثاره كالاستيلاء على الأراضي وإعادة المسرّحين، ومن ثم الوقوف في ظروف مواتية وبعيدة عن التوتر أمام القضية السياسية والخيارات الممكنة لها في ضوء التجارب التاريخية والتطلعات المستقبلية للدولة الجديدة، وأعتقد أن السير في معالجة القضية الجنوبية يمثل البوصلة لحل بقايا القضايا الجوهرية ومنها شكل الدولة والنظام السياسي ودستور الدولة وغيرها، وهو ما يبرز أهمية وأولوية هذه القضية.