في الحرب العالمية الثانية, لا مكان هنا للحب.. لا مكان هنا للحظة حميمة أو لرسائل حب سرية.. لا مكان هنا لأحضان دافئة وقبل شهية.. لا مكان هنا لغير تعليمات هتلر النازية وهو ينفخ سمه في الجيش الألماني المنهك باجتياح المدن وانتهاك أنوثتها, ولا مكان هنا لغير صوت استالين الأجش وهو يتحدث إلى رفاق الحزب بضرورة محو ألمانيا من خريطة العالم. كانوا يخترقون المدينة مثل السرطان والنزف أكبر من أن تحاصره أصابع شاعر منهك كالماغوط يتضاعف الموت وتتلاشى الحياة حينما كان الجيش الألماني يأخذ استعداده لاجتياح موسكو, كانت مارين الفتاة الألمانية تتهيأ لاجتياح قلب جندي روسي.. ذلك القلب الذي بفعل الحروب لم يعد يتذكر أي تاريخ بلله القطر حسب تعبير عربي شهير. يجتاح مدينة وتجتاحه فتاة تشبه مدينتها يكسر مدينة وينكسر بداخله بلور فتاة لهما نفس العينين والانكسار ذاته في صمتهما ذكرى وفي حديثهما نبل لا يبدو المكان ملائماً للحب أمام جندي يبرق في عينيه الموت مائة مرة في اليوم الواحد, وأمام هذه اللحظة العبثية التي ذهب ضحيتها عشرون مليوناً وأمام كومة من الجثث وأمام هذا الموت المحموم الذي يطوي الأرض والجيوش ويلتهم كل شيء بنهم منقطع النظير تتصاعد شهية الحب ضمن يوميات هذا الجندي المجهول الذي يتلقى ذخيرته الصباحية ليفتح الجبل المغلق أمام عينيه ويقهر كتائب الألمان. كيف استطاع هذا المقاتل الروسي أن يتخلص من كل هذا الحقد المبثوث ضد ألمانيا النازية؟ كيف اندرج اسمه ضمن كشوفات المقاتلين وكشوفات المحبين في آن واحد؟. هذه اللحظة التي أفلتت من كتب المؤرخين حول الحروب أولئك العجائز الذين يبحثون عن شلالات الدماء ويتجاهلون المشاعر التي تدفقت منها الدماء والقلوب التي ضختها وكيف استطاع نسيان اقتحام الجيش الألماني للمدن ليعبث بفتياتها الجميلات ويبارك اللحم الأبيض ويكتب على رصيفها بجوار جثة شاب روسي: إن الله معنا.. لماذا يعتقد الكثيرون أن الله دائماً في صف القاتل؟ وأنه يبارك الدماء؟ لا أستطيع أن أشرح أكثر من ذلك يا رب “أنت تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك وأنت علام الغيوب” لماذا سيقف الله في صف هذا الألماني الأشقر الذي أعلن الحرب على العالم نتيجة خلل جسيم في جهاز الجمجمة. لا مجال اليوم للتفاضل في معيار تلك النطفة الحقيرة شيء ما يدهشك في الشعب الألماني.. رسائل حبه التي تشبه البيانات العسكرية.. قتاله في لعبة كرة القدم بطريقة الحرب العالمية الثانية.. يسميه الكثيرون الماكنة الألمانية لأنه يجتاح كل شيء أمامه كالماكنة.. نظراته الحادة تجاه فريسته القادمة.. أشياء أخرى تشعرك بالحدة والخوف وبالتصميم والإرادة. هذا هو الألماني يستحضر وطنه وهزائمه التاريخية في كل منعطفات حياته.. في حله وترحاله.. في حبه وبغضه.. حيث لا تغادر صورة الحرب العالمية الأولى والثانية ذهنيته لحظة واحدة ..