لم يزل اليمانون رغم قساوة الظروف التي يكابدونها، والواقع المرير الذي يعيشونه يستشرفون النور والأمل اللذين يلوحان في الأفق، وهم واثقون بأن بهجة الغد قادرة على أن تنسيهم مرارة الحاضر. غداً- وما أقرب اليوم من تباشير الغد- ستسري روح الألفة وستهب نسائم المحبة إلى تلك النفوس التي تكأدتها الاختلافات، وأبهضتها الشقاقات. بالأمس القريب وأنا أقرأ كتاب «الطريق إلى الألفة الإسلامية» لأخينا في الله الشيخ الفاضل العلامة عبد الفتاح بن صالح اليافعي شعرت بسعادة غامرة وأنا أرى أنَّ في اليمن- شباباً أمثال اليافعي والحدا و المالكي وعَزَّان يشقون طريقهم بثقة وثبات نحو ذلك السناء الآتي من روح الوحي. إنهم يستعيدون روح الشريعة التي توارت بالحجاب مع بزوغ قرن الاستبداد. هؤلاء الشبَّان يدعون للوحدة والألفة وفهم الآخر بينما يدعو المستبد ويمارس سياسة «فرق تسد» التي سبق بها المستعمر بقرون عديدة. لقد نصب هؤلاءِ الفتيةُ أنفسَهم لكل دعوة من شأنها أن تصدع شعب الوحدة الوطنية والدينية جاعلين همهم الأكبر التآلف والتعارف والدعوة إلى فهم الآخر والحوار معه، ويفضحون بأفكارهم النيرة ودعوتهم الخيرة ما يمارسه البعض ويدعو إليه من الفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد والملة الواحدة. يحكي الطبري في تاريخه: «أنَّ الراوندية لما شغبوا على أبي جعفر وحاربوه على باب الذهب دخل عليه قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس، وهو يومئذٍ شيخ كبير مقدمٌ عند القوم، فقال له أبو جعفر: أما ترى ما نحن فيه من التياث الجند علينا؟ قد خفت أن تجتمع كلمتهم؛ فيخرج هذا الأمر من أيدينا فما ترى؟! قال: يا أمير المؤمنين عندي في هذا رأي إنْ أنا أظهرته لك فسد وإن تركتني أمضيته صلحت لك خلافتك وهابك جندك. فقال له: أفتمضي في خلافتي أمراً لا تُعلمني ما هو؟ فقال له: إن كنتُ عندك متهماً على دولتك فلا تشاورني، وإن كنت مأموناً عليها فدعني أمضي رأيي. فقال له: فأمضه! قال: فانصرف قثم إلى منزله فدعا غلاماً له فقال له: إذا كان غد فتقدمني فاجلس في دار أمير المؤمنين، فإذا رأيتني قد دخلت وتوسطت أصحاب المراتب، فخذ بعنان بغلتي فاستوقفني واستحلفني بحق رسول الله وحق العباس وحق أمير المؤمنين لما وقفت لك وسمعت مسألتك وأجبتك عنها؛ فإني سأنتهرك وأغلظ لك القول، فلا يهولنَّك ذلك مني، وعاودني بالمسألة، فإني سأشتمك فلا يروعنَّك ذلك، وعاودني بالقول والمسألة، فإني سأضربك بسوطي فلا يشق ذلك عليك، فقل لي: أيُّ الحيين أشرف اليمن أم مضر؟! فإذا أجبتك خلِّ عنان بغلتي وأنت حر. البقية.... الصفحة أكروبات