في إحدى زيارتي الاستطلاعية إلى منطقة عتمة بذمار والتي كان هدفها إعداد مادة صحافية عن عتمة وعندما أنجزتها عدت مرة أخرى إلى أدراجي في تعز وفي جعبتي الصحافية كم هائل من المعلومات العتمية ...ولكني ولأسباب خاصة لم أستطع إفراغ كل ما في هذه الجعبة ولذلك قررت أكتب هذه المادة وبشكل ينصف جمال عتمة وسحرها ويعطيها كامل حقها في الوصف والتعبير ..كالقول مثلاً بأن عتمة هي مشفى طبيعي لعلاج داء الهموم والكروب والذي يزول عند مشاهدة ما يحتويه من مناظر طبيعية خلابة كالأشجار الخضيرة والطيور والشلالات المائية الصغيرة والتي تتواجد في المناطق التالية: حمير بزار - تقع هذه المنطقة الخضيرة في الجهة الغربية من عتمة ..و إن الزائر لمنطقة حمير بزار ..حتماً ينتابه شعور روحاني لا إرادي وتطغى عليه سمتا الإعجاب والانبهار وذلك لما تمتلكه هذه المنطقة من مناظر سياحية هي في غاية الروعة والجمال الرباني المنسق والدقيق في الخلق والتكوين وتكتشف هذا الجمال الأنيق والباهر في عظمة وشموخ تلك الأشجار الغابية والمنتشرة بكثرة فجميعها تشترك في مسمى واحد وهي كلمة (شجرة) ولكنها تختلف في الاسم الذي يطلق على كل واحدة منها. فمثلاً توجد في منطقة حمير بزار أشجار متنوعة كأشجار السيسبان واشجار الطوالق وأشجار الكافور واشجار الشيس وأشجار السدر وأشجار الأثب واشجار الورث واشجار التين الشوكي واشجار العرم وأشجار اليعرع وأشجار الخردج وأشجار السلعف والتي يستخرج منها الحبال وأشجار العمق الشوكي والتي تنتمي إلى فصيلة الأشجار المتسلقة والتي تزحف ليصل ارتفاعها إلى أربعة أمتار... الراين والبكي وإن من أجمل الأشجار التي أعجبت بها وذلك من حيث الشكل والمسمى والفائدة منها شجرة الراين والتي عرفها لي أحد سكان منطقة حمير بزار بالقول: إنها شجرة شوكية يستخدمها سكان المنطقة في تسوير الأحوال الزراعية لحمايتها من العبث والاعتداء ..إضافة إلى أن أهالي المنطقة يأكلون من ثمارها بعد نضوجها ويقبلون عليها بنهم وشغف وذلك بسبب لذتها لحلاوة طعمها.. وما زادني إعجاباً بها هو الاسم الغربي الذي يطلق عليها( الراين) وكأنها شجرة هاجرت من نهر الراين في أوروبا لتسكن في حمير عتمة وتعرض خدماتها على سكانها. ويلي شجرة (الراين) شجرة أخرى تسمى بشجرة (البكي) ولقد تم تعريفها لي بأنها شجرة تستخدم في معالجة الكثير من الأمراض الجلدية المختلفة ومنها مرض الجرب.. ويصل طولها إلى مترين واعتقد أن شجرة البكي سميت بهذا الاسم لأنه يستخرج منها علاج شاف لأمراض الجلد ويهدئها ويزيل عن المريض آلامها التي تجبره على البكاء منها. وتجاور أشجار الراين والبكي أشجار مختلفة وغريبة الشكل وتنتشر بالقرب من شلالات المياه الصغيرة ..ولكن هناك أشجار أخرى تقاسمها الجوار ومسمياتها معروفة مثل أشجار التولب واشجار القرض واشجار العسق وهي أنواع من الأشجار التي لا تزهر إلا في فصل الشتاء وعند نموها تظل تمتد حتى تصل إلى ارتفاع مترين... وادي سيلة ذرح.. ما يميز هذه المنطقة عن غيرها هو منظر انتشار الأشجار الغابية وبكثافة على طول امتداد الوادي من الشمال إلى الجنوب وهذا ما يشاهد في وديان سيلة وجبة ورماع وشلول ووسيلة والشعوب والهادلة والجهاز وبني زكري.. وإن جميع هذه المناطق تتشارك في كثافة الأشجار الغابية الموجودة فيها؛ ونظراً لهذه الكثافة فإن طيور القمري والصقور والنسور والعقاب والعصافير مختلفة الشكل والحجم واللون اتخذت من أعالي الأشجار مساكن لها ولعبت على غصونها القرود وأكلت الضباع والثعالب والأفاعي من حيوانات الأرانب والوبر والتي تعيش في أسفلها ..أي في أسفل الأشجار. خطر... التصحر ومن اللافت للنظر أن الأشجار الغابية في هذه المناطق تواجه خطراً كبيرا والمتمثل بظاهرة الاقتطاع العشوائي والتي تمارس بكثرة من قبل سكان هذه المناطق وتحت ذريعة الاستفادة منها كحطب يستخدم في بناء المنازل وإشعال النار من أجل الطهي وتسخين الأفران المصنوعة من الطين لوضع عجين الخبز فيها وأيضاً تتعرض الحيوانات بما فيها الطيور إلى ظاهرة الصيد الجائر بهدف الاستفادة من لحومها وجلودها. ويقال إن ظاهرتي قطع الأشجار العشوائي والصيد الجائر قد خفتا قليلاً وذلك بعد ما تم إعلان منطقة عتمة محمية طبيعية ويقال أيضاً بأن ظاهرتي قطع الأشجار والصيد عادتا مرة أخرى كما كانت في السابق والسبب في ذلك يعود إلى أن الدولة أعلنت عتمة محمية طبيعية بالاسم فقط ولم تقم بأي عمل يدل على أن عتمة محمية طبيعية بالفعل؛ ولذا معظم سكان منطقة عتمة اعتبروا الإعلان مجرد ضحك على الذقون كونه يخلو من أي تنفيذ يدل على مصداقية هذا الإعلان.. حصون وقلاع كما أن الزائر لمنطقة عتمة يجد أنها عبارة عن متحف مفتوح يعرض الكثير من الحصون والقلاع التاريخية والتي يعود بناؤها إلى ما قبل الحكم العثماني في اليمن.. وأذكر أني سألت عن السبب في كثرة هذه الحصون والقلاع وسرعان ما وصلت الإجابة إلى مسامعي ومفادها بأن تميز أراضي عتمة بالخصوبة الملائمة لزراعة الحبوب واستمرار هطول الأمطار عليها وهذا التميز جعل عتمة مأوى الكثير من الوافدين إليها والذين قاموا وفي فترات زمنية متعاقبة ببناء العديد من الحصون والقلاع على مواقع استراتيجية ...وكان من أبرزها حصن قردد والذي يقع في وسط منطقة عتمة وهو يشبه إلى حد قريب قلعة القاهرة في محافظة تعز ولحصن قردد مكانة تاريخية ويتصف بناؤه بالضخامة والذي يصاحب اتجاه المديرية إلى الجهة الغربية الجنوبية ويليه أهمية حصن يفاعة ويقال إنه كان في الماضي من الصروح العلمية والتاريخية وهو لا يزال يؤدي رسالته العلمية حتى الآن ..وهناك حصون أخرى مثل حصن جبل عتمة وحصن الذاهبي وحصن الحمراء الموجودة في بلاد الريمي وحصن نمر وحصن الثلث وحصن الشقر وحصن الحوارث وحصن بخمين وحصن صورة وحصن النوبتين وقلعة سما وقلعة بني أسد وقلعة شيبة وقلعة الناصر والتي تقع في منطقة إبزار وقلعة جبل الطيار والتي تقع في منطقة الناصفة، بالإضافة إلى وجود العديد من الحصون والتي تقع في منطقة الأتام... جبال العقيق اليماني وما يزيد منطقة عتمة أهمية كبيرة هو أن معظم جبالها حبلى بكنوز العقيق اليماني والتي اشتهرت اليمن بصناعته منذ قديم الزمن.. وهذا يدل على أن عتمة هي الموطن الأول للعقيق اليماني ... مقترح من الممكن الاستفادة من الخيرات التي تزخر بها منطقة عتمة وفي مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والسياحية والاستثمارية والتاريخية ..وحتى يتم قطف ثمار هذه الخيرات فلابد أولاً من إنشاء مراكز دراسات متخصصة في المجالات المذكورة آنفاً ومهامها تتركز في العمل على تحقيق النقاط التالية: إعداد دراسات حصرية وتصنيفية وتعرف بأهم الحيوانات والطيور الموجودة في المحمية والإشارة إلى أبرز الحيوانات والطيور المعرضة لظاهرة الانقراض والعمل على إيجاد السبل التي من شأنها أن تعمل على الحفاظ على هذه الأنواع والعمل على حمايتها من الانقراض وبالمثل يكون مع الأشجار والنباتات... إعداد دراسات متكاملة حول أبرز المعالم التاريخية الأثرية والتي تزخر بها منطقة عتمة.. والعمل على تكثيف البحث والتنقيب عن مواقع أثرية لم يتم اكتشافها من قبل وضرورة العمل على إعادة ترميم المعالم الأثرية من حصون وقلاع تاريخية وذلك للحفاظ عليها من الهدم والتخريب الذي قد يطالها إن لم يتم ترميمها!