تعثّر تنفيذ الأحكام القضائية خصوصاً وبقية السندات التنفيذية عموماً أصبح ظاهرة عامة يشكو منها الجميع، فبعض المحكوم لهم يُرجعون ذلك إلى القضاة وأعوانهم دون غيرهم، والبعض يرجعون ذلك إلى القضاة بدرجة أساسية وإلى القصور التشريعي في هذا الخصوص.. وفي إطار هذا الموضوع التقينا فضيلة القاضي. هزاع عبدالله اليوسفي - أمين عام مجلس القضاء الأعلى، وناقشنا معه أهم أسباب تعثر تنفيذ السندات التنفيذية من وجهة نظر رجال القضاء والحلول القانونية الواجبة لذلك.. فإلى نص اللقاء: بداية فضيلة القاضي نود أن نسألكم مباشرة, هل لمخالفة بعض قضاة التنفيذ أحكام القانون أثر على التنفيذ..؟ من وجهة نظري أجيب على السؤال بالإيجاب، إذ يُلاحظ على بعض القضاة قيامهم بعقد جلسات لسماع طالب التنفيذ والمنفذ ضده وينتهي القاضي بعد ذلك إلى إصدار قرار بقبول طلب التنفيذ أو برفضه فيكون ذلك القرار سبباً في تعثر التنفيذ وفتح مرحلة جديدة للتقاضي، فسلطة قاضي التنفيذ ليست قضائية بل هي سلطة ولائية وإدارية تمكّنه من الإشراف على سير إجراءات التنفيذ والقائمين بالتنفيذ. ما هي هذه الإجراءات..؟ هذه الإجراءات هي أولاً رقابة سابقة على التنفيذ، وتخوله إصدار الأمر باتخاذ إجراءات التنفيذ أو الامتناع عن إصدار الأمر فقط وثانياً رقابة معاصرة تخوله الإشراف على إجراءات التنفيذ التي يباشرها معاونوه من أولها حتى إتمام التنفيذ.. وثالثاً رقابة لاحقة تخول القاضي الاطلاع على ملف التنفيذ عقب كل إجراء وتوقيعه مع المعاون على محاضر التنفيذ.. فبالنسبة للرقابة السابقة، فتنحصر في الاطلاع على عريضة صاحب الشأن المتضمنة طلب التنفيذ وذلك للتحقق من اشتمالها على كافة البيانات والمرفقات القانونية المحددة في القانون (353، 354) مرافعات كما يجب عليه التحقق من صفات أطراف التنفيذ (343، 344، 345) مرافعات، وكون السند التنفيذي مذيّلاً بالصيغة التنفيذية وفقاً للمادة (329) مرافعات ثم يشرع بعد ذلك باتخاذ مقدمات التنفيذ وذلك بتوجيه معاونيه بإعلان المنفذ ضده بسند التنفيذ وتكليفه بالتنفيذ اختياراً خلال المدة المحددة قانوناً (315) مرافعات.. وأما الرقابة المعاصرة فيباشر التنفيذ عملياً معاونو قاضي التنفيذ بناءً على أمره، فيقومون بتنفيذ أمر قاضي التنفيذ بإعلان المنفذ ضده بالسند التنفيذي المطلوب تنفيذه، وتكليفه بالتنفيذ اختياراً خلال المدة المحددة قانوناً كما يقوم معاون التنفيذ بقيد طلب التنفيذ في السجل الخاص بطلبات التنفيذ وعليه حفظ أصل سند التنفيذ والأوراق المتعلقة به.. إلخ وفقاً لما حدده القانون في المواد (319 – 322) مرافعات.. كما يتولّى قاضي التنفيذ تحديد وسيلة التنفيذ المناسبة وإصدار الأمر بتنفيذها ويقوم كذلك بإصدار الأوامر لتذليل العقبات التي تعترض إجراءات التنفيذ وتسوية الخلافات بين الخصوم والدائنين ومعاوني التنفيذ، ويحتفظ معاون التنفيذ بكل الأوامر في ملف التنفيذ. ماذا عن الإشراف اللاحق لإجراءات التنفيذ..؟ الإشراف اللاحق لإجراءات التنفيذ يتمثّل في ضرورة قيام قاضي التنفيذ بالاطلاع عقب كل إجراء على المحضر الخاص بذلك الإجراء والتوقيع على المحضر مع معاون التنفيذ، فكلما انتهت مرحلة من مراحل التنفيذ وجب على معاون التنفيذ تحرير محضر وعرضه على قاضي التنفيذ ليتحقق من صحة الإجراءات والتوقيع على ذلك ثم يأمر بما يراه مناسباً من الإجراءات للمرحلة التالية وهكذا إلى أن تتم الإجراءات لتنفيذ السند التنفيذي ومخالفة تلك الإجراءات لا تؤدي إلى تعثر التنفيذ فحسب بل إلى بطلان التنفيذ لو حصل بالمخالفة للقانون. هل يوجد قضاة مؤهّلون متخصّصون في تنفيذ السندات التنفيذية..؟ أجيب شخصياً على السؤال بالنفي.. حيث الملاحظ أن تنفيذ الأحكام يتولّاها رؤساء المحاكم الابتدائية كلٌّ في دائرة اختصاصه كأصل عام، إلا إذا عيّن قاضٍ في المحكمة ليتولّى تنفيذ الأحكام، وفي كلا الحالين لا يتوافر التأهيل الكافي لدى أيٍ منهما لتنفيذ الأحكام، وهذا بحد ذاته سبب من أسباب تعثر التنفيذ، كون الإجراءات تتم بناءً على اجتهادات وتقليد لإجراءات كانت تتخذ من أسلافهم القضاة. بالنسبة لوظيفة معاون تنفيذ في المحكمة ما هي المؤهلات والكفاءات اللازمة في هذا المجال..؟ لم أعلم بوجود وظيفة من هذا القبيل في المحاكم رغم النص عليها في المادة (316) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة 2002م الذي مر على صدوره أكثر من عشر سنوات، ويقوم حالياً بمباشرة التنفيذ موظفون ينقصهم التأهيل العلمي والعملي، مما يكون سبباً في تعثر التنفيذ أو تأخيره. بالنسبة للتنظيم القانوني لإجراءات التنفيذ.. هل ترونه دقيقاً وكافياً..؟ هناك بعض القصور ويتمثّل ذلك القصور في الأمور التالية: الأمر الأول قصور تنظيم الإعلان القضائي حيث لم يتضمن القانون نصوصاً توجب على المحضر التحقق من اسم وصفة من يتسلم الإعلان في موطن المعلن إليه وحكم الإعلان الذي يستلمه الحارس المقيم في منزل المعلن إليه ، ولم يتضمن القانون نصوصاً تنظم الإعلان بالوسائل الحديثة، الفاكس، الإنترنت، الهاتف.. الأمر الثاني قصور التنظيم القانوني للإنابة القضائية: خاصة فيما يتعلق بتنفيذ أحكام المحكمين التي كثيراً ما تلجأ إليه محاكم الاستئناف في إحالة تنفيذ تلك الأحكام إلى المحاكم الابتدائية في الوقت الذي يخلو القانون من النصوص المنظمة لذلك مثل تحديد الميعاد الذي يجب أن يتم فيه الإجراء، وتحديد المحكمة المختصة بالفصل في المنازعات المتعلقة بالتنفيذ باعتبار محكمة الاستئناف مختصة بتنفيذ أحكام المحكّمين، فإذا أجزنا لها إنابة المحكمة الابتدائية في تنفيذ حكم التحكيم فهل يجوز لها أن تنيبها في الفصل في منازعات التنفيذ؟.. الأمر الثالث يتمثّل في خلو القانون من النصوص المنظمة لحل التعارض بين سندين تنفيذيين أو بين سند تنفيذي وطني وسند آخر أجنبي.. الأمر الرابع الخلط بين السند التنفيذي وأدلة الإثبات، كما هو الحال في المادة (328/6).. ذلك أن مسودات أراضي وعقارات الأوقاف هي أدلة لإثبات الحق للوقف وليست سندات تنفيذية, والدليل كما هو مقرر شرعاً وقانوناً قابل للتمحيص والطعن عليه بالتزوير ومن ثم لا يكون سنداً تنفيذياً بذاته. ما هي الإشكالات الأخرى التي تشوب التنفيذ القضائي من وجهة نظركم..؟ هناك إشكالات أخرى منها عدم التفريق في الإجراءات بين منازعات التنفيذ الوقتية ومنازعات التنفيذ الموضوعية وإطالة أمد التقاضي وعقد الجلسات والتأجيلات المتكرّرة وعدم إتباع إجراءات القضاء المستعجل أثناء نظر تلك المنازعات وذلك كله من أسباب تعثر تنفيذ السندات التنفيذية. وهناك إشكالات تتعلق أحياناً بعيوب تكوين السند التنفيذي حيث توجد في الواقع أحكام قضائية أو أحكام محكّمين تحمل تناقضاً بين أسبابها ومنطوقها، أو تكون معلقة على يمين أو تقدير خبير عدل أو على ما يثبت مستقبلاً.. وهذه العيوب في تكوين السند التنفيذي من أسباب تعثر التنفيذ. كما أن بعض الإشكالات تتعلق بانتهاء محل التنفيذ.. كمثال لذلك في الأموال الشخصية لاحظنا صدور أحكام ابتدائية تقضي بفسخ نكاح زوجة.. وبعد انقضاء العدة بسنة أو أكثر يحصل عقد الزواج لها لزوج آخر، فيدخل بها ثم تُفاجأ الزوجة بإعلان من المحكمة الاستئنافية للرد على الاستئناف أو بصدور حكم استئناف بإلغاء الحكم الابتدائي، وهذا الحكم يستحيل تنفيذه لأنه لا يحمل إلزاماً بأداء أو القيام بعمل، أو الامتناع عن عمل وفقاً للمادة (348) مرافعات.. ولكنه يترتب عليه بطلان عقد الزواج من الزوج الثاني الذي لم يكن طرفاً في الخصومة.. وهذا خلل تشريعي يجب معالجته ورفع الضرر عن الزوجات المتضررات من أزواجهن المحكوم لهن بفسخ نكاحهن.