الجمعة, 03 أيار/مايو 2013 17:30 لندن " عدن برس " خاص - لا أدري كيف مر بي العمر سريعآ أقف أمام النيل بعد رحلة طويلة في هذه الدنيا ، والكثير من أصدقائي أستقر بهم الأمر في بلد واحد وأنا قدري دومآ الرحيل من بلد إلى آخر تارة في بلاد الثلوج في شمال الدنيا , وأخرى في صحاري الجزيرة العربية – وأخرى في مجاهل الجزيرة الأسترالية - لا أدري لماذا أنا في حالة سفر دائم. اجلس في أحدى المقاهي بجانب النيل بعد أن تركت نهر بردى في الشام وفي قلبي أسى وحسرة وذكرى . مر بي شريط الذكريات بعيدآ عام 1974 وأنا أسير في شوارع جدة في السعودية وكنت من أوائل من وصل إليها من أبناء عدن . كانت جدة هادئة ولم تكن مكتظة بالناس حينها والشوارع شبه مهجورة عند المساء، كان مبنى عمارة الملكة الضخم تحت التشييد في الدور الثاني. قبل المغرب كنت أتجول في شارع الملك عبد العزيز ، وهناك في الرصيف المقابل صف من الدكاكين ، وفي خارج أحد الدكاكين كان يجلس على كرسي رجل أراه دومآ في تلك ألساعة يجلس بكل هدؤء وتواضع يشرب الشاي وينظر إلى المارة بكل محبة – سألت نفسي تري من يكون هذا الرجل الجميل المميز ! رجل في غاية الوسامة نبيل المظهر طويل القامة ابيض اللون – له لفتات نبيلة متواضعة وهو يشرب الشاي ويتفرج على الشارع من امام دكان صديقا له، وددت التعرف عليه ولكني ترددت من الذهاب إليه والحديث معه. سألت صاحب أحد أصحاب الدكاكين عنه فقال لي هذا الأمير الشاعر الأمير عبد الله الفيصل – عبد الله بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود ، فقال لي تحدث إليه فهو رجل يحب الناس والكل يحبه هنا ويتحدث إليه، ولكني خشيت ذلك ولم اكن أعرف يومآ من الأيام إني سأتحدث معه واتعرف عليه بعد ان عملت مدير تجاري في سفارة استراليا في جدة لمدة 20 سنة. كانت له شركة كبيرة اسمها AET - Arabian Establishment for Trade - الشركة العربية للتجارة ، وهي من أكبر الشركات السعودية التي تتعامل في التجارة مع المنتجات الأسترالية ومنها شركة كرافت للإجبان والفواكة المعلبة ، وأكبر مستوردين للشعير الأسترالي للأعلاف المواشي ، و يدير الشركة إبنه الأمير سلطان بن عبد الله الفيصل الذي أرتبطت معه بصداقة من خلال عملي ، و يحمل كل صفات والده الشاعر الرقيق الأمير عبد الفيصل ، وكنت أرافق الوفود التجارية الأسترالية إلى مكتبة وأحمل إليه دعوة الحضور إلى المعارض التجارية الأسترالية التي تقام في السعودية. في ليل القاهرة وبداية الربيع اجلس في خارج المقهى أنظر إلى النيل، وصوت أم كلثوم يأتيني من بعيد في رائعة عبد الله الفيصل – ثورة الشك – والتي أعادتني إلى الأيام الجميلة في ربيع العمر الذي مر بي. ما أجمل هذه القصيدة وهي من أعظم أغاني أم كلثوم . ماهو الشك ؟ هو فكرة تتملك الإنسان تجاه الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء أو المواقف وتؤدي إلى ضيق في النفس والروح ، وهي شعور إنساني عادي إذا كان في حدوده ، ولكنه إذا صار مرضيآ قلب حياة صاحبه إلى جحيم. صور عبد الله الفيصل كل ذك في قصيدته ولم ولن يأتي يومآ شاعر يصور الجحيم والنعيم في الشك – إنها ثورة الشك. وينساب صوت أم كلثوم يحكي تلك القصة : أكاد أشك في نفسي لأني – أكاد أشك فيك وأنت مني – يقول الناس إنك خنت عهدي – ولم تحفظ هوايا ولم تصني - وأنت مناي أجمعها مشت بي – إليك خطى الشباب المطمئن – يكذب فيك كل الناس قلبي – وتسمع فيك كل الناس أذني - وكم طافت علي ضلال شك – أقضت مضجعي واستعدبتني - كأني طاف بي ركب الليالي – يحدث في الدنيا عنك وعني – ثم يصور عبد الله الفيصل الشك وحتى السعادة في ظلال الشك ، ففي الشك سعادة غير ظاهرة ولكنها تعيش في الروح – يقول : على أني أغالط فيك سمعي – وتبصر فيك غير الشك عيني – وما أنا بالمصدق فيك قولآ – ولكني شقيت بحسن ظني – وبي مما يساورني كثيرٌ – من الشجن المؤرق لا تدعني – تعذب في لهيب الشك روحي – وتشقى بالظنون والتمني . ويصل عبد الله الفيصل إلى سؤاله الأخير الذي يعذب نفسه من الشك – يقول: اجبني إذا سألتك هل صحيح – حديث الناس خنت ؟ أو لم تخني ! من يصدق عبد الله الفيصل حديث الناس – أو هي التي أضنىته بالشك !! كاتب عدني ومؤرخ سياسي القاهرة