د. عبد العزيز حسين الصويغ إذا كان كتاب (الأمير) لنيكولو مكيافيللي هو «الروشتة» التي وضعها لفلسفة الحكم والتي انتهي فيها إلى ما أصبح يُسمى بالمكيافيللية السياسية التي كانت صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية التي تمثلها مقولته «إن الغاية تبرر الوسيلة»، فإن كتاب المفكر والأديب المغربي بسالم حميش (مجنون الحكم) يمكن اعتباره التطبيق العملي للاستبداد من خلال عرض نموذج لجينالوجيا الاستبداد ممثلة في الحاكم بأمر الله الفاطمي (أو الحاكم بأمره)، يعكس فيه حياة الحكام الطغاة الذين عج بهم التاريخ سابقاً وحاضراً. *** ورغم أن الرواية مبنية على شخصية تاريخية هو أبو علي منصور (ولقبه الحاكم بأمر الله)، أحد خلفاء الدولة الفاطمية التي حكمت مصر من سنة 973 إلى 1171م، فإنها في الواقع تبحث في أصول الاستبداد وشخصية الحاكم المستبد وتناقضات المستبد (الحاكم) بالنظر إليه من كافة أبعاده ووجهات النظر المتناقضة حوله «فالحاكم (على هذا النحو) يُنظر إليه جوانياً وبرانياً، من طرف مفسرين مطاويع أو معارضين، خاضعين حتى المهانة أو معارضين حتى الإفراط». فرواية (مجنون الحكم) «تأخذ على عاتقها الصدع بما يتناساه المؤرخ ويسكت عنه، أي الصرخات المضمرة والتمزقات المستشرية والحقائق الحية». *** وأعرض هنا بعض الأقوال التي سردها المؤلف حول شخصية الحاكم بأمر الله ولمحات من سياسته المتناقضة .. فقد «أجمع المؤرخون على أن خلافته كانت «متضادة» وسيرته عجيبة، وأفعاله مظلمة «تشيب لها النواحي»، وتتحير في فهمها وتعليلها عقول الناس من عامة وأكابر». - [التاريخ لا يفتح آذانه ودواوينُه إلا لخطير الأخبار والحالات، التي لها القدرةُ على خبطِه وهتك أبعاده.] - [التاريخ لا يذكر إلا من طبعه وقاوم اعوجاجه باعوجاج مضاد. إنه فاسد الطبع، يهوى من يكسرُ ثقالته وتقاليدهُ ويقضُ مضاجعه. لذا أعدكم أن التاريخ سيعقلني!] - [المحبة والإخاء من صفات أهل الجنة. والجنة موعودة وليست من هذه الدنيا الدنية. أما الدنيا فقائمة على العداوة والصراع من أجل البقاء.] - [التاريخ تصنعه سلطات السيف وأحجام الشدائد والآلام، وأن طبيعة السياسة الاستبداد، ومن صفات الاستبداد التوجس والحذر، وأعمال العنف الوقائي.] - [الموت هو الوجه الآخرُ للسياسة. كل من ساس خاطر. وكل من خاطر نجا لأجل ما، أو فقد روحه في مصطدم المناورة والعداء.] - [إن من لم يهدم لا يعرف معنى البناء، ومن لم يختبر الشر لا يقدر على فعل الخير.] - [القتل في المقربين وأهل البطانة أولى ثم أولى، وإلا لما استتب أمر السلطة للمستبد، ولو كان عادلاً.] - [لا راحة للخليفة: إذا لم يتوجس من الكل، ولم يضرب ظله بالسيف إذا بدا له غريباً أو متلبساً.] - [لا بقاء للخليفة: إن لم يبدل باستمرار طاقم القائمين على سره والحافظين له، كما يبدل الثعبان جلده.] - [وحق العين التي لا تنام، لا بد لكم من استبدادي ومن جريان سيفي بينكم شفاءً لكم من الظلم ووقاية، وحتى تظل مصر كما كانت وأبتغيها: لا يقطنها إلا راعِ ورعية.] - [الحقيقة ليست مُطلقة، بل طليقة. هي من صنع الأقوى والأقدر على تطليق الفجاجة والعادات، وإطلاق العنان لإرادة التأويل والقوة.] - [تقبّلوني وتحمّلوني أنا المرُّ المراس. فإنما أتيتُ لأعلمكم معاني الأضدادِ المحجوبة، وقواعد التقلب المخونة، وإنما أتيت لأقشقشكم ما استطعت من عاهاتكم، ولأبثَّ الحمية ضد ما أنتم وما ترمونَ وتضمرون، لأشعلها حرباً على الذين في لهيب الوقت والغيبةِ لا ينتظرون.] نافذةصغيرة: [من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك.] مكيافيللي [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain