ظلت قضية تمثيل المملكة العربية السعودية في المحافل الثقافية والأدبية سواء في الدول العربية أو الأجنبية تنتاشها سهام النقد، بداعي تكرار الوجوه في كل مناسبة، فقاطع كبير من المثقفين يرون أن المشاركة السعودية في المحافل الدولية أصبحت حكرًا على فئة من الناس لا تتعداها إلى غيرها، بما خلق انطباعًا بأن هناك محاباة ومحسوبية في هذا الأمر، مدللين على قولهم بوجود كفاءات مشهود لها في الساحة لا تجد حظها من تمثيل المملكة، في الوقت الذي يتقدم من هم أقل شأنًا منها، مشيرين إلى أن هذا الوضع أضعف من صوت المملكة في هذه المحافل، حيث يكون التمثيل ضعيفًا والمشاركة دون المستوى، مطالبين بآلية منضبطة للتمثيل الخارجي تراعي عدالة الاختيار مع جودة المختارين والمنتخبين للمشاركة الخارجية، داعين وزارة الثقافة والإعلام إلى تكوين قاعدة بيانات حديثة توثق لكل الأدباء والمثقفين والمفكرين بما يسهل عليها مهمة الاختيار، بعيدًا عن الاختيار الجاهز في كل مناسبة.. وفي المقابل ترى وزارة الثقافة والإعلام على لسان متحدثها الرسمي أن مسألة المشاركات الخارجية محكومة بنوعية المناسبة التي تستوجب اختيار المختصين لها حسب الآلية المتبعة في ذلك، نافية أن يكون للأندية الأدبية دور في ذلك، كما حثت الوزارة الأندية الأدبية إلى ضم فئة من المثقفين تتحدث أكثر من لغة ليسهل عليها اختيارهم للمشاركة في المناسبات التي تقام في الدول الأجنبية.. جملة هذه الآراء المتباينة في سياق هذا التحقيق حول مشاركة المملكة في المحافل الثقافية والأدبية الخارجية.. مشاركة محصورة استهلالًا يرسم الدكتور عبدالعزيز الملحم المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة والإعلام الصورة الإجمالية لطريقة تعامل الوزارة مع المشاركات الخارجية بقوله: إن المشاركات الخارجية خاصة بالمهرجانات وبمعارض التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي والمسرح، وعادة ما تكون المشاركة محصورة للمختصين في تلك التخصصات، وهذه ليست لها علاقة بها بالأندية الأدبية، وكذلك هناك مشاركة الفلكلور الشعبي وهذه أيضًا ليس للأندية الأدبية أي علاقة بها، كما تقام معارض الكتب وتكون فيها محاضرات وهذه تقيمها وزارة التعليم العالي وهي تختار المشاركات كما يطلبون الأسماء، وهناك المشاركات في الدول العربية والأجنبية، ونتمنى أن يكون في الأندية الأدبية ومن بين المثقفين ممن يتحدث بعدة لغات، ولو وجد مثل هؤلاء ستكون لهم الأولوية في تمثيل المملكة خارجيًا، لكي يتحدثوا عن المشهد الثقافي أو الأدب السعودي بلغات مختلفة، فإنه لو شارك الأدباء في المحافل الأجنبية وتحدثوا عن الأدب السعودي باللغة العربية فلن يستمع لهم أحد في تلك الدول، بعكس عندما تكون المشاركات في الدول العربية. غصة وغيظ وترى الدكتورة عائشة الحكمي عضوة مجلس إدارة نادي تبوك الأدبي أن المشاركات الثقافية في المحافل المحلية والدولية من أهم روافد الحراك الثقافي في أي بلد في العالم، ومن أهم عوامل التطور الفكري، ومن أهم معززات الإبداع لدى الفئة المعنية وهم المثقفون بكل ألوانها، وهذه المحافل عديدة تتسع لكل الراغبين في المشاركة، نساء ورجال، عن طريق وزارة الثقافة والإعلام من خلال قطاع مسؤول عن تنظيم هذا العمل.. ماضية إلى القول: إلا أن المثقفين يلاحظون التركيز على أسماء محددة، تتكرر في كثير من المحافل سواء باحثين أو مبدعين وكأن القطاع المسؤول لديه قصر نظر أو أجندة بتلك الأسماء حين يرى المثقفين، هذا التحيز للبعض يترك في أعماقهم غصة تعبر عن غيظهم وتشعرهم بالتهميش وعدم الحفاوة بجهودهم الثقافية، وفي كثير من لقاءات الحوار مع الوزارة وفي كتاباتهم يعبرون عن موقفهم الرافض للتمييز بينهم. وكم مرة تبرر الوزارة وتوضح عدم القصدية، لكن يظل ذات المنهج ينفذ، وبطبيعة الحال هذا التمييز يترك أثره السلبي على المثقفين والمبدعين ولا يترك مجالًا لاكتساب خبرات وزيادة معارفهم، ولا ننسى أنه كلما سمح للجميع بالحضور والمشاركات فإن ذلك يعطي صورة إيجابية عن الأنشطة الثقافية وتياراتها وأطيافها وما وصلت إليه من إنجازات، وكل ذلك يصب في حصيلة التقدير النهائي لرؤية الآخرين لإنجازاتنا الحضارية. وتختم الحكمي حديثها قائلة: نرجو أن تتفهم وزارة الثقافة والإعلام، خاصة إدارة المشاركات الخارجية، رغبات المثقفين وتحققها والمردود الإيجابي لانفتاح الجميع على المشاركات الخارجية. خيبة كبيرة ويقدم الشاعر حسن الزهراني رئيس مجلس إدارة نادي الباحة الأدبي بين يدي مشاركته سؤالين مفادهما: من يختار الأسماء ومن يعتمدها!! وما هي نوعية المشاركة والهدف منها!! وفي ضوء الإجابة المقروءة على أرض الواقع لهذين السؤال عبر الزهراني عن خيبة أمله لما يطالعه من تكرار الأسماء المشاركة مؤكدًا على ذلك بقوله: إن خيبة أملنا كبيرة ونحن نرى أكثر من 80% من الأسماء تتكرر في كل المناسبات وكل الدول، لهذا أرى أن يترك للأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون اختيار المشاركين بناء على معايير اختيار مقننة بعد وضع قائمة بالمثقفين الذين تتوفر فيهم شروط المشاركة في التمثيل، كما أنني طرحت على الزملاء رؤساء مجالس الأندية الأدبية فكرة الشراكة مع المؤسسات والهيئات والمراكز الثقافية في الوطن العربي، وحال دون التنفيذ ذلك ضعف إعانات الأندية الأدبية التي لا تفي بنشاطاتها الداخلية، للأسف كلنا نتغنى بالثقافة وأهميتها وندعيها وهي الأقل دعمًا واهتمامًا. تكليف وليس تشريفًا وخلافًا للرأيين السابقين يقول الدكتور أحمد آل مريع رئيس مجلس إدارة نادي أبها الأدبي: أصدقك بأني برغم مشاركتي في العمل الثقافي والأدبي كتابة وبحثًا وتحكيمًا وإدارة وعضوية في عدد من المؤسسات العلمية الأكاديمية والثقافية منذ ما يزيد على عشرين عامًا، إلا إنني لم أرشح للحضور خارج المملكة سوى مرة واحدة عن طريق وزارة التعليم العالي؛ لكني لم أشعر بهذه المشكلة مطلقًا، لأني أنظر إلى أن يكون التمثيل مشرفًا للتجربة التنموية في المملكة ولا يهمني اسم فلان أو غيره أو وجودي بشخصي أو وجود غيري، كما لا أنظر للموضوع بصفته فرصة لا بد من اقتناصها، فهي تكليف بالدرجة الأولى، والجميع فيهم الخير والبركة. ويتابع آل مريع حديثه مضيفًا: اسمح لي أن أضيف بأن بعض الدعوات يراعي فيها المنتج العلمي أو الإبداعي، لذلك فيرشح الاسم لهذا التميز، فالمؤسسة المرشحة تراعي وجود هذا المنتج المميز من خلال حضور صاحبه، لأن النماذج العادية والنمطية لا تصنع الحضور الثري ولا تقدم الصورة المتميزة للمشهد الثقافي، لكني في الوقت نفسه مع الدعوة للبعد عن المحسوبيات وتنويع المشاركة بما لا يجني على نوعيتها وتميزها. لجان محايدة مشاركة الدكتور عبدالرحمن المحسني، رئيس قسم العربية في جامعة الملك خالد جاءت بقوله: قلنا مرارًا أنه يجب أن تكون لدى وزارة الثقافة والإعلام قائمة محدثة بشكل دوري بأسماء المثقفين وتوجهاتهم، وأن تكون هناك لجان دائمة ومحايدة تعني باختيار المثقفين الذين يمكن أن يشرفوا البلد في المحافل والواجهات الدولية. هناك إشكالية حقيقية ورغبات غير ثقافية تسيطر في الغالب على الفعاليات الخارجية وتوجهها لصالحها، فتأتي صورتنا ليست بالحسنة في كثير من اللقاءات التي يفترض فيها أن تقدم صورة جميلة لوجه ثقافي مشرق. ويمضي المحسني في حديثه مضيفًا: من الأسف أن وزارة الثقافة والإعلام تعوّل غالبًا على الأندية الأدبية في توزيع رقاع الدعوة لحضور الفعاليات الثقافية، وبعضها أندية أدبية مأزومة ومتوترة وشعارها إذا لم تكن معي فلا حق لك في المشاركة الداخلية أو الخارجية، وتلك مشكلة حقيقية نشعر بها في الداخل من خلال دعوات معرض الكتاب والجنادرية مثلًا، ونشعر بها في الخارج حينما تتكرر أسماء بعينها لفعاليات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. ويستدرك المحسني قائلًا: على أن ذلك لا ينفي توفيق وزارة الثقافة والإعلام في بعض الاختيارات التي تمت وشهدت فعلًا ثقافيًا مشرقًا لهذا الوطن، الذي يستحق تمثيلًا يليق بمكانته المتنامية عربيًا ودوليًا، ولا مخرج لتكون الصورة أكثر إبهاجًا إلا بلجان محايدة تكون لديها بيانات المثقفين وتنتقي هي وحدها لا غيرها سفراء المملكة ثقافيًا. طبقات اجتماعية القاص محمد المنصور الشقحاء يشير إلى أن تتعدد المشاركات الخارجية منها الدعوة الخاصة من الجهة المشرفة على البرنامج ومنها تخصصية ترعاها الجامعات في الوطن العربي والعالم، ومنها معرض الكتاب الدولي في الوطن العربي والعالم، وهذه مسؤولة عنها وزارة التعليم العالي وفق المشاركة الرسمية، بينما نجد أن الجهات المشرفة على معرض الكتاب في بعض الدول والمدن تتجاهل دعوة المثقف السعودي أديبًا كان أو متخصصًا في علم أو مهنة لحضور فعاليات المعرض المنبرية لحصرها في المواطن، وهناك الأسابيع الثقافية التي ترعاها وزارة الثقافة والإعلام وهي تعامل المدعوين حسب طبقتهم الاجتماعية والوظيفية على حساب منتجهم الأدبي أو الفني ومكانتهم في الساحة الأدبية أو قطاعهم المهني، والتكرار هنا جاء من خلال الاستجابة لهذه المعاملة، وكل يرى منتجه وتصرفه إيجابي، وقلقنا يأتي في الوقت الضائع الذي يحتسب في مسابقات كرة القدم حسب تقدير الحكم وهنا الحكم مدير الشؤون المالية. نموذج للاقتداء ويذهب الكاتب والأكاديمي عبدالله بن سعد العمري عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود إلى طرح الحلول مباشرة حيث يقول: من الممكن حل هذه المسألة بتنظيم مدة قانونية تفصل بين مشاركة المثقف في المناسبات الخارجية وبين مناسبة أخرى؛ بحيث لا يسمح له بمشاركة خارجية أخرى قبل إتمام مدة - تحددها لجان الاختصاص - من مشاركته السابقة، وهذا معمول به لدينا في جامعة الملك سعود، فلا يجوز لعضو هيئة التدريس حضور مؤتمرين أو دورتين أو مناسبتين خارجيتين في وقت واحد، بل لا بد أن يكون بينهما على الأقل شهران فأكثر، وهذه لو عملت أيضًا في وزارة الثقافة والإعلام أو الجهات الثقافية والأدبية والمؤسسية لمن شانها إتاحة مفهوم التسوية والعدل بين أبناء الثقافة السعودية الواحدة. صداقات ومعارف ويحدد القاص حسن الشيخ جانبين في أمر المشاركات الخارجية بقوله: أعتقد أن المشاركات الخارجية لها جانبان: الأول هو حضور الأديب على الساحة المحلية التي تؤهله للمشاركة الخارجية، لأنها أكبر وأوسع شمولًا، وأكثر أهمية. أما الجانب الآخر فهو المرشح - بكسر الشين - لهذا الاسم دون ذاك، أحيانًا تلعب الصداقات والمعارف في تكرار الأسماء، وأحيانًا تلعب الصدفة، ولكني شخصيًا لا أنادي بالتسوية العمياء في طرح أسماء المشاركات الخارجية، لأننا مطالبون باختيار الأفضل، والأكثر تأثيرًا، والأقوى حضورًا من بين أدباء الداخل. كما أن المناداة بالتساوي - المجرد - قد يوقع اللجان المعنية بالترشيحات للمشاركات الخارجية بكثرة الاعتذارات بسبب عدم الرغبة، أو الانشغالات، أو ظروف عملهم. وبالمقابل فإن التنويع المدروس للمشاركات الخارجية به الكثير من الصحة الثقافية للحركة الأدبية بالمملكة، وحتى لا يسري شيء من الإحباط بين الأدباء الآخرين من الصف الثاني من طول الانتظار. علاقات شخصية ويقول محمد هليل الرويلي عضو مجلس إدارة نادي الجوف الأدبي ورئيس الإعلام والنشر: إن المشكلة المعلومة في ذلك والتي على ما يبدو أنه لا يراد لها أن تحل أو يوجد لها آلية واضحة تنظم العمل وتظهر الرؤى الحقيقية لدى الوزارة في الاختيار والترشيح بالرغم ما يشار له بشكل متكرر وهو من ستختار وزارة الثقافة والإعلام في دعواتها وكيف ستختار وهل ستكرر الاختيارات في كل مرة على نفس الشخص أو الأشخاص، وهل هو الوحيد القادر أن يزور فرنسا وروسيا ويقضي أيامه الثقافية في المغرب ليعكس رؤية المثقف السعودي وملامحه، هل هذا الكاتب أو الصحفي أو ذاك الشاعر أو القاص والروئي وحده من تنحصر عليه مقاسات المثقف السعودي أو المثقفة، ألا يمكن لهذا المثقف أن يظهر بوجه آخر يختلف ولو قليلًا عن هذا المتكرر. ويضيف الرويلي: أن لدينا الكثير من الوجوه الثقافية تملأ ميادين المشهد الثقافي من كل محافظات ومناطق المملكة، لكن العلاقة الشخصية التي تربط غالبية المثقفين بالمعنيين بالاختيار تقف عائقًا أمام تنوع الاختيار وتزيد من قوقعته على فئة محدودة ساهمت بانحصار الفكرة منذ عدة سنوات عليهم فقط. ويخلص الرويلي إلى القول: أظن أنه من الأجمل أن تبادر وزارة الثقافة والإعلام وتلتفت لبقية المثقفين والمثقفات في دعواتها الخارجية لتكسب رؤية شاملة وواضحة لدى المتتبع للحراك الأدبي السعودي والذي تجلى في السنوات الأخيرة بشكل واضح حتى أضحى يزاحم في رؤيته وتشكله حضارات أصيلة سبقتنا بعدة عقود في مجالات الكتابة الأدبية المتعددة والمتنوعة، إذًا لعل وزراة الثقافة ترفع لافتة الدعوة للجميع تعالوا جميعًا. صحيفة المدينة