مواضيع ذات صلة عبيدلي العبيدلي في مثل هذا اليوم، 30 كانون الأول، وقبل عام واحد على وجه التحديد، غادرت آخر دفعة من القوات الأمريكية الأراضي العراقية، " تنفيذا للاتفاقية الأمنية التي وقعت بين بغداد وواشنطن في نهاية عام 2008"، والتي نصت على "انسحاب جميع القوات الامريكية من الاراضي والمياه والاجواء العراقية في موعد اقصاه 31 كانون الأول 2011". وتشاء الصدفة وحدها أن يسبق ذلك بيومين، وفاة الجنرال الأمريكي المتقاعد نورمان شوارزكوف الذي تولى، في عام 1991، قيادة جيوش التحالف التي وضعت حدا للغزو العراقي لدولة الكويت. لقد نعى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب الذي كان حينها رئيسا للولايات المتحدة شوارزكوف، قائلا : إن زوجتي باربرة وأنا نبكي فقدان أمريكي وطني حقيقي. ويربط الكثير من المحللين بين معركة تحرير الكويت، وعودة القوات الأمريكية لغزو العراق. بعد أن وصفه بأنه "أحد أكبر القادة العسكريين في جيله". وشكل الحضور العسكري الأمريكي في العراق، ومن بعده الانسحاب، عنصرا مهما في المعادلة السياسية التي تحكم المشهد السياسي العراقي اليوم، فقد زود ذلك الحضور العديد من القيادات والقوى السياسية العراقية التي عادت برفقة تلك القوات عناصر دعم قوية عززت من نفوذها السياسي، خصوصا في المراحل الأولى التي امتدت من عام 2003 حتى عام 2008. وكان مدير المعهد العراقي للتنمية غسان العطية أبرز من بادر إلى تشخيص صورة الواقع العراقي لحظة ذلك الانسحاب حين أوضح "أن الانسحاب الأمريكي من العراق وضع العراقيين في موقف حرج، وذلك لان العراقيين منشقون على أنفسهم وأن ليس لهم موقف موحد، مضيفا بأن الأكراد كانوا متمسكين بالوجود الأمريكي بأي شكل من الأشكال حيث أنهم يشعرون بقلق من كل المحيطين بهم، أما الشيعة فقد انحاز إليهم الأمريكان في بادئ الأمر، ونظرا لميل الشيعة لإيران أدى ذلك لتغيير الموقف الأمريكي تجاههم، مستطردا، بأن هناك شعورا واهنا بالثقة في النفس بين السياسيين في العراق، مظهرا تخوفه الشديد من فكرة تقسيم العراق إلى أقاليم مختلفة تبعا للطوائف الدينية الموجودة فيه". ويبدو أن مخاوف العطية كانت في مكانها، فاليوم، وبعد مرور عام على ذلك الانسحاب يواصل الآلاف من العراقيين ممن صنفتهم وسائل الإعلام بالعرب السنة، وعلى ما يقارب من سبعة أيام "حشوداتهم في محافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين تنديداً بطائفية حكومة نوري المالكي، وقطعوا الطريق الدولية بين بغداد والاردن وسورية، في وقت توقع نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي اتساع نطاق الاحتجاجات لتصل إلى المناطق الشيعية، معتبراً أنها بداية انتفاضة شعبية وربيع عراقي، متوقعاً أن يكون عام 2013 عام التغيير في العراق". وفي التعليق الذي رد فيه الكاتب العراقي نزار عبد الله على عبارة الرئيس الامريكي لدى استقباله بعضا من جنوده العائدين من العراق، في عام 2011، قائلا "بأن القوات الامريكية تغادر العراق وهي مرفوعة الرأس"، الكثير من المصداقية، حيث لفت إلى أن أوباما "نسي ان يكمل ايضاً بأن قواته تترك بلداً مقطوع الرأس! مثقلاً بآثار احتلال وحرب مدمِّرَيْن، لم ينتهيا بالنسبة لأغلبية قاطنيه، وشبح الحرب والاقتتال الطائفي والمذهبي والقومي البغيض يصول ويجول فيه، مضيفا بأن البلد "العراق" يشهد مستويات غير مسبوقة من البطالة، وعدد الارامل والايتام، وارقام قياسية في مجال الفساد المستشري، ناهيك عن انعدام ابسط الخدمات الاجتماعية، مثل الماء النقي والكهرباء والخدمات الاجتماعية والخ". لكن الأمر الذي لم يعد بحاجة إلى إثبات، هو أن الأمريكان، وبعد انسحابهم، يتحملون وزر التشوهات السياسية التي زرعوها في المجتمع العراقي وإدارة الدولة التي تسيره على حد سواء، لعل الأبرز تحديا فيها، كما تجمع على ذلك مراكز الدراسات الغربية التي تتابع الأوضاع في العراق، هو "الصراع السياسي على النفط، إذ يعاني العراق منذ عام 2003 مشكلة صراع سياسي داخلي بهدف السيطرة على الوزارات السيادية، بخاصة النفط، فضلاً عن صراع آخر بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان على محافظة كركوك، التي تملك ثلث النفط العراقي". وما يزيد الأمر سوءا، كما ترى تلك المصادر، ان النفط " لن يكون مصدر صراع بين مختلف القوى السياسية العراقية فحسب، بل سيكون أيضا مطمعا للكثير من الدول التي ستسعى حتى إلى التحكم بالسياسة الداخلية للبلاد على ضوء أن الاحتياط النفطي العراقي، حسب الدراسات، يكفي العراق نحو 163 عام". وفي سياق التحدي السياسي، يعتبر أحد المتخصصين في الشؤون العراقية أسامة عبد الرحمن أن "من المفارقات اللافتة، أن احتلال الولاياتالمتحدة للعراق مهّد لنفوذ إيراني واسع فيه، رغم الخصومة السياسية بين الدولتين. وبدت إيران مستفيدة إلى حد كبير من الأوضاع التي آل إليها العراق. وبالطبع فإن الانسحاب الأمريكي من العراق يترك المجال مفتوحاً لنفوذ إيراني أكبر في ظل غياب عربي". ربما تكون المحصلة النهائية للحرب الأمريكية في العراق، كما يراها الباحث الاستراتيجي الأمريكي أنتوني كوردسمان في دراسته (نهاية الحرب في العراق)، "فشلاً استراتيجيا لا لبس فيه، مع نجاح تكتيكي في منع حدوث هزيمة متكاملة الأبعاد"، لكنها، وعلى المستوى العراقي الداخلي المحض، شكلت إسفين هدم حطم المجتمع العراقي، وتركته، كما تقول عنه تقارير خمس منظمات دولية، نقلتها وكالة الأنباء الصينية شينخوا، مجتمعا يعاني من "ارتفاع نسبة جرائم الطفولة والتشرد والشذوذ وتفشي الأمراض النفسانية في المجتمع العراقي في غضون السنوات المقبلة، اذا لم تتخذ السلطات العراقية اجراءات عملية وسريعة لمعالجة هذه المشاكل، وتصف المشهد العراقي خلال الفترة المقبلة بانه ملبد بالغيوم على الاصعدة كافة، وتحذر من ان العراق لن يستعيد سيادته الكاملة ودوره العربي والاقليمي بعد الانسحاب الامريكي الا بتكاتف العراقيين جميعا بكل طوائفهم وتعاونهم وفتح صفحة جديدة ونبذ الطائفية والعنف". أما الخبير في شؤون تنظيم القاعدة الملا ناظم الجبوري فيرى "إن الانسحاب الامريكي من العراق، سيترك اثارا وانعكاسات سلبية على العراق، في المدى البعيد خصوصا في وقت تشهد فيه المنطقة العربية ثورات وزلازل تهدد الامن والاستقرار وتنذر بانهيار انظمة ودول بعضها مجاور للعراق، محملا الامريكيين الجزء الاكبر من المشكلة القائمة في العراق باعتبارهم قوة احتلال كانت المسؤول الاول عن انهيار النظام السابق بمؤسساته، خاصة الامنية وبناء مؤسسات عسكرية هزيلة بلا عقيدة او مهنية اتسمت بالولاءات الحزبية والطائفية والجهوية، مضيفا بأن رحيل الامريكيين من دون حسم ملف المليشيات المدعومة من ايران سيعقد الوضع الى حد كبير، محذرا من أن بعضا من الساسة العراقيين، هم جهات تدعم هذه المليشيات (..) التي ستكون ذراعا لها لتمارس ارهاب الدولة، واذرعا مسلحة لقوى اقليمية تطمع في دور لها بالعراق، ما قد يجعل العراق مستقبلا قاعدة انطلاق لهذه الدول وورقة تلعب بها في صراعاتها السياسية". لقد صدقت صحيفة الاندبندنت البريطانية، حين وصفت العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منه، قائلة "إن العراق والعالم أفضل من دون صدام حسين لكن الثمن المدفوع كان غاليا جدا". لكن ما أغفلته الصحيفة هو أن من تحمل الوزر الأكبر في ذلك الثمن الغالي العراق وحده.