دبي (الاتحاد)- صدر حديثا للشاعر العراقي قاسم السنجري مجموعة شعرية أولى بعنوان "حطب باسق" وتضم تسع وعشرينَ قصيدة توزعت على مئة وثمانية صفحات. في هذه المجموعة الصادرة عن دار نون للنشر والتوزيع في رأس الخيمة، يسعى الشاعر إلى أنسنة التفاصيل المكانية والزمانية في محيطه وعالمه، حيث يبدو هذا الأمر، ملمحا أساسيا في ديوانه، في الوقت الذي يرفض الشاعر أن يكون صوته أداةً للتحريض على الحرب، بدوافع الحماسة والفخر، منطلقاً من مرحلة لاحقة على تلك الحقبة في مفهوم ودور الشعر بأن تكون هذه رؤية قد عدلت مسارها، لتسير القصيدة نحو الحبِ والسلام، والتذكير بالفجيعة وتسعى للتصالح مع الكون الذي يتمادى بغيّه وشروره. اختار الشاعر عنوان مجموعته الشعرية الأولى "حطبٌ باسق"، من إحدى جُمَلِ نصوصه التي حوتها المجموعة الشعرية، ليعبّر عن رؤيته لعالم بات محرقة ما، نحن في داخلها حطباً باسقاً مستسلماً لاحتراقه، ووقوداً للحروب الكونية الصغيرة والكبيرة، اليومية والموسمية، التي يرفضها أياً كانت مبرراتها، وهذا الرفض يبدأ منذ صفحات الديوان الأولى، من الإهداء "لهؤلاء: لذكرى جحيمٍ انضجَ جلودنا، لخوذة جندي هو الخاسر الوحيد في حربٍ أُعدّت لقتله". تتنوع في المجموعة الأشكال الشعرية وتجاورها لتخلقَ حالةً من التصالح الذاتي بين الشاعر وقصيدته وإنسانيته وعالمه، حيث لا ضغينة أو عداء غير مبرر فيها، كالتي يفتعلها البعض حين يتخندق لصالح شكل معين، كما وتتنوع قصائدها على صعيد النوع لتمثل جميع الأشكال من النثر والتفعيلة والقصيدة العمودية الكلاسيكية. وعلى الرغم من أن قصائد المجموعة بمعظمها جاءت متأثرة بالحروبِ الطويلة التي عاصرها الشاعر عبر عقدين من الزمن، إلا أنه لا يمكن اعتبار تلك النصوص الشعرية سجلاً للأحداث اليومية، بقدر ما هي تجسيد للحظة يقنصها الشاعر من هذا الكون الفسيح. فالقصيدة ليست جدولَ أعمال يدوِن فيه غضبه وحزنه وآلامه، أو ليوثِق للحظات نجاحه أو فشله، بقدر ما هي إبحار في ما هو كلي، ففي الحب كانت القصيدة تعبيراً مطلقاً لمعنى العاطفة، حيث الجزئي المحدود يسعى للاندماج أو يكاد مع الكلي الواسع، فيما التعبير عن الحزن والغضب هو رسالة تحملُ بطيَاتها تنبيهاً شديد اللهجة لتداعيات هذا الكون وإخفاقاته التي يرصدها الشاعر بعينه. تظهر متلازمة الحزن العراقي في ثنايا "حطب باسق" بشكلٍ واضحٍ أيضاً، تلك المتلازمة النابعة من معادلة تُثبتها نتائج الموت اليومي، الذي لو لم تكن معه أسباب أخرى، لكفى العراقيين بأن يكون مدعاة لحزن أزلي، ويجعل الشاعر في وطنه غريباً عن نفسه وعن محيطه، وقريباً من حزنه اليومي باعتباره خبز الحروب التي لا يملكُ منها فككاً، ولا يستطيعُ أكثر من رفضها. ويُعتبر الشاعر قاسم السنجري واحدا من جيل الشعراء التسعينيين في العراق، ذلك الجيل الذي فتح عينيه على حربين مدمرتين، فتركتا أثرهما في حيواتهم الشخصية وقصائدهم. وهو، فضلاً عن كتابته للشعر، يعملُ صانعَ أفلام وثائقية تهتمُ بالجانب الإنساني وتبحث في أسباب الحروب ونتائجها وآثارها في تغيير الواقع الاجتماعي.