موقف فضائية "العالم" خلال حروب صعدة هي تقدم موقف النظام الإيراني الذي حذر النظام في اليمن من استهداف الشيعة، فيما الحوثي يطرح عن استهداف المذهب الزيدي.. وهناك فرق. إذا في اليمن شيعة بالمذهب الإيراني فهم جزء من الشعب ولا يفترض استهدافهم، وإذا أريد تسمية تمرد الحوثي ب"الثورة" فذلك رأي وإرادة جزء من الشعب، ولكن الأفضل تسمية الأشياء بمسمياتها "ثورة الشيعة" وتنصيص المواقف على الواقع أو إعلان وقائع موقف لتقاس واقعيته، كأن تقول طهران إنها مع الثورة الشيعية في اليمن. ليست إرادة الشعب مقصورة على مهمة ثورة سبتمبر واكتوبر، ولكن ما حضر واستحضر في الواقع يمثل قدراً من إرادة الشعب كمد قومي وأممي وأسلمة وبعث، وحتى ثورة وتثوير الأفغنة للشعب فيها بأي قدر أو نسبة. منذ أطلق الرئيس الأميركي ريجان "الممثل" مشروع ما عرف بحرب النجوم، فذلك جسد وضع ضعف وتراجع الاتحاد السوفيتي، وهو ضعف وتراجع للإعلام الموجه "الأممي"، وسبقه في الانكسار القومي وبداية التحول لما يعرف ب"القرية العالمية" انتقالاً إلى الإعلام الفضفاض للفضائيات، فيما المنطقة كلفت وشغلت بمواجهة أخطار ثورة إسلامية في إيران تصدير ثورة إسلامية إلى أفغانستان. وبقدر ما كانت اليمن ضحية للمشروع الأقليمي للفضائيات في عقد ما بعد الوحدة ربطاً بقضايا صراعات في واقع المنطقة، فها هي ضحية لمشروع أو متغير عالمي، الفضائيات رأس حربته وفيما تعرف ب"ثورات الشباب". فكما كانت طهران تطرح في التعامل مع واقع اليمن وفضائية "العالم" خلال حروب صعدة، تتعامل واشنطن خلال ثورة الشباب التي باتت ثورة أحزاب، فثورة الأفغنة في اليمن المصدرة إلى أفغانستان هي ثورة من واقع اليمن وتمثل إرادة الشعب، وذلك لا يلغي حقيقة أن واشنطن كانت مع هذا التثوير والثورة وأهم الداعمين الفاعلين. تلك كانت ثورة من وضع الصراع العالمي وبمعايير الصراع فيما ثورات الشباب هي من المتغير العالمي، ولا بد أن تمتلك معيارية الأفضلية في التغيير ومراعاة الضرورات والأضرار في كل واقع. واشنطن لم تعد طرفاً في صراع عالمي لتأخذ بالمعيارية والموقفية لتثوير الأفغنة، كما هي ليست طرفاً متطرفاً لتأخذ ذات موقف ومعيارية طهران في تمرد صعدة. عندما يتحدث معارض من فضائية بعبارة مثل "موقف الأصدقاء الأميركيين والاتحاد الأوربي" فهي بمثل عبارة ظل يرددها طويلا بطريقة "موقف الرفاق السوفيت"، وكأنما اعتاد الارتكاز على موقف الكرملين أو البيت الأبيض ليحكم أو لينقلب، وكل المطلوب من البيت الأبيض أو الأوربي هو مراعاة الشعب اليمني وواقع اليمن، وليس مراعاة نظام أو رعاية معارضة. علي عبدالله صالح لم يعد مشكلة لا كما القذافي في ليبيا أو حتى حكام عرب آخرين، وهو منذ شهرين أو أكثر يعرض ويطرح رحيله، فيما وضع الثورة والتثوير وسيطرة الأحزاب بتطرفاتها عليها يطرح مشكلة ما بعد علي عبدالله صالح. موقف واشنطن والاتحاد الأوربي هو مع التثوير والثورات ومع رحيل الحكام، وهم في ليبيا مع مشكلة رفض الرحيل أما في اليمن فأمام مسؤولية ما بعد الرحيل. ما يشكو منه من يسمون "الثوار" في ليبيا هو عدم تحمل أميركا مسؤولية رفض الرحيل، وأميركا والاتحاد الأوربي لا يمارسان مسبقاً سلوك تحمل واستشعار المسؤولية تجاه الشعب اليمني وواقعه بعد الرحيل. كمسؤولية أخلاقية وإنسانية فليس أمام واشنطن والاتحاد الأوربي غير خيار من ثلاثة: - الأول: توجيه معارضة "المشترك" للحوار مع النظام حول تسليم سلمي وسلس للسلطة يتوافق مع الدستور والواقع. - الثاني: التخلي عن المساندة والانحياز الأممي لطرف يرفض الحوار ويمارس كل أفعال التخريب والعنف فيما يرفع شعار "السلمية". - الثالث: تقديم ضمانات للشعب اليمني أمام العالم بتحمل كامل المسؤولية فيما بعد رحيل الرئيس صالح، ومن احتمالات مكارثية هي الأوضح في سياق وتسويق الأحداث. إذا واشنطن والاتحاد الأوربي تعيش كأطراف أكثر من خلاف حول شراكة الضربات العسكرية في ليبيا وتسليح الثوار والحل السياسي ونحو ذلك، فالأفضل والأسهل رعاية حوار بين طرفي الصراع في اليمن "النظام والمشترك"، بما يطور التجربة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وبما يجنب الشعب وواقع اليمن الأضرار والمخاطر، وإلا فكأنما واشنطن والاتحاد الأوربي يريدان حقيقة السير إلى حالة مما في ليبيا، والنظام هو الطرف الوحيد الذي يرفض ويمنع سير واتجاه التطورات إلى مثل هذه الحالة. على واشنطن والغرب التسليم بحقيقة أنه إذا كان انتصر واقعياً على الاتحاد السوفيتي فهو انهزم إعلامياً، وفضائية "الجزيرة" لم تظهر في أية حالة غير اليمن كنسخة أو مستنسخة من ذلك الإعلام الموجه، وذلك ما يتناغم في شموليته وطغيانه مع خبرات المعارضة في اليمن "المشترك" كما تقدمه استثنائية اليمن في سيطرة هذه الأحزاب المتطرفة وبأجنحتها الأكثر تطرفاً سيطرة كاملة على ثورة الشباب. ما ظلت تشكو منه واشنطن كثقافة كراهية ضدها في المنطقة هو من التداعيات الهشة للمشكلة الأساسية من وجهها الأوربي ثم الأميركي، وهو الاستخفاف بإرادة شعوب المنطقة ومواجهة خطر تصدير ثورة إسلامية وتصدير ثورة إسلامية في ذات الوقت حتى تحرير الكويت وغزو العراق، يكرس أو كرس هذا الاستخفاف في التعامل الأميركي وذلك الحاضر بأي قدر في التعامل مع ما تسمى ثورات الشباب، ولعل ذلك هو الجزء الأهم من المشكلة في اليمن، وإذا أوصل إلى المشكلة الأكبر بأي قدر من الكارثية فقد تدرك واشنطن ومعها الاتحاد الأوربي بالخطأ متأخراً، وحين لا يصبح في الواقع خطيئة وإنما ما هو أكثر من ذلك!.