يجمع علماء النفس على أن الصراحة بين الزوجين هي الطريقة الوحيدة لحياة أسرية سعيدة، ولصحة نفسية سليمة ونوم هانئ وحياة هادئة. ويعتبر الكذب من الصفات المذمومة التي تنبذها الأفراد والمجتمعات، ومع ذلك فإن هناك الكثير من الأزواج والزوجات لا يتورعون عن الكذب على شركائهم لتفادي الكثير من الخلافات والمشاكل. ويختلق الرجال بالدرجة الأولى تصنيفات متعددة للأكاذيب، لعل أهمها ما يطلقون عليه اسم "الكذب الأبيض" الذي يحاولون من خلاله خلق صيغة متوازنة للتعايش مع زوجاتهم واستمرار الحياة الزوجية دون النكد الذي يشل الحياة ويعجل بالطلاق. وأكدت دراسة أميركية حديثة أن الرجال أكثر قدرة على حَبك الأكاذيب وصياغتها، وأكثر خبرة في اختيار التوقيت المناسب للكذب والطريقة التي تنطبق عليها الكذبة. وربطت بين مستوى الذكاء وبين الكذب فكلما ارتفع مستوى الذكاء كلما قلت القدرة على الكذب وكلما قلّ مستوى الذكاء كلما ارتفعت القدرة على الكذب. وبينت الدراسة أن من بين كل 4 رجال يكذبون هناك رجلا واحدا لا يتقن الكذب فيتلعثم ويضطرب أثناء قيامه بذلك، موضحة أن الرجال والنساء يكذبون بنفس الدرجة تقريباً، لكن الفرق يتمثل في أن المرأة أكثر مهارة في اكتشاف الكذب من الرجل وذلك لأن الرجل عندما يكذب تظهر على وجهه علامات الانفعال وكلما كبرت كذبته احمر وجهه أكثر. وأشار باحثون من جامعة أوهايو الأميركية إلى أن الشخص الذي يكذب سواء كان رجلا أم امرأة يقنع نفسه بأن كذبته بيضاء ليتهرب من تأنيب ضميره موضحين أن فترة الخطوبة هي أكثر الفترات التي يشيع فيها الكذب بين الرجل والمرأة، حيث يحاول كل طرف منهما أن يظهر أمام الآخر بشكل أكثر جاذبية حتى لو ادعى أنه يتمتع بصفات غير موجودة فيه. وحذر العالم النفسي الأميركي روبرت فيلدمان من أن الكذب بات صفة سائدة إلى درجة أن البشر باتوا يخادعون ويخاتلون دون وعي منهم، وكأن مثل هذا الأمر بات طبيعيا، ومن ضمن أسباب الكذب برأي فيلدمان، أن الكثير من الناس عاجزون عن التقاط أكاذيب الآخرين، وبالتالي يقعون فريسة سهلة لهم، وذلك لأنهم يحكمون على الشكل الخارجي وعلى الإيماءات التي ترتسم على وجوه البعض دون التدقيق فيها ومحاولة تفسيرها بشكل دقيق. وبيّن أنه لا توجد علاقة متبادلة بين ما يبدو على ملامح الشخص ودرجة صدقيته، إذ قد يبدو مبتسما، وهو في الواقع مشغول بأمر آخر غير المحادثة التي يجريها مع الآخرين، مؤكدا على مقولة أن "المناظر خادعة". ورأى فيلدمان أن الكثير من الناس لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير والتحليل الدائم لما يقوله لهم الآخرون، مما يفتح بابا واسعا أمام الكذابين والأفاقين كي يقولوا ما يشاؤون. وأكد أننا نعيش في زمن بات فيه الكذب والخداع من الأمور التي يمكن التغاضي عنها بصورة أكبر بكثير من السابق، فالكثيرون باتوا يعتقدون أنه لا بأس في الكذب، طالما لا ينكشف الشخص المخادع. وأشار فيلدمان إلى أنه لا توجد أدلة علمية تؤكد أن الكذب يأتي ضمن الجينات والطبيعة البشرية، مبينا أن الناس يتعلمون خصلة الكذب والخداع من خلال محيطهم بالدرجة الأولى منذ نعومة أظفارهم. وأكد أندرياس ميلفتسيك، خبير العلاقات الزوجية بمدينة بوخوم الألمانية، أن الكذب يُعد من المحظورات في العلاقات الزوجية، حتى وإن كان اضطرارياً وذلك لغاية عدم جرح مشاعر شريك الحياة، إذا ما عرف الحقيقة المؤلمة. وعلل ميلفتسيك رأيه قائلاً: "الكذب لا يزعزع الثقة المتبادلة بين الطرفين فحسب، بل يمكن أيضاً أن يأخذ الحياة الزوجية إلى منزلق خطير"، لذا يشدد خبير العلاقات الزوجية الألماني على ضرورة أن يتحلى الأزواج بالصدق وأن يحرصوا على قول الحقيقة دائماً.ويعترف ميلفتسيك بصعوبة هذا الأمر، لاسيَّما إذا كان شريك الحياة غيوراً جداً، موضحا: "بالطبع، من الصعب أن يقول الرجل لزوجته مثلاً إنه تجاذب أطراف الحديث مع زميلته الحسناء خلال استراحة الغداء، إذا كان على يقين بأن زوجته الغيورة ستكيل له الاتهامات كرد فعل لمعرفتها بالحقيقة". وأكد أن إخفاء الحقيقة عن شريك الحياة لا يقل صعوبة عن مصارحتها بها، موضحاً: "مَن يعمد إلى إخفاء الحقائق عن شريك حياته، يقع تحت ضغط عصبي رهيب، حيث يتعين عليه أن يكون يقظاً دائماً ويحفظ تفاصيل كذبته عن ظهر قلب، كي لا يفتضح أمره وينكشف سره. وبالطبع سيشعر الطرف الآخر بهذا التوتر الرهيب عاجلاً أم آجلاً، وستلعب الظنون برأسه". ورأى خبير العلاقات الزوجية أن مناقشة مشاكل شريك الحياة بصراحة ووضوح تُعد التصرف الأمثل في هذه المواقف، قائلاً: "من المفيد أن يُبين الزوج لزوجته أن غيرتها من زميلاته في العمل غير مبررة، كما يستحسن أن يجيب الزوج عن أسئلة زوجته بصراحة ليبدد كل شكوكها". ومن خلال هذه المناقشات التي تتسم بالصدق والشفافية يستطيع الزوجان الحفاظ على مساحة الثقة بينهما. وفي استطلاع أجرته المعالجة النفسية هارفيل هندركس، مؤلفة كتاب "الحب الذي تريده.. دليل السعادة الزوجية" ذكرت أن ما يقرب من 83 بالمئة من النساء لا يجدن حرجاً في المبادرة إلى دعوة أزواجهنّ للنقاش في شكل العلاقة الزوجية بينهم، في حين تبين أن نسبة الرجال الذين يهتمون بفعل الشيء نفسه لا تتجاوز 57 بالمئة، وفسرت النتائج أنّ الشخصيات التي تميل إلى الصراحة الزائدة عن الحد هي شخصيات مندفعة لا تعرف كيفية التحكم في حديثها، وهي لا تعترف بوجود قصور في سلوكها هذا، وبالتالي هي شخصيات تحتاج إلى إعادة تأهيل، سواء من الرجال أو النساء. لكن دراسة بريطانية أثبتت أن الصراحة بين الزوجين تقود إلى إحساس كل منهما بالآخر وبهمومه وآلامه، إلى درجة أن الشريك الذي يحب شريكه يعاني الأحزان نفسها التي تصيب الطرف الآخر.