صورة مانديلا الفيزيائية للشاب الفتي، مُغايرة تماماً لصورته الطُهرانية بعد أن خرج من السجن، فمن الناحية الإشارية البحتة، بدت صورته الأولى على عهد شبابه مقرونة بالعنفوان والتطيُّر المصحوب بقدر من المُسبقات الذهنية التي لا يمكن تقرِّيها إلا بعدسات الذائقة البصرية الرائية لما وراء الاتصال الصوري المباشر، لكن تلك الصورة تغيَّرت جذرياً بعد تطهره المستديم في سجون الفصل العنصري، فقد خرج مانديلا أكثر تصالحاً مع نفسه، واكتسى سيماء وجه مريح، بصفاء نوراني، وبدت ملامحه مطابقة لملامح شخصية رسالية نبيلة. لقد انقلبت سحنته رأساً على عقب، ليكتسي قوة معنوية، تستمد وهجها من تروْحن مقرون بالمحبة الصافية النقية.. تلك التي تصل في ذروتها إلى حد استيعاب المُختلف العنيف، مهما بلغ في تطرّفه وتجاوزاته. صبر مانديلا على المكاره، ولم يتزحزح قيد أنملة عن مواقفه المُعلنة سلفاً، ومطالبته بإلغاء نظام الفصل العنصري، واعتبار البشر سواسية، بغض النظر عن جذورهم العرقية والدينية، وظل في سجنه المديد مُلهماً للمؤتمر الوطني الإفريقي، كما أعْجز سلطات الفصل العنصري الذين لجأوا إلى كل السبل لتليينه، وتغيير موقفه. لقد استخدموا أكثر العلاقات الاجتماعية حساسيَّة وحميمية في حياته، وحاولوا إغواء زوجته السابقة، لتضغط عليه قبولاً بمرئياتهم، ولم يدركوا قوة الشكيمة التي لديه، وهو البادي بسحنة المتسامح المحب الرافض للموبقات.. لكنهم لم يصلوا معه إلى طريق يُرضيهم. [email protected]