كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    الحكومة: الحوثيون دمّروا الطائرات عمدًا بعد رفضهم نقلها إلى مطار آمن    مجزرة مروعة.. 25 شهيدًا بقصف مطعم وسوق شعبي بمدينة غزة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    وزير النقل : نعمل على إعادة جاهزية مطار صنعاء وميناء الحديدة    بيان مهم للقوات المسلحة عن عدد من العمليات العسكرية    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    الاتحاد الأوروبي يجدد دعوته لرفع الحصار عن قطاع غزة    الصاروخ PL-15 كل ما تريد معرفته عن هدية التنين الصيني لباكستان    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    لجنة الدمج برئاسة الرهوي تستعرض نتائج أعمال اللجان الفنية القطاعية    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا يقرأ النواب؟!
نشر في المصدر يوم 20 - 03 - 2010

في الدور الثاني من قاعة مجلس النواب اليمني توجد مكتبة.. وعلى يمين القاعة نفسها يوجد مُصلَّى ومكتبٌ صغير ليحيى الراعي وبوفيه قديمة يرتادها النواب بكثرة.
منذ فترة وأنا أفكر بإنجاز مادة صحفية لها علاقة بما يقرأ النواب وبما يلبسون وطبيعة اللغة التي يتحدثون بها.. والأسبوع الفائت قررت أن أبدأ، وصعدت إلى الدور الثاني لأتأمَّل في علاقة أهل البرلمان بالثقافة.. توجد أشياء كثيرة بحاجة إلى مصارحة، وهناك مكتبة ضخمة جهزها الألمان ب 100 ألف دولار كمرحلة أولى، ثم إن أبو بكر القاضي نفسه لا يتذكر كم بلغ الدعم المالي في المرحلة الثانية.
كتب سياسية وقانونية وموسوعات وتراجم بعضها فوق بعض، غير أنها بحاجة ماسَّة إلى أناسٍ يمنحونها شيئاً من الوقت المهدور في البوفيه.. ومن واقع سجلات الزوار تبدو القراءة عندهم مسألة ثانوية، , وهذه نتيجة طبيعية بالنسبة لنواب لا يتشرط القانون أن يكونوا مؤهلين وذوي مواصفات عالية.
هم في الواقع عبارة عن تجار ومشائخ وضباط وخطباء جُمع ومدرسين، وفيهم من لا يعدو مؤهله عن كونه "يقرأ ويكتب" أو "ثقافة عامة".. إلى ذلك يوجد رسَّامون وشعراء شعبيون وامرأة طيبة وأشخاص كانوا مرافقين قدامى لآبائهم أو عمومتهم في مجالس ما قبل الوحدة.. والقليل هم الأساتذة الجامعيون الذين تخلو شرفة الرئاسة من واحد منهم.. وجميعهم، إلا نسبة ضئيلة، لا يذهبون إلى "الورشة" التي يصقل الرجال المميزون فيها معارفهم، حسب توصيف الصحفي محمد العلائي.
تحكي سجلات زوار المكتبة أن بعض نواب الاشتراكي يأتون، وأن المؤتمري عبدالله حسين خيرات، مقرر لجنة الأوقاف قارئ شغوف.. فهو هذه السنة لوحدها استعار قرابة 20 كتاباً، ولكن هي لا تخرج عن كونها مصادر ذات علاقة بوظيفته خارج البرلمان..مثلاً كتاب (الأربعين حديثاً النووية) وكتاب عن الإمام الشافعي تاريخه وعصره، وأشياء من قبيل التزكية والزهد والطهارة الروحية.. يبدو أن الوالد عبدالله حسين خيرات، وهو النائب الذي أسقط المثقف اليساري رئيس اتحاد الأدباء الأسبق، الراحل يوسف الشحاري في الحديدة، اعتاد منذ ذلك العام (1993) أن يحضر خطبة الجمعة من داخل مكتبة البرلمان.
نواب الاشتراكي أيضاً يقرأون، وآخر ما استعاره الدكتور ناصر الخبجي كتاب (الانفجار) ثم (سنوات الغليان) لمحمد حسنين هيكل.. كان عليه أن يبدأ بسنوات الغليان أولا ، ثم الانفجار،
آخر ما استعاره الدكتور ناصر الخبجي كتاب (الانفجار) ثم (سنوات الغليان) لمحمد حسنين هيكل. في حين لم تشر سجلاتها إلى أن زميله صلاح الشنفرة قد استعار يوماً ما كتاباً واحداً.
لكن ذلك الترتيب للكتب يفصح عن أن الخبجي غادر صنعاء إلى الضالع ولم يكن قد رتب أولوياته بعد..
كان هذا النائب زبوناً دائماً للمكتبة، في حين لم تشر سجلاتها إلى أن زميله صلاح الشنفرة- الذي قدم استقالته من الحزب الاشتراكي قبل أشهر- قد استعار يوماً ما كتاباً واحداً.
ليس بالضرورة أن يتتبع النائب آراء سارتر أو يقرأ روايات جبرائيل غارسيا ماركيز.. لا ليس ذلك، ولا مطلوب من الحاج أحمد العقاري أن يرهق نفسه بطلب الكلام كلَّ يوم أو أن ينفخ المايك رافعاً صوته أكثر من اللازم.. الحاج العقاري نائب خدمي يصحو أول الناس ويأتي إلى بوابة المجلس على ظهر موتور وفي جيبه كدمتان ومصحف.
وبما أن الجلسة لا تبدأ إلا بعد العاشرة والنصف فإن الحاج العقاري يستفيد أحياناً من الوقت ويجلس على الكرسي الأطرف في القاعة فارداً الختمة ومستمداً ثقافته من كتاب الله وحده.
لا أحد يدري لماذا لم يخفف بعض أعضاء مجلس النواب من الاستعراض داخل القاعة وهم لا يصعدون إلى الدور الثاني ولا تتوفر لبعضهم مكتبة في البيت.. كما وأيضاً لا يكفون عن الصياح والشجار داخل البوفيه، هذه البوفيه قديمة وليس فيها ما يغري أو ما هو جدير بالشغف..عبارة عن ليم وشاي أحمر، وفي بعض الأيام كيلو جزر لا يظهر أنه طري.
أعتقد أن الراعي بحكم خبرته الإدارية الطويلة مهتم بتوفير الليم.. كيف لا وهو يتعامل مع البوفيه كعيادة صحية تؤدي وظيفة الإسعاف الأولية، لأن نواب المعارضة يلوذون بها عندما يرتفع الضغط.. ويحيى الراعي، وهذا يحسب له، مهتم أيضاً بتوفير الكتب، وحتى أنه متفوق على نبيه بري في هذه المسألة.. فمثلاً تزخر مكتبة برلماننا ب 36 ألف عنوان، نصفها في الدور الثاني ونصفها الآخر موجود في البدروم ومربَّطة داخل كراتين كاحتياط، في حين لا تزيد مكتبة البرلمان اللبناني عن 18 ألف عنوان.
الراعي بحكم خبرته الإدارية الطويلة مهتم بتوفير الليم.. كيف لا وهو يتعامل مع البوفيه كعيادة صحية تؤدي وظيفة الإسعاف الأولية. كما أن الراعي مهتم بتوفير الكتب ، وحتى أنه متفوق على نبيه بري في هذه المسألة
إنها مفارقة مدهشة، خاصة ويحيى الراعي لا يستطيع أن يلفظ كلمة دكتور بشكل صحيح.. وبدوره عبدالله أحمد صوفان، أمين عام المجلس، بعث الشهر الفائت مسوؤل المكتبة إلى معرض الكتاب بقائمة طويلة بينها كتابان للرئيس الأمريكي باراك أوباما: الأول (أحلام من أبي) والثاني (جرأة الأمل).
مكتبة البرلمان اليمني أكبر من مكتبة البرلمان اللبناني، وحتى يلاحظ أن لدينا نواباً شعراء أكثر منهم.. لكن هل تجوز المقارنة مثلاً بين الشاعر فؤاد دحابة والنائب غسان تويني.
"المكتبة موجودة والخير من كل جانب".. هكذا قال لهم رئيس مجلس النواب في إحدى الجلسات عندما لم تستطع القائمة أن تحل إشكالية قانونية أشبه باللغز.
كان ذلك في مايو الماضي، عندما نشبت الأزمة بين القضاء والبرلمان بشأن اعتقال النائب البرطي. ذاك اليوم وجَّه النواب استجواباً لوزير العدل لكونه لم يأمر بتوقيف وكيل نيابة تعز، الذي أقدم على حبس عضو مجلس النواب قبل أن يحصل على موافقة البرلمان على رفع الحصانة..
كانوا مصرين على سحب الثقة من وزير العدل وعندما جاء تحدَّاهم أن يأتوا بنصٍّ قانونيٍّ واحد يعطي وزير العدل سلطة الأمر القضائي على وكيل أو عضو النيابة.
كان الوزير يتلو عليهم نصوصاً قانونية تبين محدودية سلطة وزير العدل على النيابات، وكان النواب بدورهم يردون عليه بموادٍ مضادة.. لحظتها حصلت إشكالية كبيرة وأحسَّ أعضاء مجلس النواب بالحاجة الماسة إلى مراجع.
استمر الجدل أكثر من أسبوع، وفوقهم تماماً تقع المكتبة. وهي عبارة عن ديوان طويل مكتظة جدرانه الأربعة إلى السقف بمختلف صنوف الكتب.
أول ما تدخل يستقبلك أحمد فتحي سرور، بموسوعته الجنائية من جهة اليمين كأنه يصافحك.. وإلى جواره محمد حسنين هيكل، ترتصُّ كتبه وتتزاحم من العروش والجيوش إلى ملفات السويس إلى خريف الغضب وصولاً إلى استئذان بالانصراف.
لا أدري لماذا لا يقرأ النواب؟! وحتى محمد الحزمي نفسه الذي يخوض حرباً ضد التطبيع منذ سنوات جامعا توقيعات في مواجهة محمود عباس، ماذا لو يدري أن مذكرات آرييل شارون موجودة في الدور الثاني.
..
يحكى أن النائب المؤتمري علي العمراني من أكثر البرلمانيين ثقافة، وهذا أكيد. فالرجل الذي ينتمي إلى قبيلة الملاجم (جنوب شرق البيضاء) خصص غرفة متوسطة في بيته للقراءة وأظنها مكتبة مهمة خاصة للذين يقرأون بالانجليزية.

وهو إلى كونه برلمانياً معروف ومهاب، وجدته الوحيد، من بين زملائه، الذي أنجز بحوثاً ودراسات لها علاقة بتطوير الحياة البرلمانية في اليمن وحتى بتطوير النظام السياسي نفسه.
وأزعم أنني أفهم علاقة عضو البرلمان بالثقافة من خلال مداخلاتهم داخل القاعة. فالعمراني من أولئك الذين يتكلمون بتركيز عالٍ ويختارون عباراتهم بعناية. فهو مثلاً يستحضر في مداخلاته شخصيات برلمانية عالمية أو نماذج لبرلمانات ذائعةُ الصيت في أوروبا أو في شرق آسيا مثلاً.. وحتى أحياناً يعود إلى التاريخ للإستشهاد بوقائع تأريخية معينة او بمقولات إزاء قضايا محل النقاش ، كأن يقول في جلسة خلاف شديدة بين المؤتمر والمعارضة إزاء حرب صعدة ويقول بأسف: "تفرقت أيدي سبأ".
يحمل علي العمراني بكالوريوس هندسة معادن من كلية البترول في الرياض، وسمعت سلطان البركاني ذات يوم يتحدث لمندوب صحيفة أجنبية بفخر عن علي العمراني كأحد رجال الكتلة الضخمة الذين يتحدثون بالانجليزية، وأظن البركاني ذاك اليوم أحال الصحفي إليه.
تستطيع أن تقول أن هذا النائب مثقف وأنت واثق.. فهو متابع جيد للصحف المحلية والعربية ولا أظن أن هناك نائب مثله يتابع مجلة "وجهات نظر" بانتظام أو مجلة مثل "فورن بوليسي" الأمريكية.. وأعرف أن لديه كشف حساب في مكتبة بشارع الزراعة يتردد عليها كل يوم. وأنا من الذين زاروه إلى البيت وتعرفوا على مكتبته. وفيها كل كتب محمد حسنين هيكل وتقريباً أغلب إصدارات مجلة عالم المعرفة ، إضافة إلى موسوعات كبيرة ومؤلفات باللغتين العربية والانجليزية ، واظن انه قرأ مذاكرات قادة الحرب العالمية وزعيم الهند انديرا غاندي. وحتى لديه موظف خاص بالمكتبة وبإرشيفه الشخصي.
المشكلة أن أعضاء مجلس النواب لا يعرفون أن زميلهم هذا، البالغ من العمر 50 سنة تقريباً، تعلم القراءة والكتابة بعد سن ال 25، حسبما سمعت.. كما وأيضاً لا يعلمون أن علي العمراني نشأ يتيماً وتربى في بيت جدة عظيمة.. وقيل إنه دخل صنعاء أواخر الستينيات حافياً لأن أبوه قتل وهو يحاول فك الحصار عنها، وسيرته هذه المليئة بالشجون والانجازات جديرة بأن تُكتب.
لدى العمراني دبلوم في السياسات المالية من أمريكا ولديه حالياً أبناء يدرسون هناك.. وإلى كونه من اصحاب المؤهلات النادرة،فإنه من النواب الذين يمتلكون خبرة طويلة وقدرات نوعية، فقد ترأس اللجنة الأصعب والأهم في البرلمان منذ 95 تقريباً:اللجنة المالية..وهي كانت واحدة من اللجان الفاعلة داخل مجلس النواب. كما وأظن أنني لم ألاحظه يوماً مد بورقة لوزير أو سجل عليه نائب مديرية "الجراحي" خطأ نحوي واحد.
يمكن أيضاً قياس المستوى الثقافي عند النواب من خلال تردد أي نائب على الأكشاك،أو من خلال اللغة التي يتحدثون بها.. مثلاً أنا أستطيع أن أفهم: لماذا القاعة تهدأ والنواب يسكتون عندما يتكلم علي عشال؟
يمكن أيضاً قياس المستوى الثقافي عند النواب من خلال تردد أي نائب على الأكشاك،أو من خلال اللغة التي يتحدثون بها.. مثلاً أنا أستطيع أن أفهم: لماذا القاعة تهدأ والنواب يسكتون عندما يتكلم علي عشال؟
هذا الشاب المعارض ،الذي يتزاحم بعض النواب حوله لإلتقاط صور تذكارية معه، يطلب الكلام نادراً وعندما ينهض تسكن القاعة ولا يتحدث إلا بلغة الأرقام..
في شخصية علي عشال ما يجذب النواب،وهو لا تفوته في الصحف شاردة ولا واردة، حسب الصحفي نايف حسان. ورغم الفترة الزمنية القصيرة على وجوده النيابي إلا أن الأيام أثبتت أن نصيحة الشيخ نبيل باشا اول يوم كانت فعالة ..
"في اول يوم دخلت فيه البرلمان فضلت الالتحاق بلجنة الشؤون الخارجية لكن نبيل باشا همس في أذني بهذه النصيحة: أقول لك ما تخارجش ادخل لجنة النفط"، هكذا يتذكرعلي عشال هذه النصيحة بعد 10 سنوات وبعد ان أصبح عضو لجنة التنمية والنفط الأبرز.. يرجع علي حسين عشال فضل تفوقه في هذه اللجنة لنبيل باشا ، وقال ، في سياق الإحتفاء بمرور 10 سنوات على تلك النصيحة:"إنها كانت نصيحة مفيدة"..
ومن خلال هذه اللجنة برز اسم هذا الشاب الحاصل على بكالوريوس علوم سياسية من جامعة صنعاء ، لكن هناك فرق بين نائب وآخر في التعاطي مع مسألة التخصص البرلماني..لقد دخل إلى اللجنة خلافا لرغبته، مطأطئ الرأس ومستحي لكن صخر الوجيه تلقفه بعناية.
تعامل علي عشال مع هذه اللجنة بجد ودوام على البحث والقراءة في مسائل النفط حتى أصبح أحد خبراء البترول القليلين في اليمن.. وليست مبالغة القول إنه حتى الآن لا أحد يباهيه في مقاربة الأرقام وتحليلها كمياً داخل القاعة إلا صديقه الحميم صخر الوجيه.. كان علي عشال يتردد على المكتبة في البداية وكان ينتقي من وسط الرفوف الكتب العلمية بعناية.. وقد سمعت علي العمراني يوماً يشهد أن عشال نائب مثقف وذكي وأنه أحد النواب الذين بنوا أنفسهم من خلال القراءة.
عشال ليس نائباً محتجزاً في إطار لجنة المعادن والسياسات النفطية، فمعلوم انه أنجز مشروع القانون الأهم في تاريخ البرلمان اليمني: مشروع قانون حق الحصول على المعلومة. هذا المشروع الذي قدمه إلى البرلمان قبل عام وأحدث ضجة كبيرة في الوسط الثقافي والإعلامي العام، ما أظن أن علي عشال اهتدى إليه لولا مسألة القراءة والبحث.. لقد نظمت لأجله عدة فعاليات وعقدت حلقات نقاش كثيرة وسمعت الصحفي الكبيرعبدالباري طاهر يقول: "هذا المشروع يجب على الناس أن يدعموه بقوة".. كما ونشرته صحيفة "النداء"، في الأسبوع الأول على تقديمه إلى البرلمان، لأن سامي غالب يدرك قيمته الصحفية.
من النواب الذين وجدت أسماءهم مقيدة في سجلات المكتبة، النائبان الناصري عبدالله المقطري والمؤتمري أحمد الخولاني.. فالأول عضو مهم وفاعل في اللجنة المالية، وغالباً ما يستعير كتباً في السياسات المالية وفي طرق إعداد الموازنات العامة للدولة.
وأذكر أن عبدالله المقطري شكا أكثر من مرة من على منصة الإلقاء الرئيسية، وهو يرفع الموازنة العامة لمجلس النواب إلى أعلى، ويصيح في وجه القاعة التي كانت تضج بالصياح قائلاً: "أنتم لا تقرأوووون يا جماعة"، وكان يتحداهم أن يكون أحد من المعترضين قد قرأها.
المقطري نائب قارئ فعلاً ، ويبدو أنه بإضافة النائب الإصلاحي المتواري عن العدسات انصاف مايو، أهم عنصرين في اللجنة المالية. ويمكن أن تتأكدوا من هذه الحقيقة ببساطة: من خلال ما يطرحوه في الجلسات العلنية.
ذات يوم خاض أعضاء مجلس النواب بما فيهم رؤساء الكتل في قضية المؤسسة الاقتصادية العسكرية: هل تتبع وزارة التجارة أم تتبع رئاسة الجمهورية ، أم هي قطاع خاص لا يرفد الخزينة العامة للدولة بريال واحد.. كانوا في حيرة حقيقية ، وكان بعضهم يطالب بإلغائها. لكن المقطري الذي ينزل دائماً في الصفوف الأخيرة، كان يضحك لحظتها بأسف ، وجاء دوره في الكلام متأخراً.. هكذا يفعل دائماً، وعندما أعطاه الراعي الحديث، وقف يخاطبهم : "يا أعضاء مجلس النواب هذه المؤسسة لديها قانون يحدد تبعيتها لوزارة الدفاع وأنتم أصدرتم قانون بذلك". وأضاف مستغرباً: "لماذا تخوضون في نقاش قضية وأنتم غير مدركين ولا مستوعبين صيغتها القانونية".. وهكذا فكك عبدالله المقطري لهم هذا اللغز الذي استنفذ الوقت والجهد من الصباح حتى الواحدة بعد الظهر.
عدد الكتب الذي استعارها نائب مدينة ذمار أحمد محمد الخولاني هذا العام لوحده حوالي 25 كتاباً ، وعندما تأملت في العناوين وجدتها كتباً ذات علاقة باللجنة التي يعمل فيها: اللجنة الدستورية.. هذا النائب ، الذي لم يغير بقعته في الصف الثاني من وسط القاعة منذ دخل البرلمان في 2003، لا يمكن أن تمر جلسة دون أن يرفع نقطة نظام على سير النقاش أو للتنبيه من الوقوع في محظور لائحي.
لا أدري لماذا كان بعض النواب
مكتبة البرلمان اليمني أكبر من مكتبة البرلمان اللبناني، وحتى يلاحظ أن لدينا نواباً شعراء أكثر منهم.. لكن هل تجوز المقارنة مثلاً بين الشاعر فؤاد دحابة والنائب غسان تويني.
يردون بتذمر عندما أخذت الأسبوع الماضي أسألهم عن فكرة إن عدداً قليلاً من النواب يذهبون إلى المكتبة "وأنتم لا ؟!". كانوا يردون بصيغة الإجابة الواحدة: "هاذولا نواب ما معاهمش كتب في البيت".. هكذا يبررون وهم غير قادرين على إثبات ذلك أو على إخفاء مشاعر "الإحراج" الذي سببته لهم.
ليست حقيقة ، أن هؤلاء الذين يستعيروا كتباً من مكتبة البرلمان غير جديرين بامتلاك مكتبة في منازلهم.. فمن يستطيع أن يتصور أن بيت الدكتور عيدروس النقيب يخلوا من مكتبة أو مثلاً النائب إنصاف مايو.. لنفترض جدلا أن الجميع يمتلكون مكتبات في بيوتهم، لكن ما نوع الكتب التي تحويها كل مكتبة؟!
تستطيع أن تقرأ النائب المثقف من ذاك الذي يجيد القراءة والكتابة فقط من خلال مداخلاتهم اليومية داخل القاعة..كما و ينبغي لزوار المكتبة مثلي أن لا يحكموا على النواب من خلال سجلات الزيارة ، وإلا فسيكون النتيجة احكاماً غير عادلة.. هناك اناس ليسوا بارزين ، لكن عندما يقررون الكلام في مسألة ما يدرك الصحفيين كم أنهم بارعون للغاية.. على سبيل المثال أكثر نواب حضرموت دكاترة ، وعندما وقعت كارثة حضرموت أواخر العام الفائت وقف 3 منهم في اليوم التالي للكارثة وتكلموا عن الكارثة بلغة علمية معقدة.
أحدهم وهو الدكتور محمد سالم الجوهي، دوّخ القاعة ذاك اليوم بمداخلته كأكاديمي متمكن ونائب مثقف لا يحب الظهور.. يحمل هذا النائب دكتوراه في تخطيط المدن من جامعة إكسفورد ، وكان يتناول المشكلة من زاوية التخطيط الحضري وكيف ان الدول المعرضة بلدانها لكوارث من هذا النوع تقلل من خطر الكارثة (المتوقعة) قبل وقوعها من خلال التخطيط العلمي لمسألة البناء والتشجير وتوزيع المزارع.
يتوفر نواب من هذا النوع مثقفين ويتمتعون بقدرات برلمانية عالية. و تجدون هؤلاء موزعين في مختلف الكتل..خذو على سبيل المثال من كتلة الإصلاح النائبان عوض باوزير وشوقي القاضي. ومن كتلة المؤتمر مثلاً النائبان التعزيان: علي محمد المعمري، وجابر الشوافي وأيضاً عبدالوهاب معوضة وآخرين.
شوقي القاضي يحضر ب"لابتوب" ويجلس غالباً في طرف القاعة يتصفح الانترنت أو ينجز اعمال مهمة من نوع ما.. ولكن شوقي عندما يقف للحديث في جلسة ما يغضب زملاء حزبه المتشددين كونه يقدم حلولا وسطية.. وهو من النواب الذين يمدد الراعي لهم الوقت عندما يتحدثون ويطرح مقترحه على القاعة للتصويت مباشرة.
لكن علي محمد المعمري، وهو مؤتمري لبق ومشاكس، لا يحظى لسؤ حظه، بالتأييد نفسه الذي يحظى به شوقي القاضي من يحيى الراعي..
المعمري يظهر عندما يتحدث بارعاً ومتمكنً كما لكأنه زعيم كتلة.. ربما هناك سبب يجعل رئيس المجلس غير مقتنع بما يطرحه المعمري له علاقة بالصداقة التي تجمع الأخير بعلي عشال.
يتحدث علي المعمري عن الخصخصة وقوانين العرض والطلب ببراعة، وفي بيته رأيت ما هي الكتب التي يقرأها.. إضافة إلى المجلات الاقتصادية المتخصصة،استطيع اتذكر كتاب لآدم سميث.. وأظن رأيت كتاباً للخبير الاقتصادي المصري سمير أمين عن الرأسمالية المتوحشة. وفي جلسة مناقشة مشروع قانون "صندوق التدريب المهني" لا حظ الصحفيون عندما رد المعمري على اعتراضات نواب من المعارضة على موضوع الخصخصة قائلا:" لا يدري هؤلاء المغفلين بأننا في عالم اليوم هو يدار بعقلية القطاع الخاص".
بلغة مختصرة؛ يمكن لأي إنسان أن يشاهد وجه اليمن الثقافي وأن يقرأ الخارطة السياسية والجغرافية لليمن من خلال برلمانه.
قليل هم الذين يذهبون إلى المكتبة لاستعارة كتب ، ولكن لا أحد يكترث لكتاب إدارة المخاطر!

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.