التركيبة الخاطئة للرئاسي    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    حكومة بن بريك غير شرعية لمخالفة تكليفها المادة 130 من الدستور    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    اعتبرني مرتزق    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«طرفا الحرب»تعبير مغلوط واصطلاح فاسد
نشر في المصدر يوم 21 - 11 - 2015

إن نقطة انطلاقك أو بداية تأسيس كتابتك الايديولوجية / الفكرية، في قراءة وتحليل أي صراع سياسي / اجتماعي طبقي، سواء داخلي (وطني) أو خارجي (عالمي) هي بداية وراية إعلانك عن اسمك، هويتك، هي لحظة تعريفك عن نفسك (موقفك، ورؤيتك السياسية) قل لي أين تقف؟، وإلى جانب من؟، أقل لك من أنت، وماذا تريد أن تعمله، أو توصله للناس، ودائماً يقال إن الكثير من الاختلافات (أحياناً) تكون مؤسسة من نقطة البداية والانطلاق. كما أن كثيراً من المساجلات أو الحوارات والنقاشات الجادة، والاختلافية حتى بين المتفقين سياسياً، والمنطلقين من أرضية أيديولوجية واحدة يكون سببها في الغالب عدم تحديد المصطلحات، والمفاهيم، بدقة، ووضوح، أو عدم تقديم تعريف أو تشريح ايديولوجي، سوسيولوجي (اجتماعي اقتصادي) حول ماذا تريد مما تقوله، أو تكتبه، فليس هناك في هذا المجال، أن المعنى في بطن الشاعر، أو أن الغموض في الموقف، والرؤية، سببهما يعود لفئة القصيدة عالية التكنيك، يصعب معه إدراك المعنى، من قراءة أولى.
ففي حقل ومجال البحث السياسي، والصراع السياسي الاجتماعي، والتحليل السوسيو/سياسي النقدي لا يمكنك القول إن القراءة تحتمل هذا المعنى أو ذاك، هذا التأويل أو ذاك، أو أن المعنى في بطن الشاعر، أو الذهاب مع قول أبو الطيب المتنبي (وما ذنبي إن لم تفهم البقر) فأنت في حقل الفعل الثوري، والصراع السياسي / الاجتماعي، مطالب بتحديد موقف سياسي / طبقي، أنت أمام تحديات صراعية سياسية، عسكرية، كفاحية قائمة، في ضوء مجرياتها الراهنة، قد يتحدد مستقبل البلاد كلها، مطلوب منك ليس فقط إعلان وتقديم رؤيتك، بل مطلوب موقفك الكفاحي الواقعي، وهنا أؤكد موضحاً أن ليس مطلوباً منك حمل السلاح، والمشاركة الحربية، بالنزول إلى قلب الصراع العسكري، فقط مطلوب رؤيتك الواضحة المحددة، تجاه ما تسميه «طرفي الحرب» قل لأعضائك، وجماهيرك لماذا أنت ضد «طرفي الحرب» ومن هما برؤية سياسية واضحة؟ في إدانتهما، بعيداً عن الخطاب العمومي المجرد، لأنه من غير المفهوم، في ضوء ما هو جارٍ وفي واقع ما وصلت إليه أحوال البلاد من خراب عظيم، ومن فساد أعظم، ومن مصادرة للحريات، ونهب منظم وممنهج للمال العام، ومن تدمير فاجع للطبقة الوسطى، ومن مجاعة، وكوارث إنسانية، ومن إلغاء للجمال السياسي، وملشنتة للدولة، بعد اختطافها، ومن خراب عظيم طال تدمير وتفكيك للنسيج الاجتماعي والوطني، من غير المقبول، واللامعقول، واللاواقعي، توجيه خطاب لفظي إنشائي حول «طرفي الحرب» واعتبار نفسك خارج ما يدور، وما يحصل، وكأنك «محكَّم» أو حكم أو في وضع المصلح بين الفئتين، المتنازعتين، المتحاربتين «طرفي الحرب»، فلتترك دور الوعظ والارشاد، والنصح، لرجال الدين، والشخصيات الاجتماعية العامة، ودور الصلح، والحكم العام، أو المحكم هنا للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والجامعة العربية، وجميعها قد دخلت طرفاً في قلب الصراع السياسي، والفكري الجاري، بحثاً عن مداخل للأزمة السياسية القائمة، ودورها جميعاً معلوم، ومعلن.
مطلوب اليوم من المثقف العضوي، وليس فقط من المكون السياسي الثوري (المعارض)، أن يقولا كلمتيهما، وأن يحددا دوريهما، وموقعيهما، وموقفيهما، مما يجري، ولا يجوز فيما يجب أن يقولاه، ويكتباه، أن يكتنفه الالتباس، والغموض، والعمية، والمراوحة، والمداورة، والمراوغة، وخاصة بالنسبة للمكون السياسي الثوري، لأن غياب الموقف السياسي الواضح، والمباشر، والمحدد، وكذا ضبابية الرؤية، والالتباس والمراوغة في القول والموقف (بين بين) قد يقود إلى نتائج سلبية خطيرة ليس على المكون الحزبي المعني، بل وعلى أحوال ومستقبل الكيان (المجتمع، والدولة) وهو ما يجب التنبه له، خاصة في الظرف الراهن، الذي يصبح معه الحديث عن «الطرف المستقل» و»القوة الثالثة» و»الكتلة الثالثة» ضرباً من العبث وسخرية من الواقع، والتاريخ. وهو ما يذكرني بحديث البعض في قلب الصراع السياسي الاجتماعي، الوطني، دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر 1962، والجمهورية، «الصراع الملكي الجمهوري في طابعه المحلي، الوطني والقومي» المدعوم سعودياً، وغربياً، (62-1970) بقولهم انهم الطرف الثالث أو «القوة الثالثة» و»الطرف المستقل» في قلب الصراع السياسي، الوطني، والاختلاف هنا مع تبدل المواقع هو في الشكل، والنوع، وليس في الطبيعة، والجوهر.
وهنا يمكنني القول دون أي مجازفة إن الجذور المسببة، والمنتجة للحرب الجارية، لا يمكننا فصلها موضوعياً، وفي سياق امتدادها التاريخي، عن الجذور الايديولوجية، والسياسية، والوطنية التاريخية - مع اختلافات نسبية في الدرجة - مع ما جرى طيلة سنوات 62-1970 - وصولاً إلى حرب 1994، جميعها، هدفها ضرب النظام الجمهوري، «وتوريث الحكم» في صورة الحفاظ على ما تبقى من دولة سلطة المركز السياسي العصبوي التاريخي (المقدس)، وهو ما يفسر تحالف الحوثي/صالح الاستراتيجي القائم اليوم في امتداده الصراعي الاقليمي.
وفي تقديرنا لا يستطيع اليوم، كائناً من كان (قائد سياسي، أو حزبي، أو باحث في الفكر السوسيو/سياسي، أن يقول لنا إن الصراع الجاري في اليمن ليس معولماً، ومدولاً، ومعرباً، ومؤقلماً، هو في الواقع يحمل كل دلالات، ومعاني، ومضامين هذا الصراع، وملامحه، ووقائعه، وحقائقه تعلن عن نفسها، بكل جلاء ووضوح، حتى قبل أخذ الصراع شكله وأبعاده العسكرية، وهنا عليك كباحث في الفكر السوسيو/سياسي، أو كمكون سياسي، أن تقول وتحدد موقفك من الصراع السياسي الجاري، حتى نعرف أين أنت تقف بالضبط؟، أو على الأقل هل أنت قريب أو شبه متفق معه؟، لأنه لا يمكن وقوعك، ووقوفك فوقه، ولا خارجه، ولا يجوز لنا التخفي خلف اصبعنا لنقول كل شيء، ولا نقول شيئاً له صلة بطبيعة، ومضمون ما يدور من صراع نحن في قلبه، كأفراد، ومكونات، ومجتمع، بأطيافه وشرائحه، وطبقاته المختلفة.
إن اصطلاح أو تعبير «طرفي الحرب» ليس لا يستقيم على قاعدة نظرية (فكرية/ سياسية) صلبة، بل هو اصطلاح لا تسنده حقائق ووقائع ما يجري من صراع سياسي في الواقع اليوم، هو باختصار صراع بين مشروعين في السياق التاريخي، قل عنهما ما شئت في التفاصيل السياسية، والاجتماعية الصراعية، ولكنهما في التحليل الأخير صراع سياسي بين مشروعين: أحدهما يريد الحفاظ على ما تبقى من دولة سلطة المركز السياسي القديم في جميع تفاصيله، وآخر يحاول مستنداً إلى تحالفاته السياسية الداخلية، وتقاطعات مصالحه مع الأقليم، أن يدخل إلى مشروع بديل، أو متمايز عن النموذج السياسي التاريخي (الإمامي / الجملكي)، كيف سيكون هذا «البديل» أو المتمايز محققاً لأحلام وتطلعات الناس؟، أم ينكسر بهم وتطلعاتهم في منتصف الطريق؟، الأمر هنا متروك لإرادة الناس (المكونات السياسية، وقوى الشعب صاحبة المصلحة) في استجماع قواهم في مجرى الصراع للدفاع عن حلمهم، بدولة مدنية اتحادية ديمقراطية. كيف سيعبر هذا المشروع وقواه من النفق؟، وكيف سيعبر عن إرادته، وعن نفسه، في مجرى هذا الصراع الجاري؟، هذا محكوم - كما سبقت الإشارة - بدور، وفعل، ومكانة، وإرادة قوى الحداثة السياسية والاجتماعية، وقوى الشعب كافة، في السير باتجاه التغيير..، محكوم بإدراكنا معاً (مكونات سياسية، ومنظمات وقوى مجتمع مدني، وشعب) بمصالحنا السياسية، والاجتماعية، والوطنية التاريخية.
إن تعبير أو اصطلاح «طرفي الحرب» وتنويعاته البسيطة على أصله: مثل القول «بالطرف المستقل» أو القول «بالقوة الثالثة» و»الطرف الثالث»، جميعها لا صلة لها بالحقائق والوقائع الحاصلة على الأرض، ولا تقدم رؤية تشريحية، سياسية، اجتماعية، طبقية، لطبيعة الصراع، وجوهره، ولا تلامس تعقيداته، في جذوره السياسية التاريخية، ولا تقترب من تشابكاته وتقاطعاته الاقليمية / الدولية (ضمن علاقات الداخل بالخارج) في شروط تحولات العولمة السياسية، والاقتصادية الجارية، على طريق تشكل منظومة جديدة للصيغة الدولية تعددية، عوضاً عن نظام القطب الواحد، وليس المحاولات الايديولوجية، والعسكرية، المذهبية، وتطييف (طائفية) الصراع في صور بؤر الحرب الأهلية / الطائفية المتناسلة في المنطقة العربية (العراق، سوريا، لبنان، اليمن)، وفي امتدادها الاقليمي / الدولي، سوى واحدة من تجليات هذا الصراع، الاقليمي / الدولي، الذي نجد أنفسنا كعرب الطرف الأضعف فيه، وساحات حربية له.
إن تعبير أو اصطلاح «طرفي الحرب» في ضوء ما هو حاصل وطنياً، وعربياً، واقليمياً، أقل ما يقال فيه إنه تعبير ملتبس، مراوغ، مداور، يتلطى خلف كلمتين، تقولان كل شيء في عبارة ناقصة، غير مفهومة، ولا تقولان جملة مفيدة، لها صلة بجوهر الصراع كما في تفاصيله السياسية، والاجتماعية، والايديولوجية، والوطنية، اصطلاح هروبي، عمومي، فضفاض، يحاول أن يظهر نفسه، حيادياً، مستقلاً، طرفاً ثالثاً بين طرفين، جاعلاً من الطرفين كتلة واحدة متساوية، بعد أن وضعهما في مستوى واحد، بما فيه المسؤولية، والفعل، والدور الممارس في قلب الصراع.
في الفكر السياسي الاجتماعي التحليلي النقدي، لا مكان للقراءات الملتبسة، المواربة، التعميمية، التي تحاول أن تظهر نفسها، أنها تقرأ، وتشاهد، وتراقب، الصراع بين الطرفين من بعيد، ولا شأن لها بما يحصل، (صفارة حكم) كمن يشاهد فيلماً، أو مسرحية، علماً أنه حتى من يشاهد الفيلم، أو المسرحية، يجد نفسه متضامناً، أو منحازاً، أو قريباً ممن يراه حقاً، أو مظلوماً، ولذلك أرى ان تعبير «طرفي الحرب» ملتبس، مراوغ، مهادن، عمومي، حتى لا أقول أكثر من ذلك، اصطلاح هو نتيجة أو خلاصة كلام وحديث قرأناه كنتيجة، ولم نعرف أو نقرأ المقدمات التشريحية، التحليلية لهذه النتيجة «طرفي الحرب» كأننا أمام خبر بدون مبتدأ (حتى مبتدأ مؤخر)، اصطلاح يختصر، موقفاً وواقعاً، كما يختصر كلاماً طويلاً، كان يجب أن يقال ويكتب كمبتدأ، يأتي بعده الخبر لتكتمل صورة الجملة المفيدة كما تقول لغتنا العربية.
إن ما يجري في واقعنا اليمني اليوم، هو صراع سياسي، اجتماعي، طبقي، على السلطة والثورة، صراع له جذور، السياسية، والأيديولوجية التاريخية (القريبة، والبعيدة) وله تفاعلاته وتقاطعاته الإقليمية والدولية. صراع يعلن عن نفسه بكل شفافية ووضوح، فقط اصطلاح «طرفي الحرب» هو من لا يريد أن يرى كل ذلك -على بشاعة ووحشية ما يحصل- رافضاً تسمية الأشياء بأسمائها، والخشية كل الخشية ان يسخر منا التاريخ، ونحن نلعب بحقائقه، ووقائعه كيفما نشاء، ثم يعاجلنا بمكره، فاضحاً زيف ما نذهب إليه من أقوال وطروحات، ذاتية، وأوهام تخصنا وحدنا.
فهل يعقل وفق منطق أو اصطلاح «طرفي الحرب» أن نضع من انقلب على الشرعية الدستورية، على كل التوافقات السياسية، وعلى العملية السياسية السلمية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وذهب منفرداً وبتحالف استراتيجي مع من ثار عليه كل الشعب اليمني، في ثورة شعبية غير مسبوقة، في صورة أكثر من ثمانية عشرة مليون ثائر غطت مساحات شوارع الجمهورية كلها (في الشمال والجنوب)، ثورة قدمت على مذبحها الآلاف من الشهداء والجرحى، مع من جرى الانقلاب عليه، ووضع تحت الإقامة الجبرية، هو والحكومة، بعد أن احتلت كل المواقع والرموز السيادية للدولة، والجمهورية (دار الرئاسة، القصر الجمهوري)!!.
هل يعقل أن نضع من فجر الحرب، ومدها إلى كل البلاد، مع من يقف في مواجهته؟، ثم إن اصطلاح أو تعبير «طرفي الحرب» لا يقدم توضيحاً، أو إجابة على: ما أثر الحرب الداخلية التي فجرها تحالف الحرب على وضع ومكانة القضية الجنوبية، وعلى مستقبل الوحدة اليمنية؟، ثم أين يضع اصطلاح «طرفي الحرب» المقاومة الشعبية الداخلية؟، هل هي ضمن طرفي الحرب، أم هي خارجهما؟، أو هي قوى عميلة، خائنة، تابعة للتحالف الخارجي؟، هل المقاومة الشعبية تدخل ضمن القوى التقليدية، الدينية، الرجعية، المتخلفة؟!!، ثم عن ماذا يقاتل الحوثي، وصالح في جميع المحافظات التي ذهب إليها؟. أسئلة عديدة لا يجيب عليها تعبير أو اصطلاح «طرفي الحرب» لأنه في الأصل لا معنى ولا قيمة معرفية، أو فكرية، سياسية تحليلية له، ومن هنا تهافته، وسقوطه في محك أي تشريح فكري، سياسي، نقدي حول ما يجري، ويحصل.
إن السؤال الواقعي، هل نحن حقاً أمام طرفين بالمعنى السياسي، والاجتماعي، والطبقي؟، أم أننا أمام أطراف متباينة عدة، مختلفة حتى على صعيد كل طرف؟.
إن ما نستطيع أن نراه ونقرأه بجلاء ووضوح -كما سبقت الإشارة- هو أننا أمام مشروعين، وتحالفين سياسيين، واسعين، من الصعب اختزالهما وتعريفهما، أو جمعهما حصراً، ومساواة، في اصطلاح «طرفي الحرب».
إن الخطورة السياسية التي لا يدركها البعض في ذهابهم لتعميم القول «بطرفي الحرب» هو تحويلهما الطرفين إلى شرعية، وأن لكل منهما الحق في الدفاع ولو عسكرياً عن شرعيته، وكأننا أمام شرعية، في مقابل شرعية، حرب في مقابل حرب، وبذلك ندخل والبلاد كلها إلى دائرة فوضى الشرعيات، بعد إقرارنا بشرعية التغلب، والقوة، والتغلب، والحرب، في واقع الممارسة السياسية.
إن تعبير أو اصطلاح «طرفي الحرب» هو تعبير ملتبس، مراوغ، مهادن، فيه من نظرية «التقية» و«الحماية الذاتية» الكثير، اصطلاح يطمس جوهر الصراع السياسي، الاجتماعي، الطبقي، والوطني الجاري، بالذهاب بالبلاد للمساومات غير المشروعة والأهم الذهاب بالقرار للمساواة بين ما يسميه «طرفي الحرب» بعد حشرهما في سياق واحد، ووضعهما في مصاف متساوٍ في كل شيء، وهو قطعاً منطق يقود إلى الفوضى، وإلى خلط الأوراق في الواقع، وتوليد في واقع الممارسة أكثر من شرعية، ما دامت القوة، والتغلب قادرين على فرض نفسيهما بقوة الحرب، والعصبية. (منطق وأيديولوجية الخروج على الإمام أو الحاكم كيفما اتفق) ما دامت القوة جاهزة، وحاضرة، لفرض منطقها العسكري / الحربي، على الأرض. وهو منطق وواقع يشجع على إنتاج وتوليد بؤر الصراع المسلحة، وتعميم ثقافة القوة والحرب. منطق يقلص ويضيق من فرص الوصول إلى حلول سياسية، بالانتقال من السيئ إلى الأسوأ.
والأهم هنا أن تعبير أو اصطلاح «طرفي الحرب» يقفز على حقيقة الانقلاب السياسي، على الشرعية الدستورية، والتوافقية، بافتراضهم أن الانقلاب البديل كان جاهزاً وهو الأخطر، ومن هنا تأكيدنا ان الانقلاب العسكري، والسياسي على كل التوافقات، هو الجذر، والأصل، الذي لا يمكننا تجاوزه، أو القفز عليه، وهو ما يحاوله اصطلاح «طرفي الحرب» مع الأسف.
نحن اليوم في لحظة سياسية، ثقافية، حضارية، فارقة، هي آخر أشواط حرب الجمهورية، والملكية، في طبعتها الإمامية الجديدة / والجملكية، والتاريخ بمكره يختبرنا، ويضعنا، بل هو يفرض علينا أن نحدد خياراتنا بوضوح، مع تحالف مشروع بناء الدولة الاتحادية، على تعقيدات هذا التحالف والطريق إلى هذا المشروع، أو مشروع العودة بنا إلى حروب سياسية، ماضوية، لإعادة إنتاج وبناء ما كان. بادر واعترف ان مشروع بناء الدولة الاتحادية ليس كاملاً وجاهزاً للبناء عليه بيسر وسهولة، والطريق اليه معبد بالأشواك، ولكنه يحمل في داخله بشائر الأمل، وبصيص النور، أمام مشروع ظلامي كهنوتي.
(نحن كمن معه بيت بحاجة إلى بعض التشطيبات، وآخر يحاول هدم وخراب البيت كله).
ومن هنا وقوفي كشخص مع خيار بصيص النور، في لحظتنا الفارقة هذه وهو مخرجنا للعبور من النفق.
في تقديرنا لن يعيش هذا الخراب السياسي والاجتماعي، والتدمير النفسي، والشرخ الوطني، الذي أنتجته حرب الغنيمة، على السلطة، والثروة، طويلاً، ففي قلب الرماد وميض نار، وجمر -كما قالها الشاعر والأمير نصر بن سيار- جمر سيضيء وجه صوت ووجه المستقبل، جمر لن تطفئه حرب الاسترداد والتوريث للجمهورية، وهي دعوة للجميع لعدم الخضوع لما أنتجته الحرب، من انحطاط، وانتكاسة في الوعي الوطني، والديمقراطي، وعلينا جميعاً استئناف رحلة البحث عن الذات، والوطن المصادر في جب العفن السائد. رحلة جدل عقلاني نقدي خلاق، لتصحيح وتقويم اصطلاح «طرفي الحرب» الذي أنتجته ايديولوجية، ونفسية مهزومة، باسم الواقعية السياسية الزائفة.
ونكرر ثانية وعاشراً أنه اصطلاح ملتبس، مراوغ، لا ينصت للواقع، ولا يسمع موسيقاه، ويدعي الرقص، والكتابة على إيقاعات موسيقاه، هو باختصار اصطلاح مغترب عن ذاته، وعن الواقع، متوحد بقناعاته الذاتية الخاصة، فالفكرة الايديولوجية، والسياسية، المسبقة أبداً لا تعبأ بالحقائق والوقائع، بل هي لا يهمها ولا يعنيها الواقع في تفاصيله الدقيقة مستبدلة إياه بأوهامها الايديولوجية، ومن هنا صعود وظهور اصطلاح «طرفي الحرب»، و»القوة الثالثة» و»الطرف المستقل» و«الطرف الثالث»... إلخ.
ختاماً:
لا خيار أمامنا جميعاً اليوم سوى الخروج من حالة الصمت، والخوف، والارتباك، والتشوش، التي شلت، وأضعفت المكونات السياسية عن الفعل السياسي، والجماهيري الملموس في الواقع، من خلال أهمية، وضرورة ربط السياسية، بالشارع، وبحركة الجماهير الواعية، المنظمة، وبالدعوة الصريحة والواضحة لإيقاف الحرب الداخلية عنواناً لمبادرة سياسية واقعية، كعنوان لحسن النوايا، وبادرة ثقة تجاه الداخل، مبادرة تضع الداخل، والخارج تحديداً أمام المحك، والقبول الفعلي بالدخول لتنفيذ القرار الأممي (2216)، في روح نصوصه العامة، وبما يحفظ سلامة، وحق مشاركة الجميع، في العودة للعملية السياسية، كأطراف ندية، متكافئة، دون ثأر، ولا انتقام، وبرعاية أممية، وعربية، تحدد أدوات وآليات، وطرائق إنفاذ وإنجاز ذلك على طريق عدالة انتقالية، تحفظ وتحمي حقوق الضحايا، والجميع.

*عن "الاشتراكي نت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.