ترى ما هو الدور الذي أناطه الدستور بالمؤسسة العسكرية؟ وهل يقع من ضمن هذا الدور تفخيخ وهدم بيوت المواطنين؟ وصلتني رسالة معبرة من الأخ محمد المفلحي تنم عن مرارة من يقع تحت سطوة احتلال غاشم، جاء فيها: أن المنزل الذي تم هدمه يوم 28 مايو 2009م على ذمة قضية الطبيب القدسي تخص والد المتهم، وأن أمر الهدم حسب إفادة القوة المنفذة جاء من الرئاسة، وأن أداة الهدم تمثلت في أربعة وثلاثون عربة عسكربة وحاملتين للجنود، من سلاح من سماهم بالعمالقة، وأنه تم تفخيخ المنزل وتفجيره بأربعة ألغام مضادة للدبابات، وأن هناك صمت من قبل الصحافة ومنظمات المجتمع المدني على هذا العمل.
وبصرف النظر عن كل التفاصيل الواردة في الرسالة إلا أن الثابت لدي من خبرتي الطويلة بالنظام هو أن الهدم لا يمكن أن يتم إلا بأمر رئاسي، سيما وأن جهة التنفيذ هي المؤسسة العسكرية، وتفسيري لذلك هو أن النظام وقع بين مطرقة الرأي العام المطالبة بتقديم قاتل الطبيب القسي إلى العدالة، وسندان قوى النفوذ التي لا تريد تسليم المتهم، فكان المخرج بالنسبة للنظام هو إرضاء الرأي العام بتقديم المنزل ككبش فداء، وإيهامه بأن شيئاً ما قد تم فعله، وعدم مواجهة قوى النفوذ الحامية للمتهم. بمعنى أن النظام أراد أن يدفن قضية القسي بهدم منزل المفلحي، وطالما وهذه هي النية لدى النظام فإن الحل لا يكون إلا بالآتي:
1-رفض آل القدسي، ومن خلفهم فعاليات المجتمع المدني، لأي حل دون تقديم المتهم إلى العدالة، فالقضاء وحده هو من ينبغي أن يبحث في ظروف واقعة القتل، ومن يحدد ملابساتها وأبعادها، ومن يقرر الإدانة والعقوبة. 2-قيام آل المفلحي بتوثيق عملية الهدم بتصوير الدمار وتوثيق شهادات الشهود بالصوت والصورة، وجمع كل ما كتب عن واقعة الهدم. 3-استمرار إرسال كل هذه الوثائق والشهادات إلى المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج، والمطالبة بالتعويض الكامل عن كل الأضرار المادية والنفسية والمعنوية التي حاقت بآل المفحلي من جراء عملية الهدم، ومحاسبة الجهات الآمرة والمنفذة أياً كانت، وعدم اليأس من صمت الصحافة، إن ما قام به النظام ضد آل القدسي وآل المفلحي، بإهدار دم الضحية واستهداف المنزل، هو عمل منافي لكل الأخلاق والقيم الإنسانية، ولا يمكن أن تقوم به إلا سلطة احتلال، وهو ما نشاهده على أيدي الجنود الصهاينة ضد إخواننا في الأراضي العربية المحتلة في فلسطين. 4-الاحتفاظ بكل الوثائق والشهادات والصور، فما حدث هو جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، والتعويض إن لم يأت اليوم من هذا النظام فلا بد أن يأت ممن سيخلف هذا النظام. 5- رفع قضية ضد الجهة المنفذة، ليس بهدف الحصول على الحق عن طريق القضاء، وإنما بهدف إبقاء القضية حية وتحويلها إلى قضية رأي عام، بهدف تزويد الصحافة وإطلاعها على كل تطورات القضية وأداء القضاء في تعامله معها، إن تحول القضية إلى قضية رأي عام هي الوسيلة الوحيدة التي ستجبر النظام على الدفع بقضية القتل وقضية التعويض عن الهدم في مسارها القانوني.
إن على آل القدسي وآل المفلحي أن يدركوا نقاط ضعف النظام والبواعث المحركة له، وهما النخبة المتنفذة والرأي العام الضاغط على النظام، فلولا دور النخبة المتنفذة لما تمكن المتهم من الإفلات من العدالة، ولولا الرأي العام الضاغط لما هُدم منزل المفلحي، فالهدم كان هو الوسيلة التي توهم النظام أنه يستطيع بها إرضاء الرأي العام وإسكاته والحيلولة بينه وبين استمرار إثارة القضية. وطالما أن أل القدسي وآل المفلحي يدركون من يحول دون تقديم المتهم إلى العدالة ويعرفون أسماء من قاموا بعملية الهدم، فإن فضح وتعرية كل من الشخصيات التي توفر الحماية للمتهم، والمؤسسة القضائية المسيسة والعاجزة عن تنفيذ حكم القانون، والمؤسسة العسكرية التي مرغ الحوثي أنوف قادتها في الوحل، وأصبحت مجرد أداة لحماية القصور، وحماية الأراضي المنهوبة، وهدم بيوت المواطنين، إن استمرار إثارة القضية على هذا النحو هو السلاح الذي سيجبر النظام على الانصياع لحكم القانون.