الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    وفاة الشيخ ''آل نهيان'' وإعلان لديوان الرئاسة الإماراتي    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    إعلان عسكري حوثي عن عمليات جديدة في خليج عدن والمحيط الهندي وبحر العرب    أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية اليوم الخميس    الإعلان عن مساعدات أمريكية ضخمة لليمن    تململ القوات الجنوبية يكرّس هشاشة أوضاع الشرعية اليمنية في مناطق الجنوب    تصاعد الخلافات بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر والأخير يرفض التراجع عن هذا الاشتراط !    من فيتنام إلى غزة... حرب النخبة وغضب الطلبة    إجازة الصيف كابوس لأطفال عتمة: الحوثيون يُحوّلون مراكز الدورات الصيفية إلى معسكرات تجنيد    عيدروس الزبيدي يصدر قرارا عسكريا جديدا    الحوثيون يرتمون في محرقة طور الباحة ويخسرون رهانهم الميداني    في اليوم 215 لحرب الإبادة على غزة.. 34844 شهيدا و 78404 جريحا .. ومشاهد تدمي القلب من رفح    جريمة مروعة تهز مركز امتحاني في تعز: طالبتان تصابا برصاص مسلحين!    بعد وصوله اليوم بتأشيرة زيارة ... وافد يقتل والده داخل سكنه في مكة    العرادة يعرب عن أمله في أن تسفر الجهود الدولية بوقف الحرب الظالمة على غزة    سقوط نجم الجريمة في قبضة العدالة بمحافظة تعز!    قصر معاشيق على موعد مع كارثة ثقافية: أكاديمي يهدد بإحراق كتبه    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    قناتي العربية والحدث تعلق أعمالها في مأرب بعد تهديد رئيس إصلاح مأرب بقتل مراسلها    أحذروهم في عدن!.. المعركة الخطيرة يقودها أيتام عفاش وطلائع الإخوان    اختيار المحامية اليمنية معين العبيدي ضمن موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة مميز    مطالبات بمحاكمة قتلة مواطن في نقطة أمنية شمالي لحج    انفجار مخزن أسلحة في #مأرب يودي بحياة رجل وفتاة..    دورتموند الألماني يتأهل لنهائي أبطال أوروبا على حساب باريس سان جرمان الفرنسي    حقيقة ما يجري في المنطقة الحرة عدن اليوم    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في مستشفى الشفاء بغزة وانتشال جثامين 49 شهيدا    فريق شبام (أ) يتوج ببطولة الفقيد أحمد السقاف 3×3 لكرة السلة لأندية وادي حضرموت    الوزير البكري: قرار مجلس الوزراء بشأن المدينة الرياضية تأكيد على الاهتمام الحكومي بالرياضة    الاتحاد الدولي للصحفيين يدين محاولة اغتيال نقيب الصحفيين اليمنيين مميز    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    الولايات المتحدة تخصص 220 مليون دولار للتمويل الإنساني في اليمن مميز    تستوردها المليشيات.. مبيدات إسرائيلية تفتك بأرواح اليمنيين    عصابة معين لجان قهر الموظفين    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    رغم إصابته بالزهايمر.. الزعيم ''عادل إمام'' يعود إلى الواجهة بقوة ويظهر في السعودية    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لندن في قصائد تستكشف وجهها الآخر
نشر في المنتصف يوم 23 - 02 - 2021

ككل المدن الكبرى في التاريخ، تلمع صورة لندن في قصائد عديدة، كما في روايات ومسرحيات ربما تكون أكثر وتناولها أشهر. وهي إذ تلمع فإن لمعانها ليس مشرقاً باستمرار، وإنما هو براق مبهج حيناً وخافت باعث على الكآبة حيناً آخر. وفاة الملكة إليزابيث مؤخراً حملت العاصمة البريطانية العريقة إلى بؤرة الأحداث وقلب الاهتمام، وحملتني إلى قصائد بعضها من الشعر الرومانسي الإنجليزي، وبعضها من الشعر الحديث. من تلك القصائد قصيدتان رومانسيتان إحداهما لوليم بليك Blake والأخرى لمعاصره وزميله في التيار ذاته، وليم وردزورث Wordsworth. غير أن الانتماء إلى التيار الرومانسي ذاته في النصف الثاني من القرن الثامن عشر لم يؤد بالشاعرين الإنجليزيين الكبيرين إلى النظر إلى لندن من الزاوية ذاتها. اختلفت زاويتاهما لكنه الاختلاف الذي لم يؤد إلى اختلاف الخلاصات، كما سأحاول أن أبين في هذه التأملات.
في القرن العشرين، أو في أوائله بالأحرى، عادت لندن لتحتل واجهة الشعر مرة أخرى، وإن بتناول مختلف اختلافاً كبيراً ومتوقعاً بتغير الظروف وتغير الرؤية الشعرية والمزاج الثقافي. ولعل أبرز الشعراء الذين رأوا لندن من زاوية مغايرة كان ت. س. إليوت في قصيدته الأشهر «الأرض اليباب». تلتقي صورة لندن في قصيدة إليوت، وبصورة مباشرة تقريباً، بقصيدة وليم بليك من حيث إن كليهما معني بوجه كالح من وجوه المدينة، لكن كيفية التناول مختلفة كلياً. لغة إليوت الموغلة في الحداثة والتجريب تقف على وجه النقيض من قصيدة بليك التقليدية في بنيتها الشعرية وإن لم تكن تقليدية في رؤيتها.
تنسجم رؤية بليك للندن مع نقده اللاذع في أعمال أخرى للحياة الإنجليزية إبان عصر الثورة الصناعية حين انتشر الفقر واضطهد الإنسان، وامتهنت الطفولة بإخضاعها لأعمال قاسية ومهينة في صورة عمال صغار دفعتهم أسرهم (كما يحدث اليوم في مناطق عديدة من آسيا وأفريقيا) إلى ممارسات قاسية مثل تنظيف المداخن، الوظيفة التي تركزت عليها قصائد لبليك ضمن مجموعتيه «أغاني البراءة» و«أغاني الخبرة» اللتين كانتا في نهاية القرن الثامن عشر، وعلى الأرجح، أول مجموعتين شعريتين تتركزان على الطفولة في الشعر الإنجليزي. يرسم بليك مدينة تحت السيطرة، فالشوارع مخططة أو مرسومة (charted)، وإن بدا ذلك طبيعياً فإن التخطيط يكتسب دلالة مقلقة حين نتبين أن نهر التيمز نفسه واقع تحت نفس القبضة، فهو نهر يتدفق كما خطط له. لينطلق الشاعر من ذلك لرسم ملامح القلق والأسى على وجوه الناس، في صرخات الناس أطفالاً ونساء، ماسحي مداخن ونساء غرر بهن أو دفعتهن الظروف ليصرن مومسات. المدينة مثقلة بالقيود التي «اصطنعها العقل»، والمسؤول عن ذلك هو الكنيسة من ناحية، الكنيسة التي تسود جدرانها بصرخات ماسح المداخن، إلى جانب السلطة السياسية ممثلة بالقصر، حيث «تتدفق آهة الجندي المسكين دماً» على جدرانه. لينتهي كل ذلك بصورة المومس الشابة ومعها طفلها إذ ترى حفلة عرس حرمت من الاستمتاع بمثلها.
إنه عالم يبابي من ناحية، ومؤشر باتجاه رواية أورويل حول الأخ الأكبر في القرن العشرين، من ناحية أخرى. لكن قبل المضي في ذلك الاتجاه المظلم، دعونا نتأمل صورة تبدو مناقضة للندن، صورة تحمل قدراً أكبر من الإشراق في قصيدة وردزورث. زار الشاعر الرومانسي لندن في أوائل عام 1800 ودون رؤيته لها في قصيدة شهيرة هي «نُظمتْ على جسر وستمنستر» التي ترسم مشهداً لمدينة نائمة مثل عملاق التقط الشاعر صورته في لحظة من لحظات البراءة والسلام. في الصورة «ترتدي المدينة وجه الصباح» ويلوم الشاعر من يمر بالمشهد دون اكتراث، لا سيما والمدينة تتخلى في تلك اللحظة عن مدنيتها، تصير جزءاً من الطبيعة التي آثر الشاعر العيش فيها. هنا «تمتد السفن والأبراج والقباب والمسارح والمعابد/ صامتة وعارية، مكشوفة على الحقول ونحو السماء». الهواء هنا «خالٍ من الدخان» الذي تحدث عنه بليك. والنهر الذي وصفه الشاعر الرومانسي الآخر بأنه مقيد نراه هنا «يتدفق... كما تملي إرادته الحلوة». يحدث ذلك في تلك اللحظة من الهدوء حين «البيوت نفسها تبدو نائمة».
ما يرسمه وردزورث عالم جميل ومتلألئ لكنه يحمل مؤشرات نقيضه: ماذا سيحدث حين تستيقظ المدينة؟ حين يصحو العملاق؟ كل ذلك الهدوء سيتبخر بالتأكيد وسيمتلئ الهواء بدخان بات محبوساً طوال الليل وستضج البيوت التي «تبدو» الآن نائمة، ربما بصراخ ماسحي المداخن ودماء الجنود وأصوات المومسات. المدينة التي يرسمها وردزورث لا تختلف جوهرياً أو ضمنياً عن تلك التي يرسمها بليك، لكن اللقطة جاءت في لحظة تفارق فيها المدينة حقيقتها، حين تكتسي وداعة الطبيعة وهدوء البحيرات التي عاش وردزورث بجوارها زمناً طويلاً. اختار الشاعر المدينة حين لا تكون نفسها وذكرنا في الوقت نفسه بما ليس ماثلاً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.