عرس جماعي ل 58 عريسا وعروس في البيضاء    خيانة عظمى.. علي ناصر محمد يتباهى بمنع انضمام الجنوب لمجلس التعاون الخليجي    عمال قطاع S2 العقلة شبوة يهددون بوقف شحن النفط لكهرباء الرئيس ويحملون وزارة النفط المسئولية    من عدن إلى الضمير العالمي    تعادل إيجايي بين السهام والصحة في بطولة البراعم لأندية تعز    السيد القائد: عملياتنا مستمرة .. وحظر الملاحة مسيطر عليه بشكل تام    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    السيد القائد: مع كل الوحشية الإسرائيلية لا يزال في غزة صمود عظيم    ترتيبات لإنشاء محطتي كهرباء في اب بقدرة 5.5 ميجاوات    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    صنعاء .. اعلان نتيجة اختبارات الشهادة الأساسية    في ذكرى رحيل هشام باشراحيل.. حين قاوم القلم عسكرة الحياة المدنية    مناقشة تنفيذ مشروع شبكة الصرف الصحي في مدينة البيضاء    الصين تنشر قائمة ب20دولة قصفتها أمريكا خلال 80 عاما    سامسونغ Samsung تصنع أجهزة جوالات للتجسس الإسرائيلي لمنطقة الشرق الأوسط    تصريحات بلا أثر.. ومواطن يئن تحت وطأة الجوع والانهيار    شبوة أبتليت بجار السوء.. مأرب موطن القتلة والمجرمين وقاطعي الطرق    من يومياتي في أمريكا .. هنا أموت كل يوم    الارصاد يتوقع هطول امطار رعدية على مناطق واسعة من المرتفعات    كوستاريكا تقلب الطاولة على الدومينيكان    اليوم نتائج الشهادة الاساسية وهذه طريقة الحصول على النتيجة    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    شكر الله سعيكم.. نريد حكومة كفاءات    انهيار متواصل للريال اليمني.. أسعار الصرف تواصل التدهور في عدن    إصابة 3 مواطنين إثر 4 صواعق رعدية بوصاب السافل    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    مباراة تاريخية للهلال أمام ريال مدريد    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    مليشيا الحوثي تختطف عريساً قبل يوم واحد من زفافه    الحوثي والرهان الخاسر    اشتداد حدة التوتر بين مسلحين قبليين ومليشيا الحوثي في ذمار    الصبر مختبر العظمة    مواطنون يشكون منع النقاط الامنية ادخال الغاز إلى غرب محافظة الضالع    اعتقال صحفي في محافظة حضرموت    الفريق السامعي: ما يحدث ل"إيران" ليس النهاية ومن لم يستيقظ اليوم سيتفاجأ بالسقوط    إيران تعلن اطلاق موجة صواريخ جديدة وصحيفة امريكية تقول ان طهران ستقبل عرض ترامب    إغلاق مطار "بن غوريون" يدفع الصهاينة للمغادرة برا .. هربا من الموت!    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    حجة .. إتلاف مواد غذائية منتهية الصلاحية في مديرية المحابشة    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    مدارج الحب    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    اغتيال الشخصية!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللحم البشري: نيئاً ومشوياً
نشر في المؤتمر نت يوم 07 - 04 - 2004

لن نختلف على ان رائحة شواء اللحم البشري في منطقتنا العربية تطغى، بما لا يقبل الشك، على عبق عطور«كريستيان ديور» و«ايف سان لوران» التي تستورد بسخاء منقطع النظير. وجمّل وعطّر ما استطعت ان تفعل، لكن رماد الأبدان التي تحترق حية أو ميتة، تبعث في الأنوف ما يثير التقزز والقرف. فثمة مشاوٍ تحضّر بالصواريخ والقنابل المصنوعة في «يو.اس.ايه» وأخرى بلدية تسوى بالحواضر المحلية، وهذه لا تروق، في الغالب، للأذواق المتفرنجة التي تجد الفرق شاسعاً بين أكل لحوم البشر تمزيقاً بالأيدي البدائية أو تقطيعاً بالشوكة والسكين على الطريقة المتحضّرة الغربية. وحرق المخلوقات الإنسانية ليس ابتكاراً «فلّوجيا» أو عربياً في العصر الحديث، فنحن نحيلك إلى الموسوعات العلمية لتبحث عن«العنف» كمادة وتجد ان البحاثة لا يفرّقون، في الكتابات «الموضوعية» بين ما تحدثه الأسلحة الأنيقة الموجهة بالليزر من تفحّم، وما يجنيه دلق الكاز مع إشعال عود كبريت. ولن نفتح نقاشاً بيزنطياً هنا حول أفضلية ان يحرق الإنسان أثناء إزهاق الروح أم بعدها، وهل للجثث حرمات ليست للمخلوق النابض بالحياة؟ فالشر حين يكون إجرامياً لا يصنّف درجات، وإنما يُدان بكليته. وتغمرنا السعادة من الغضب العربي الذي استثارته مشاهد الجثث الأميركية المعذبة في العراق وهي مسحولة أومعلقة، فهذه بادرة خير و«تحضّر» شرط ان يبقى الغضب مستشيطاً من كل مخالفة تمس إنسانية الإنسان بصرف النظر عن هويته ولون شعره أو عينيه، وإن كان العذاب يأتيه قبل الموت أم بعده، أمام الكاميرات أم من دونها. ونسأل إخواننا الذين انهالوا على أهالي الفلوجة شتماً وسباباً، متهمين إياهم بأنهم «حيوانات مفترسة» و«برابرة» و«همجيون» و«مسعورون» و«متوحشون»، هذا عدا «الدناءة» و«الخسة» و«الانحطاط»، أما وقد استنفذ أصحاب التيار الإنساني العربي الجديد قاموسهم الهجائي، ماذا استفدنا من مواقفهم الانتقائية النبيلة؟ وهل لهم ان يذهبوا بنا إلى ما هو أبعد من الابتذال اللفظي، والهلع المحموم على الصورة العربية في الشاشات الغربية؟ وكلنا شوق لنعرف أين كان هؤلاء الغيارى والجزائريون يذبحون زرافات بالسكاكين ويقتلون جماعات بالسواطي؟ ولماذا لم يغضبوا بالقدر نفسه يوم كانت الجثث تجرّ في الشوارع اللبنانية أثناء الحرب الأهلية اللعينة تشفياً والرؤوس تقطّع وتعرض من شبابيك السيارات، وعيون الموتى تفقأ والأطراف تجزّ، والسجائر تطفأ في الأجساد الهامدة؟ ولماذا لم نسمع أصواتهم المزمجرة يوم كان صدام يفرم المساجين ويحيلهم فتاتا؟ وأين هم اليوم من سكب نيران جهنم على الآمنين الفلسطينيين وحرقهم أحياء في أسرتهم وعلى كنباتهم؟ ولماذا لا يعترضون بالاحتداد عينه على موت مئات العراقيين أحياء بلهيب المتفجرات والسيارات المفخخة، من دون ان يعلن لغاية اليوم عن اسم شخص واحد حوكم قضائياً بتهمة القتل الجماعي للأبرياء العزّل. أوليس الاحتلال هو المسؤول، قانونياً، عن حماية المدنيين العراقيين؟! أم ان ثمة لحوماً تشوى بسمنٍ وأخرى بزيت.
«لا يتطلب فعل الشر اي جهد، فهو طبيعي، ويكاد يكون حتمياً، بخلاف الخير الذي لا يكون إلا نتاج عملية فنية» في رأي بودلير. والنحت الإبداعي في الفكر لصناعة القيم الأخلاقية وفبركة أدوات حمايتها، كما اقترح العبقري الفرنسي وأمثاله من أفذاذ ذاك الزمان، هي إنجازات أثمرت سلاماً وعدالة لقارّة بأكملها، بعد مذابح لم يهدأ فوران دمائها إلا ب «الحكمة التي هي نقيض الجهل والشر» كما عرّفها أفلاطون. أما الاستشاطة الانتقائية، غيرة على هذا وتجاهل أعمار الآخرين ووضعهم، قصداً أو عمداً، في سلة «الكلاب» المستباحة، فهو من باب الجعجعة المجانية. لأن الكلاب أيضاً لها حقوق في المجتمعات التي يحرص المصدومون من هول المشاهد «الفلّوجية»، على استرضاء رأيها العام. ونحن نقترح على المتحمسين لبناء إنسان عربي أخلاقي بالمعنى الحديث للكلمة، وهم ليسوا بقلة، ان يستفيدوا مما حدث في الفلوجة، ويحولوا هذه الحادثة «العار» إلى مفصل تحول تاريخي، وسننضم إليهم بكل صدر رحب لندين معاً، وبصوت هادر ومدوٍ، كل هتك وانتهاك لحقوق الأحياء والأموات، الشقر والسمر، بنيران الأعداء أم الأشقاء، بتواطؤ الحكام أم في غفلة منهم، في سجون الطغاة أم على قارعة الطرقات، من الصومال والسودان مروراً بالجزائر وصولاً إلى أفغانستان وغوانتانامو وبلاد الهولولو إذا أحبوا. وهكذا فقط نقتنع بأن ثمة ولادة حرة - لا علاقة لها بالمحطة الفضائية لنخبة يتكل عليها، وبإمكاننا ان نضع أيدينا في يدها من دون تردد. أما ما تنادي به الفئة المستفيقة للتو من كابوس عمره يوازي عمر الهجوم على شعب عربي مستضعف لإبادته وإزالته من الوجود لتكيل السباب واللعنات ثم تصمت بانتظار ان ترى البعض يحتفل بشرب دماء البعض الآخر بالكؤوس الشفافة إمعاناً في التمتع بحمرة الدماء، فهذه فئة تعاني من «حماس» له وجه مشابه ل «حماس» تعترض هي ذاتها عليه.
ثمة من يدعو الحاقدين المستشرسين من العرب، بعد ان تربوا على صباحات الموت ومساءات القصف، لأن يكونوا نسخة منقحة ومعدلة عن السيد المسيح كما يصور آلامه اليوم المخرج ميل غيبسون، ويتناسون ان رحلة العذاب تلك، لم يقو على تحملها، سينمائياً، الكثير من المشاهدين المرهفين الذين فرّوا من صالات العرض لينجوا بجلودهم ومشاعرهم. وعلمنا ان عدد ضحايا الفيلم ممن توقفت قلوبهم هلعاً وتأثراً بلغ الأربع لغاية الآن. فهل من العسير إقناع «الإنسانيين الجدد» ان احتمال الآلام له في الميزان الشعوري البشري حدود، وان الرمزية المسيحية هي ذروة يحاول ان يبلغها البشر وغالباً ما يخفقون.
[email protected]
الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.