ظل الشعب اليمني موحداً عبر التاريخ رغم اختلاف الأنظمة السياسية التي حكمت أجزاء منه، ولا غرابة أن يشهد العالم تلك الفرحة الغامرة التي سادت جميع أبناء اليمن من أقصاه إلى أقصاه يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م ، وقد كان مطروحاً أن تكون الوحدة فيدرالية أو كونفدرالية، لكن إخوتنا في الشطر الجنوبي أصرّوا على الوحدة الاندماجية الكاملة بكل رضا واختيار. الممارسات التي تلت الوحدة بدأت تضعف الثقة والتلاحم والحماس، وكان حب الغلبة والاستئثار سبباً في التداعيات الخطيرة والكبيرة التي نعاني منها اليوم، وهو ما يقتضي التعامل معها بموضوعية مع الإسراع بمعالجة الأخطاء وتصحيح الاختلالات، وإنصاف المظلومين، كتعبير عن حسن النوايا في إعادة المياه إلى مجاريها باعتبار الجميع شركاء ومتساوون في هذا الوطن. كان كثير من العقلاء يحذرون من مخاطر الظلم والتعسف والاستبداد والتمايز واستغلال النفوذ على مسيرة الوحدة وأثرها على المواطن العادي في المحافظات الجنوبية، وكان الأستاذ فيصل بن شملان رحمه الله تعالى على رأس هؤلاء. رجعت إلى كتابات سابقة نشرتها في الصحوة ورأيت استعادتها اليوم للتذكير بأن عدم وضع المعالجات الصحيحة للأدواء يضاعف من مخاطرها في المستقبل. كتبت في 2000/5/18م (...ولكنا سنظل نذْكّر ودون ملل بأهمية صيانة الوحدة من الذين يسيئون إليها - من حيث يدرون أو لا يدرون - بسلوكهم وتصرفاتهم الرعناء، أو استخدامهم السيئ للنفوذ، أو إثارتهم للنعرات العصبية، أو اصطياد بعضهم في الماء العكر، وعلينا أن نتحلّىٰ باليقظة الدائمة حتى لا يتعرض مسار الوحدة لأي اهتزاز...) وكتبت في 2006/5/18م (إن المظالم التي يئن منها المواطن مخاطر كبيرة تهدد هذا المنجز العملاق، لكننا نعلم أنها ليست بسبب الوحدة، وإنما جاءت من غلبة الأنانية والاستئثار وتدني القيم في نفوس مريضة بحاجة إلى علاج، وأنين المظلوم والمحروم في المهرة أو شبوة أو لحج لا يختلف عن وجع المقهور والبائس في الحديدة أو ريمة وحجة، فالظلم ليس شمالياً ولا جنوبياً، وإنما داء ونرجسية يمارسها أقزام لا يقدرون العواقب!!) وقلت في 2007/5/17م (ويبدو أن سنوات الوحدة الماضية لم تمكن من بيدهم القرار من استلهام المعاني العظيمة للوحدة، ولابد أن نعلم أن الوحدة اليمنية المباركة قد حملت جديداً لم يتم استيعابه حتى الآن، وفتحت آفاقاً رحبة لم يرتقِ إليها الكثيرون!) في 2009/5/21م وتحت عنوان: من انتزع حب الوحدة من القلوب؟! كتبت: (لقد نشأ جيل الوحدة، وهو الذي لم يعش معاناة التشطير والفُرْقة، لكنه عاش معاناة أخرى، ولم يتم ترسيخ الشعور الوحدوي في ذاكرته من خلال الفعل، بل إنه فقد الأمل والمساواة والحلم بمستقبل زاهر، وقد فشلت الطرق المسفلتة عن إقناعه للقبول بالظلم والاستبداد الذي يراه بأم عينيه...) لكننا اليوم بعد الثورة الشبابية الشعبية السلمية نتنَسّم عبير الحرية من جديد، ويجب أن لا نسمح بتكرار الأخطاء، ونسعى للمحافظة على منجز الوحدة، مع تصفيته من كل ما لحق به من سلبيات، ولسنا بدعاً من العالم الذي يمضي نحو التقارب والتعاون والاتحاد، يجب أن لاتهزمنا السلبيات لتدفعنا إلى تقطيع صلات الرحم والإخاء والمحبة، وتقودنا إلى المجهول!! [email protected]