أشك كثيراً أن سلطات النظام في مملكة الجوار يرسمون سياساتهم بأنفسهم أو يجيدون العزف على وتر السياسة وإلا لما تفاجئوا بكثير من المتغيرات في واقع الحياة السياسية والاجتماعية في بلد يقع على امتداد خاصرتهم الجنوبية وعلى مرمى حجر فقط من حدودهم الممتدة لأكثر من ألفي كيلو متر مع هذا البلد الذي أنفقوا على امتداد عقود من الزمن عشرات المليارات بل ولربما مئات المليارات من الدولارات في سبيل ترويضه وتطويع قاطنيه لتحقيق مآربهم ومصالحهم لكنه الإنفاق الخاطئ الذي تمخض عنه هذا المشهد الراهن على أرض الواقع والذي لم يرق لهذا الجوار فأفقده القدرة والحكمة في التصرف إزاءه. أشك كثيراً أنهم يرسمون سياساتهم بأنفسهم منذُ مؤسس مملكتهم في ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، حيث اعتادوا على قراءة السياسات المتعلقة ببلدهم وببلدان أخرى من خلال عُلب السياسة الجاهزة التي كانت تردهم من المملكة المتحدة البريطانية منذُ تأسيس المملكة وحتى سبعينيات القرن الماضي ثم من خلال الإدارات الامريكية المتعاقبة منذُ السبعينات وحتى يومنا هذا. هذا الاتكال على الغير في قراءة الأحداث وفي رسم السياسات هو من أوقع نظام الجوار في فخ المفاجئة التي لم يفق منها منذ اللحظة التي فتح عينيه على أحداث عمران وما تلاها من تمدد لجماعة أنصار الله نحو العاصمة التي دخلها هؤلاء الانصار في يوم هو أشبه ما يكون بيوم الغفران لدى اليهود، الذي تكاد ان تكون الحياة فيه شبه مشلولة لاسيما في أوساط الحاخامات وكبار المتشددين من رجال الدين عسكريين ومدنيين على السواء. خلال أكثر من 6 عقود من الزمن وعلى وجه التحديد منذُ عام 1948م الذي تدخل فيه الملك عبدالعزيز لإفشال ثورة 48 لصالح ولي العهد –يومها- احمد بن حميد الدين الذي أصبح إماماً متوجاً بعد الإطاحة بالثوار بفضل السلاح والمال الذي أمده به ملك الجوار، مروراً بحركة 1955م التي لم يكتب لها النجاح هي الاخرى والتي بارك فشلها ملك الجوار، ثم ثورة 1962م التي وقف نظام الجوار حجر عثرة في طريقها لأكثر من 8 سنوات، ثم تصدي المملكة للمشروع التحديثي الذي قام به الشهيد الحمدي، والذي انتهى باغتياله، مروراً بثورة فبراير 2011م التي تم احتوائها والالتواء عليها، ومن ثم إفشالها من خلال المبادرة الخليجية وصولاً إلى ثورة سبتمبر 2014م التي شكلت أكبر مفاجئة وأكبر صدمة للجوار بحيث لم يجد عند هذا الحدث من فعل يمارسه على الأرض غير التهديد بقطع المساعدات عن هذا البلد. السؤال هنا: خلال كل هذه العقود الزمنية وخلال كل هذه المحطات وهذه الأحداث ألم يخرج النظام السعودي بمحصلة أو معلومة مفيدة تدله على كيفية التعامل مع جواره في ضوء ما ينشده هذا الجوار من عيش كريم ومن طموح مشروع؟ لو كان هذا الجوار من خلال نظامه وسلطته الحاكمة قد خبر اليمن وعكف على سبر أغوار قاطنيها في وقت مبكر لكان وفر على نفسه وعلى هذا البلد وأبناءه كثير من المتاعب فيما وفر على خزينته كثيرا من الأموال التي أنفقها في غير اماكنها الصحيحة والتي أعني بها ما تم صرفه على امتداد عقود من الزمن على عشرات الآلاف من المسئولين اليمنيين مدنيين وعسكريين ومن المشائخ والوجاهات دون مردود يذكر حققه هذا الجوار من وراء هذا الإنفاق! بدليل التطورات والأحداث الأخيرة التي أبرزت قوى جديدة في الساحة لم يكن فيها واحدةً من تلك القوى التي استنزفت الخزينة السعودية لأكثر من 4 عقود زمنية. لو أن نظام المملكة سخر الأموال الطائلة التي أنفقها على الجيش العرمرم من متسولي هذا البلد الرسميين في مجالات تخدم المواطن الغلبات وترفع من مستوى معيشته ودخله ومن مستوى تعليمه وصحته خاصة في المناطق المحرومة وأعني بها مناطق شمال الشمال كصعدة وحجة والجوف وعمران التي ذهبت معظم مخصصاتها من ميزانية الدولة السنوية في مجالي الخدمات والتنمية لجيوب النافذين من كبار المشيخ المتسلط لما كانت المعادلة الحالية على الارض على هذا النحو، ولما كان المكون الاجتماعي في هذه المحافظات على هذا النحو من التذمر ومن النفور من شيء اسمه الدولة ولربما من شيء اسمه الجوار...هذا الأمر الذي سهل كثيراً على الحركة الحوثية اجتذاب هذا المكون الاجتماعي إلى صفها بعد أن كان هذا المكون قد وجد في هذه الحركة ضالته وطوق نجاته الذي افتقده منذ عقود طويلة حين كان يدور في فلك المشيخ وفي فلك نظام فاسد يدين للمشيخ بالولاء القبلي في زمن وصل فيه الإنسان إلى كوكب المريخ. السؤال مرة اخرى: ماذا لو سخرت المملكة أموالها المقدرة بمليارات الدولارات التي أنفقتها في شراء الولاءات والذمم والعمالات على مناطق الشمال المحاذية لحدودها الجنوبية؟ بالتأكيد كان الوضع في هذه المناطق سيختلف كثيراً عما هو عليه اليوم، وعما كان عليه منذ اغسطس عام 1970م الذي اعترفت فيه المملكة بالنظام الجمهوري... بالتأكيد كنا سنجد من يحملون السلاح اليوم في مواقع أخرى وهم مجردون من هذا السلاح.... كنا سنجدهم في المدارس وفي الجامعات وفي الكليات والمعاهد العسكرية وفي المعاهد الفنية وفي الاندية والمنتخبات الوطنية وفي الوزارات والسفارات وفي المصانع والمعامل والمزارع الحديثة. من رسم هذا المشهد الراهن هي السياسة الغبية التي راهن عليها نظام الجوار منذ أكثر من 4 عقود من الزمن، فضلاً عن سياسة النظام السابق الذي بصم على سياسة هذا الجوار وركز كل اهتماماته على تنفيذ هذا المشروع الهدام بكل حذافيره وبأدق أدق تفاصيله. سؤالنا مرة أخرى: ما هي الخيارات المتاحة للجوار في ضوء المشهد الراهن؟ لاشك أن جوارنا يمتلك الكثير من الخيارات 99% منها خطرة وغير محمودة العواقب؛ كون شظايا جمرات وجذوات النار إذا ما اشتعلت في هذه الخاصرة الجنوبية للجوار لن يكون عنده هذا الجوار على الإطلاق بمنأى أو بمأمن من هذه الشظايا خلافاً لبعده عما يجري في سوريا منذ أربع سنوات رغم اسهامه الكبير في ذلك الجحيم الذي لم يتوقف حتى اليوم. خيار واحد هو المتاح لهذا الجوار اتباعه وهو: قبوله بالمشهد اليمني الراهن في مقابل تغيير سياساته السابقة واستبدالها بسياسات تقوم على الندية في العلاقات بين البلدين، وعلى تسخير ما كان ينفقه على جحافل من المتسولين والشحاتين الرسميين في هذا البلد في مجالات تخدم التنمية وتقوي من أواصر الجوار وتضع الإنسان اليمني على أعتاب القرن 21 لا إنساناً مشدوداً للبندقية ولتصفية الحسابات المتراكمة مع جواره. خيار واحد هو المتاح لهذه الجوار اتباعه وهو: مد جسور الثقة مع قيادتنا السياسية ممثلة بالرئيس هادي سيما في هذا الظرف الصعب والمعقد الذي تمر به اليمن قيادة وحكومة وشعباً بدلاً من أن يضطر هادي مرغماً في ضوء تهديدات الجوار بقطع المساعدات للتقارب مع إيران ولإحلال هذا البلد المسلم والشقيق محل الغطرسة والتعالي الذي يمارسه نظام المملكة على هذا البلد وأبناءه منذ عقود طويلة وحتى اللحظة. من الغباء المفرط أن تُقدم المملكة المجاورة على اتخاذ موقف عدائي تجاه بلد وتجاه شعب وضعه أشبه ما يكون بوضع الليث الجريح الذي لا يحتمل أي استفزاز أو عداء ناهيك عن استفزاز قيادته السياسية في وقت متاح لهذه القيادة خيارات عدة ربما آمنها وأقلها كلفة إعادة النظر في أولويات العلاقة بين بلدنا ودول المنطقة... إذا لا يعقل أن يسلم الرئيس بانهيار بلده وتحويلها إلى عراق أو صومال إذعاناً لسياسات الغطرسة التي يمارسها الجوار دون الذهاب إلى من يمثل لهذا البلد طوق نجاه حتى لو كان هذا الطوق لا يمتلكه غير الشيطان وحده. [email protected]