تحت شعار "الثروة الحقيقية للأمم - مسارات إلى التنمية البشرية " ، رُفع الستار بمقر الأممالمتحدة بنيويورك عن تقرير التنمية البشرية لسنة 2010 في عدده الخاص بالتزامن مع الذكرى العشرين لإطلاق أول تقرير له سنة 1990 بالاعتماد على مقاييس جديدة على دليل التنمية البشرية تجعل من البشر عنوانا أولا للتنمية المستدامة. ويعتمد التقرير ثلاثة أدلة جديدة : الأول لقياس عدم المساواة والثاني لقياس الفوارق بين الجنسين والثالث لقياس الفقر المتعدد الأبعاد. ويسلط التقرير الذي لا يستهين بالتحديات المستقبلية الكبرى نحو إرساء المزيد من أسباب التنمية المستدامة، الأضواء على البلدان التي حققت أسرع تقدم على مدى أربعين عاما في مجالات الصحة والتعليم والدخل. وتجاوز واضعو التقرير الطريقة التقليدية المعتمدة حتى الآن في ربط مؤشر التنمية بالدخل القومي والذي كان مقياس مؤشر التنمية على مدى السنوات الماضية بإضافة عناصر جديدة بينها معدل الحياة ونسبة الأمية في الدول. وقد احتلت تونس حسب تقرير التنمية، بالاعتماد على مسيرة أربعين عاما، المرتبة السابعة ضمن القائمة المؤلفة من 135 بلدا. وتأتي في المرتبة 81 ضمن قائمة الدول ال169 ضمن فئة التنمية البشرية المرتفعة، فيما احتلت عمان المرتبة الأولى تليها السعودية في المرتبة الخامسة واحتلت الجزائر المرتبة التاسعة والمغرب المرتبة العاشرة. وذكر التقرير أن هذا التقدم الحاصل لا يرتبط بإيرادات النفط والغاز على حد تصريح جيني كليغمان المشرف الأول على التقرير كما قد يتوقع الكثيرون، بل نتيجة للانجازات التي حققتها هذه المجموعة في الصحة والتعليم، أي في البعدين غير المرتبطين بالدخل من دليل التنمية البشرية. ويشير التقرير إلى أن معدل الحياة في تونس سجل في الفترة بين 1980 و 2010 ارتفاعا باثني عشر عاما، فيما سجل معدل سنوات الدراسة ارتفاعا بأكثر من أربع سنوات. وأوضح التقرير أن خمسة دول عربية مرتبة من بين البلدان العشرة الأولى في الانجازات الإنمائية الطويلة الأمد. وكشف كذلك أن متوسط العمر المتوقع عند الولادة ارتفع في البلدان العربية من 51 عاما في 1970 إلى 70 عاما اليوم، ويعد هذا التحسن في المنطقة العربية أفضل ما شهدته مناطق العالم. وقد انخفض معدل وفيات الرضع من 98 حالة وفاة لكل ألف من المواليد الأحياء في 1970 إلى 38 حالة وفاة عام 2008 أي إلى ما دون المعدل العالمي البالغ 44 حالة وفاة لكل ألف من المواليد الأحياء. كما تضاعف حسب التقرير معدل الالتحاق بالمدارس في البلدان العربية خلال العقود الأربع الماضية من 34 في المائة عام 1970 إلى 64 في المائة اليوم من فئة الكبار بحوالي 5,7 سنوات وهو ما يعد أقل من المتوسط العالمي البالغ 7,4 سنوات. إلا أنه يعتبر أعلى من متوسط منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى حيث يبلغ 5.4 سنوات مقابل 6.4 سنوات جنوب آسيا. وخلص التقرير إلى أن لبنان وجيبوتي هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان سجلا أداء أقل من المستوى المتوقع لهما، واعتبر أن التعثر في لبنان مرده الحرب وانعدام الاستقرار وهو أيضا من العوامل الأساسية التي أعاقت التنمية من العراق إلى فلسطين والسودان والصومال واليمن. وإذا كان التقرير أشار إلى تحسن مستوى تمثيل المرأة في البرلمانات العربية، حيث ارتفع حضورها من 18 في المائة سنة 1980 إلى 27 في المائة عام 2008، فقد شدد أيضا على أن البلدان العربية لاتزال تشهد قيودا على حق المرأة في التصويت. كما يؤكد على أن العمل على صعيد حماية الحريات المدنية وتعزيز الحكم الديمقراطي لا يزال في حاجة للكثير من العمل. ويظهر دليل الفقر المتعدد الأبعاد حسب تقرير التنمية بالاعتماد على الصحة والتعليم ومستوى المعيشة أن 39 مليون شخص في المنطقة العربية يعيشون في حالة فقر متعدد الأبعاد وتتراوح نسبة حالات الفقر المتعددة الأبعاد بين حد أدنى قدر ب7 في المائة في تونس والإمارات وحد أعلى قدر ب81 في المائة في الصومال. وخلصت الأممالمتحدة إلى أن الدول العربية احتكرت بذلك نصف المراكز العشرة الأولى في سرعة معدل التنمية البشرية على مستوى العالم خلال العقود الأربعة الماضية، لكن لا يمكن التهوين من أثر الحروب والصراعات على عملية التنمية في المنطقة. كما أكد التقرير أانه لا يمكن التقليل من أهمية الآثار السلبية للصراعات المسلحة على التنمية البشرية. ونقل عن أمة العليم السوسوة الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي قولها "حصة المنطقة العربية من سنوات الصراع تجاوزت في المتوسط ثلاثة أضعاف ما شهدته سائر مناطق العالم خلال فترة 18 عاما، من 1990 إلى 2008". وعلى مستوى العالم، حلت النرويج في المستوى الأول في دليل التنمية البشرية تليها استراليا ثم نيوزيلندا والولايات المتحدة. أما البلدان التي حلت في المرتبة الأولى من حيث التحسن في دليل التنمية البشرية والتي حققت "معجزات" في نمو الدخل، فهي اندونيسيا وكوريا الجنوبية والصين. كما تراجع دليل التنمية البشرية عما كان عليه في عام 1970 في ثلاثة بلدان فقط كلها افريقية، وهي جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوي.