استطلاع ميداني/ محمد غالب غزوان أسبوع مشبع بالدماء ففي صنعاء التي لم تتعاف من مذبحة فجر يوم السبت باكورة الأسبوع المنصرم التي ما زالت مشاهده عالقة في الأذهان فاجأتنا السلطة بتنفيذ مذبحة أخرى في نهاية ذات الأسبوع في ظهر يوم الجمعة المنصرمة.. فظاعة تلك المذبحة ذكرتنا بمذبحة (صبرة وشاتيلا) التي نفذتها القوات الصهيونية على سكان المخيم الفلسطيني في لبنان فالسيناريو الكارثي نفسه تكرر في كلا المذبحتين اللتين استهدفتا الشباب المعتصم في ساحة التغيير أمام الجامعة، فمذبحة يوم الجمعة لم تختلف في التخطيط عن مذبحة يوم السبت، فقط اختلفت أماكن توزيع الجنود من حيث التمركز في مواقع محددة من أجل إطباق الحصار على الشباب العزل وليس حمايتهم كانت بداية مذبحة يوم الجمعة التي أطلق الشباب عليها جمعة النذير وسرعان ما أنذرت أسرة الحكم نفسها برحيل من خلال المجزرة التي نفذتها، حيث ارتفعت سحب الدخان الكثيف جراء إحراق (الكفرات) التي كدست خلف سور تم بناؤه من قبل السلطة في وسط الشارع في الجمعة قبل المنصرمة واعتبرت السلطة ذلك الجدار الحاجز الضامن لعدم توسع رقعة الاعتصام ووضعت ذلك الجدار تحت حراسة الجنود حسب ما ترون في الصورة لكن في يوم الجمعة -موعد تنفيذ المذبحة- تم سحب الجنود من اليوم الأول ليحل بدلهم جنود يلبسون الزي المدني ويتقمصون دور (ابن الحارة) كان غرض إحراق الكفرات من أجل أن يخيم ضباب الدخان الكثيف فوق رؤوس المعتصمين حتى لا يتمكنوا من تمييز من أي اتجاه تنصب فوق رؤوسهم رصاص القناصة المزودة بنواظير ليلية بينما أخذت المدرعات المزودة بخزانات المياه ذات الدفع القوي وشديد الحرارة والمضاف إلى مياهها مادة تسبب التهاباً في الجلد والرغبة الملحة في الحك تصب عليهم المياه وهي تقف في أماكن تعتبر ملاذاً للهروب وخاصة أن وقت تنفيذ العملية كان وقت صلاة الجمعة والناس مزدحمة والأجساد ملتصقة سدت عليهم كافة المنافذ حتى لا يسعون للهروب من رصاصات القناصة والنجاة بأنفسهم، حيث كان مسرح تنفيذ المذبحة في الأماكن التي كانت سحب الدخان تخيم عليها وأخذت رصاصات الموت تنطلق بدون شفقة أو رحمة أو ضمير كانوا يسقطون واحدا تلو الآخر وطلقة الرصاص الواحدة كانت تصيب أكثر من هدف بحكم شدة الزحام والتصاق الأجساد كما أسلفنا.. لقد كان حقا هجوما شرسا يحمل في طياته الخبث وكل نوازع الشر، نفذته قوات عسكرية تتبع القوات الخاصة والحرس الجمهوري التابعة لنجل الرئيس وقوات الأمن المركزي التابعة لابن أخيه.. قوات تم بناؤها وتسليحها من كد أبناء الشعب وعلى حساب قوتهم لقتل شبابهم وفلذات أكبادهم. الله أكبر كان جبروت البطش وفظاعة التنفيذ أكبر من الطاقات الفتية لشباب عزل ينشدون الحرية وأخذت رصاصات القناصة تحصد أرواحهم البريئة من كافة الاتجاهات حتى المباني الأخرى التي تحاذي جولة القادسية ارتفعت أصواتهم وهي تردد: الله أكبر.. وقاموا بهد السور واجتازوا لهب النيران حتى تمكنوا من السيطرة على أول مبنى تتمركز في داخله عدد خمسة من القناصة، ذلك المبنى يتبع محافظ محافظة المحويت محمد علي محسن والد مدير أمن عدن كان المنزل خاليامن أي سكان باستثناء القناصة الذين هرب منهم ثلاثة وتمكن الشباب من إلقاء القبض على اثنين منهم وكان خلف السور بمسافة تقدر بسبعة أمتار أشخاص يحملون المسدسات هم حراس السور أخذوا يطلقون الرصاص من مسدساتهم وهم يتقهقرون إلى الخلف وتمكنوا من الفرار، كان الشارع بطوله خاليا من أي حماية أمنية ولا توجد أي قوى أمنية بالمرة حتى جيوب الشرطة التي اعتيد تواجدها في الجولات لم تكن متواجدة بينما كانت القوات العسكرية مكدسة في الجانب الآخر في جولة الرباط وشارع الزراعة تحاصر الشباب المعتصم وبعد سقوط أكثر من مائة مصاب برصاصات القناصة توفي في الحال منهم خمسة وعشرون شخصا وتم نقل الآخرين إلى المستشفى وما زال نبض الحياة فيهم ونزيف دمائهم يتدفق.. بعدها تمكن الشباب من اجتياح المباني والشقق التي كانت تتمركز فيها القناصة وكانت كافة تلك المباني خالية من الساكنين وتوقفت عملية الضرب بينما أفادت التقارير أن ثمانية عشر شخصا من المصابين توفوا ليرتفع عدد القتلى إلى ثلاثة وأربعين ثم لحقهم تسعة آخرين متأثرين بجراحهم لتصبح حصيلة المجزرة اثنين وخمسين قتيلاً وقيل إن عدد القتلى ارتفع إلى اثنين وستين قتيلاً. العدوان يتواصل توقفت عملية الهجوم لحوالى نصف ساعة ثم تواصلت مرة أخرى واستمرت حتى الساعة الرابعة بعد العصر ولا ندري لماذا وسائل الإعلام لم تتناول هذا الهجوم الثاني الذي كانت تدور أحداثه قرب جولة عشرين، كنت حاضرا بنفسي وشاهدت بأم عيني المصابين الذين كانوا يسقطون جراء طلقات طائشة والقنابل الغازية السامة وجراء ضربات الأحجار التي كانت تنهال على رؤوس الشباب حتى أن سيارات الإسعاف لم تتمكن من أن تكفي عملية نقل المصابين، فقد كانت تلك السيارات تكتظ بعدد المصابين وتغادر وما زال هناك مصابون ملقيين على الأرض حتى لجأ الشباب إلى استخدام سيارات هيالوكس لنقل المصابين إلى المستشفى الميداني والدراجات النارية وحتى التاكسي بينما تم استخدام الخيم القريبة لاستقبال المصابين المتأثرين بالقنابل الغازية وكان يتم رش مشروب (البيبسي كولا) على وجوه المصابين، أما المصابون جراء الطلقات النارية والمصابون بجروح جراء قذفهم بالأحجار فقد كان يتم إسعافهم إلى الداخل -إلى المستشفى الميداني- وكان بعضهم يتم حملهم على الاكتاف بسب عدم قدرة سيارات الإسعاف والوسائل الأخرى من استيعاب عملية إسعافهم، يعني أن المعركة استمرت أكثر من أربع ساعات ونصف وربما أكثر والأجهزة الامنية لم تصل بعد لإنقاذ المعتصمين من الموت رغم قربها وتمركزها في مداخل أخرى. فإلى من يلوذ هؤلاء الشاب وقد أصبح هناك إصرار على قتلهم وهم عزل يهتفون: "ثورتنا سلمية، سلمية مائة في المائة" والغريب في الأمر أنني حين عدت إلى المستشفى الميداني لمعرفة مصير المصابين الذين تم إسعافهم.. من أمامي وجدت المنصة الرئيسية لا تنبه الحاضرين ووسائل الإعلام والصحفيين المعتصمين في الخيام أن هناك اعتداءات ويجب عليهم التحرك لتوثيقها وبعد ذلك كل سيعمل من موقعه وقدرته وضميره، فأولئك الشباب اليافعون الذين كانوا يستميتون في المداخل ومواجهة الخطر حتى يهنأ المناصرون بمضغ القات في الخيام بأمان هم فلذات أكبادنا ومحصول أجيالنا المتعلمة والواعية والثائرة. تقتلهم أخطاء الكبار وتوطئهم فترة من الزمان لسلطة ظالمة تتفنن بقتلهم وتتلذذ (فلا نامت أعين الجبناء). البراهين على كيدهم تمكن شباب الثورة المعتصمون من إلقاء القبض على عدد من رجال القناصة عندما اقتحموا الشقق والمساكن عليهم وتبين أن هؤلاء الأشخاص يعملون في الحرس الجمهوري والأمن المركزي ولا أحد منهم يسكن في أي حي من الأحياء المجاورة وقد شاهدت الصحيفة أحد هؤلاء البلاطجة وهو يتلقى العلاج في أحد الخيام الطبية التابعة لشباب الاعتصام، كان شابا في 25 من عمره تقريبا وحين أخذت أسأل هل هو من سكان الحي أقبل علي مجموعة من الشباب وقالوا لي: نحن من سكان الحي ولدينا خيمة في داخل الاعتصام وطلبوا مني مصاحبتهم إلى أبواب منزالهم حتى أتأكد من ذلك وحين خرجت الصحيفة إلى الحارة المجاورة أكد شباب منها أن هناك زملاء شباباً من سكان الحي يشاركون في الاعتصام وأن اللوحات القماشية التي نصبت في مداخل بعض الأحياء والتي تشير إلى تضايق السكان من المعتصمين يتم نصبها وتعليقها من قل عقال الحارات الذين يعملون تبعا لوزارة الداخلية. كذلك أكدت مصادر من اللجان الأمنية الشبابية أن أجهزة تتبع أسلحة القنص مثل النواظير الليلية والليزرية تم العثور عليها بحوزة القناصة وثبت أنها تتبع وزارة الداخلية وتم إرشادنا إلى نوافذ الشقق التي كان القناصة يتمركزون فيها ولم يتسن لنا معرفة تفاصيل أخرى بشكل أوضح، حيث هناك تكتم من اللجنة الأمنية التي يجب عليها فضح كل النتائج التي توصلت إليها وأن لا تحذو حذو السلطة في التكتيم والتعتيم. وفي نهاية المطاف فكافة الوقائع الميدانية وتكتيكات عملية التنفيذ وتضارب ادعاءات السلطة في تصريحاتها عن الحادث والتقليل من شأن المذبحة تم إعلان الحداد وثبت قطعا وبغير مجال للشك انعدام توفر السلاح لدى الشباب المعتصم وعدم سقوط أي ضحايا في الطرف الآخر جراء أعيرة نارية، فكل هذه الشواهد تؤكد أن السلطة هي من نفذت وخططت ودبرت وربما رغبة منها في جر البلاد إلى حرب أهلية. الجدير بالذكر هنا أن العديد من البلاطجة وأرباب السوابق الذين استعانت السلطة بهم قد تم استقبال ملفاتهم من أجل توظيفهم ويقال تشكيلهم كوحدات قتالية باسم لجان المقاومة الشعبية، أي أنهم أصبحوا جزءاً من القوة العسكرية التابعة للقيادة التي تقوم بتعبئتها وقد تم تجهيز عدد من الأحواش تم نصب الخيام فيها وما زالت مغلقة الأبواب وقالت المصادر إنه ربما يتم استخدامها قريبا حين تفشل كافة المبادرات. وهم التقارير حصلت صحيفة الوسط على معلومات من بعض المصادر المقربة من أسرة الحكم أن تقارير تم رفعها إلى رئيس الجمهورية أفادت أن المذبحة التي تم تنفيذها فجر يوم السبت باكورة الأسبوع المنصرم قد أوجدت نوعاً من الفزع والهلع في أوساط المعتصمين وأن عددهم تناقص جراء ذلك الهجوم الذي سقط فيه قتيل واحد وألف جريح وأن أغلبية الشباب غادروا الساحة جراء إصرار أولياء أمورهم وخاصة إصرار الأمهات الخائفات على حياة أولادهن وتم اقتراح تنفيذ عملية أخرى يسقط فيها ضحايا سوف تفض ذلك الاعتصام أو سوف تؤدي إلى تصادم بين سكان الأحياء المجاورة والمعتصمين خاصة إذا سقط قتلى من أبناء القبائل المتعصبين الذين سيسارعون في الانتقام من سكان الحي وبموجب ذلك الاقتراح الغبي والتقرير الواهم تم تنفيذ مذبحة الجمعة وعليه فإنه إذا فرضنا صحة هذا التقرير الذي يعتبر كارثيا ولا يصدر إلا من أغبياء، لأن مذبحة الجمعة هيجت الناس للالتحاق بساحة الاعتصام بشكل أكبر وزادت من قناعة الشباب على الإصرار في مطالبهم، لأن القتل والظلم دوما يحرك الشعوب ولا يجمدها ولو كان القتل يجدي لكانت السلطة تمكنت منذ زمن بعيد من إخماد الحراك الجنوبي والقضاء على جماعة الحوثي. ردود أفعال المجزرة في الجمعة الدامية وقد أدت مذبحة يوم الجمعة إلى ردة فعل قوية، حيث كانت هيئات التدريس الجامعي السباقة لتحديد موقفها حيث قدم العديد من أعضائها استقالاتهم من حزب المؤتمر الشعبي العام ومن مواقع عملهم، منهم الدكتور محمد الدعيس رئيس قسم العلوم التربوية والنفسية في كلية أرحب والذي صرح للصحيفة بأنه قدم استقالته من حزب المؤتمر ومن القسم الذي يعمل فيه، معتبراً ذلك أقل تعبير يقدم لأسر الضحايا من شباب الثورة الأحرار وذلك احتجاجا على مذبحة يوم الجمعة التي نفذتها أيادي آثمة ومجرمة. وقد صدرت العديد من البيانات من منظمات المجتمع المدني والمشائخ تدين من قاموا بتنفيذ تلك المذبحة منها منظمة إراف للدراسات القانونية ومؤتمر السلام بقيادة الشيخ فارس مناع.