حدثني من لا أتذكره ألان أنه سمع: أن الرئيس المطرود شر طرده, علي صالح اجتمع يوما هو ومجموعة ممن هم على شكله ولونه يعني بعض حكام العروبة المغلوبة على أمرها والمنهوبة حقوقها, فتذاكروا فيما بينهم في شأن سرقة شعوبهم وأساليب ووسائل نهب ميزانيات دولهم, فقال الأول: أنا أضع في الغرفة صحنا معدنيا ثم آتي بالميزانية وأرمي بها إلى سقف الغرفة, فما سقط في الصحن لي وما سقط في الغرفة للشعب. وقال الآخر: وأنا ارسم دائرة وسط الغرفة, فما سقط في الدائرة لي, وما كان خارجها للشعب. وجاء دور مصيبتنا –عفاش- والتي لم تنقشع انقشاعا كاملا عنا حتى بعد إبعادها, فقال: أما أنا فلا أضع شيئا في الغرفة..!! تعجب إخوانه الشياطين وقالوا: معقول تكون بهذه النزاهة والأمانة. فقال: على رسلكم ولا تتعجلوا وتحسنوا الظن..!! فأنا أجيء بالميزانية وارمي بها نحو السقف, فما بقي في السقف للشعب, وما سقط في الغرفة لي. فصاحوا جمعيا: أنت أنت وأدنوه وقربوه. هذا المثل أو النكتة وإن شئت قلت البلوى والمصيبة هي من باب الخاص الذي أريد به العام, بمعنى ليس هي خاصة بالشياطين الذين يحتكرون الكرسي وتأبى كروشهم مفارقته ومغادرته, بل ينطبق على كل من تحتهم من أصحاب الولايات الصغرى-بيبي حرامي-, حتى أصحاب الصناديق؛ النظافة ونحوها والتي تعتبر مناصب مقفرة موحشة وقاعا صفصفا, مع هذا لم تسلم من نظرية السقف للشعب والقاع لي. وهذا يقودنا لمسألة أخرى في نفس ذات السياق وهي: هل الفساد ينزل من أعلى للأسفل ؟ أم يصعد من أسفل إلى أعلى؟؟ وحتى نمسك بطرف الخيط طالما أننا على أعتاب مرحلة جديدة, نرغب في أن تكون نزيهة وأمينة وخالية من الدحبشة الفتاكة, لا أحبذ دخول معمعة الفلسفة العقيمة السقيمة التي تشبه البيض الفاسد من نوع: مَن الأول؛ الدجاجة أم البيضة؟ لأن العملية متداخلة ومشتركة ومترابطة مثل الشاي المختلط بالحليب, ولا يوجد طرف يتحمل كامل المسؤولية, فالرؤساء وصبيانهم وقملهم لهم نصيب كما الأفراد أيضا, ويظل الفساد مثل ماء النافورة الذي يصعد لأعلى ثم ينحدر لأسفل وهكذا في عملية دائرية مغلقة صعودا ونزولا. وهذا يضعنا أمام حقيقة مؤلمة جدا وهي شلة اللوبي التي تشكل عصابة مزمنة مثل قطيع الضباع التي تحيط بالفريسة وتتناهشها من كل جزء وطرف حتى يصيروها هيكلا عظميا. وننجر أيضا لجدلية معفنة أخرى مثل مجاري الخور وهي: هل اللوبي هو سبب الفساد أم الفساد هو مَن جرجر أنف أبو أكبر شلة بلطجية-لوبي-؟؟ أيضا لا يهم مَن جرجر الآخر, لكن المهم هو أن الثقافة السائدة لدى كثير من مسؤولينا لا تتعدى المصران والكرش, وترتكز على أن المنصب الحكومي مثل الطلي المشقاصي المندي السمين, والذي يطيّح بأكبر صاحب كرش يقف أمامه, لتبدأ عملية الافتراس دونما رحمة أو هوادة, وقضية النزاهة والشفافية ما هي إلا عملية تجميل بسيطة جدا ورخيصة نمر من خلالها إلى كبستنا الدسمة. وصلنا لنهاية مطافنا, نحن ألان أمام مرحلة جديدة, وأرى المُدى تُشحذ, واللعاب بدأ يسيل, والكروش اهتزت وربت, والكل مترقب وينتظر ومشمر, ونفس السيناريو يتكرر؛ وعودٌ وبشاراتٌ وأمانيٌّ وأحلامٌ, حتى إذا وصلوا للهدف, حتى الكرعان سيمنعونها ولن يرموها لنا, ونعود لنكتة السقف مرة ثانية, والتي ذكرتني بنكتة الخروف المجسدة لواقع حكامنا معنا ومع السلطة ومع المال العام, وخلاصة النكتة كما حدثني من لا أتذكره: أن رجلا اشترى خروفا وذهب به للجزار وقال له: نصف اللحم أسويه حنيذ والنصف الآخر قطعه قطع صغيرة للثلاجة, والرأس اسلخه نسويه شوربة, والأرجل نظفها نسويها كوارع, والجلد نريده شن للماء, والكرشه والمصارين نبغيها مغاضيف, والروث نبغيه سماد للحوش, والعظام نبغيها للكلب, قال له الخروف : يا شيخ ما تبغي صوتي نغمة لجوالك…!!