بعد وصولنا اسرائيل واستقرارنا في منطقة (اوشيوت) بمدينة (رحوفوت) التي مازلنا نعيش فيها، كان علينا الرضوخ لكل مطالب دائرة الاحتواء والتكيف مع كل شيء إذا أردنا عيش حياة هادئة، لكن عوائل يمنية في الأحياء المجاورة اعتادوا على تحذير كل من يصل حديثاً من كثير من الامور، وفعلوا هذا مع أبي. كانت أولى مشاكلنا هي التسجيل بالمدارس العامة، فهي تكلف مبالغ ونحن لانملك شيئاً، فتحاول الجمعيات اليهودية "الصهيونية" استغلال فقر اليمنيين واستقطاب ابنائهم في مدارس دينية. وهو ما رفضه أبي وبقية العوائل الواصلة لأن القدماء حذرونا من أن هذه المدارس متشددة جدا ضد العرب والمسلمين. فكان ذلك أول موقف يثير نقمة الجمعيات ضدنا ويجعلهم يضيقون علينا بكل شيء. لاحقاً لم يساعدوا أبي في الحصول على عمل، وهو كان نساخ مبدع. لكن اليمنيين القدامى وجدوا له عملا في مزرعة. وكان يضطر للعمل فترتين من اجل تكاليف دراستنا في مدارس عامة. كما قبل أن أدرس في مدرسة مختلطة فقط من باب التحدي للجمعيات التي كانت تعرقل وصول حتى المعونات الخيرية. اكتشفت بعد سنوات أن الغالبية العظمى من اليمنيين هنا في (اوشيوت) عملوا الشيء نفسه ورفضوا تسليم ابنائهم للمدارس الدينية التابعة لحزب "ساش". وكابدوا ضنك العيش والتمييز العنصري في كل مجال من اجل الحفاظ على هويتهم العربية وثقافتهم المعتدلة. لذلك فإن هذه المنطقة ظلت شبه معزولة ومحرومة من كل الخدمات وقلما تجد احد من ابنائها يشغل وظيفة في مركز بلدي محترم. فالكل هنا ما زال يعيش حياته اليمنية، ليس فقط بعاداتها وتقاليدها بل ايضا ببؤسها وفقرها وضعف تعليم ابنائها. لذلك يشتاق الجميع لحياة اليمن لان المسلمين هناك لايجبروهم على شيء ولا ينتقمون منهم ان رفضوا، ويعاملوهم بشكل افضل.