أكملت مجلة "الكلمة" الإلكترونية الشهرية، التي يرأس تحريرها الناقد الدكتور صبري حافظ، عامها الثالث بصدور العدد 36 "ديسمبر 2009"، والذي حملت افتتاحيته إشارة إلى توقف المجلة بشكل مؤقت بعد هذا العدد، على أن تستأنف الصدور قريبا في ثوب جديد، في ظل استقلال اقتصادي خططت المجلة له وسعت إليه من البداية. حفل عدد "الكلمة" الجديد بالعديد من الدراسات والقراءات الفكرية والنقدية، والنصوص القصصية والشعرية، والمواجهات والشهادات وعروض الكتب والرسائل والأنشطة الثقافية، وانحازت "الكلمة" كعهدها للكتابة المتجاوزة والتجريبية، غير منقطعة الصلة بالموروث والأصول والروافد المتجذرة. عن "مغامرات التجريب وأوجاع البحث عن هوية" يقدم الدكتور صبري حافظ استعراضا لمهرجان أفينيون المسرحي هذا العام، يقارن فيه بين حال المسرح في الغرب، وحال المسرح عندنا، خاصة وقد كان أحد أبرز نجوم دورة هذا العام مخرج لبناني كندي هو وجدي معوض، أبدع وتألق حينما ترك عالمنا العربي، وأتاح له الغرب في مناخ من الحرية التعبير عن تفجرات موهبته. وبعنوان "حسن فتحي: العودة بالعمارة الى جذورها" يتناول الباحث وليد أحمد السيد الذكرى العشرين لرحيل شيخ المعماريين العرب حسن فتحي، والتي حلت في اليوم السابق لصدور هذا العدد، ويقدمه الباحث بفهم حقيقي لمفرادته المعمارية، وبصيرة قادرة على سبر أغوار مشروع حسن فتحي المتميز، والتعريف برؤاه وبالموقف الفلسفي الذي يصدر عنه. وحملت دراسة داعس أبو كشك عنوان "أليس لنا حق في مياهنا؟!"، وعن "البحث عن خصوصية سردية" كتب سيد ضيف الله، في حين كتب محمد علي النصراوي عن "استحضار المنطقة المقدّسة"، وكتبت نجمه خليل حبيب عن "طقوس العودة، ودلالاتها في المتخيل السردي". ويطرح الفلسطيني المرموق محمد شاويش في سؤاله "متى تنتصر الثورات ومتى تنهزم؟" أسئلة كثيرة أخرى؛ أولها: هل يكفي أن تصل الجماعة الثورية إلى السلطة حتى نقول إنها انتصرت؟ ومن خلال تحليل لتاريخ وصول الجماعات الثورية للسلطة منذ الثورة الاشتراكية وحتى الثورة الإيرانية وحماس، يكشف لنا عن أن تجاهل القاعدة الجماهيرية هو السر في انهزام الثورة حتى لو بقي أصحابها في السلطة. ويسعى الباحث الجزائري الشريف حبيلة في دراسته "البنيوية التكوينية في النقد الأدبي" إلى عرض المكونات الأساسية لمنهج البنيوية التكوينية في النقد الأدبي كما بلوره المفكر المجري الفرنسي لوسيان جولدمان، ويقدم تلخيصا وافيا لكل مفاهيم هذا المنهج النقدي الأساسية: من رؤية العالم، إلى الوعي الفعلي والوعي الممكن، إلى البنى الدلالية والضامنة وغيرها من المفاهيم التي ينهض عليها هذا المنهج النقدي المتميز. وفي باب "كتب" يتناول عبد السلام فزازي دلالة الغربة في ديوان "رعاة العزلة" للشاعر الأردني أمجد ناصر، معتبرا أن الغربة لعبة زئبقية تتفاعل بين الروح والجسد عبر تضاريس الفضاءات التي تتشكل وفق تداعي اللغة وإيحاءاتها المشتعلة توهجا وانشطارا. وثمة غربة قد تتجاوز الأمكنة والتضاريس لتركب البعد الجمالي للغة الواصفة لمنولوجات الذات العصية عصيان الحبيب المتمنع. ويقول إن فضاءات الذكرى تكتسي عند الشاعر أمجد ناصر بعدا فنيا تقتنص لحظات الغربة عبر استرجاع التفاصيل الدقيقة المتشظية من عمق الذكريات الجميلة واختزال خبايا أسرار موجعة وجارحة، لحظات في أبهى بساطتها البدوية البريئة، وغربة تشي بعوالم الطبيعة المسخرة لدى الإنسان، في حركة دائبة. وبعنوان "ماذا ينتظر الشِّعر الجديد كي يصبحَ خُبْزَ المائدة؟!" يقدم الشاعر المصري شريف الشافعي شهادة عن تجربته الشعرية متعددة الأجزاء "الأعمال الكاملة لإنسان آلي"، وعن المشهد الشعري العربي الراهن، وفيها يشير إلى أن غاية العدالة، الحقيقية أو الافتراضية، أن يكون المحك الجوهري لامتحان القصيدة الجديدة هو القصيدة نفسها، حيويتها، طزاجتها، فرادتها، قدرتها على تمثل روح عصرها، قابليتها للاستساغة الطبيعية وإشباع الأذهان والحواس بما يُغني ويُمتع في الآن ذاته. ويقول الشافعي إن هذا هو السؤال الأصعب على الإطلاق، والامتحان الحقيقي الذي تخوضه القصيدة الجديدة الآن، حيث تطمح إلى استرداد وضعها الطبيعي في هذه الحياة، من خلال شعريتها، وشعريتها فقط، وليس من خلال البوابات السلطوية والنخبوية والوسائط والوسطاء والمنظّرين والمروّجين والمسوّقين، ولا حتى من خلال القضايا المصيرية والجماهيرية والنبوءات الكبرى، التي تتمسّح بها لتستدر التعاطف والتصفيق. ويعتبر الشافعي أن اللحظة مناسبة تمامًا الآن لعودة القصيدة الحقيقية الحيوية، أو ميلادها بصورتها النقية، بل لعلها اللحظة التاريخية الأكثر مثالية منذ سنوات بعيدة، بعد أن انهارت الوسائط التقليدية لتوصيل النص، وانقاد النقاد والوسطاء الانتفاعيون إلى مكان بارد في الذاكرة، معلنين إفلاسهم، وعدم قدرتهم على التمرير والمنع في عصر الرقمية والفضاءات المفتوحة. وفي باب "شعر"، تقدم مجلة الكلمة ديوان "حصيلتي اليوم قُبلة" للشاعر المصري أشرف يوسف، ذلك الشاعر الذي خف حنينه للثورة، ويعيد قراءة تفاصيله الصغيرة بتهكم صريح من بداهة الأشياء، وهو شاعر ينحاز لقصيدة النثر، لا يراوض البلاغة بقدر ما ينصت لأنين كينونته وعوالمها البوهيمية، حيث لا شعارات كبرى، ولا حدود لوطن الكتابة المفتوح لا على عوالم إيروتيكية، بل على العالم التي تخطط أفقه القصائد. وتضمنت النصوص الشعرية الأخرى قصائد لكل من: محمد الميموني، طارق الكرمي، عزت الطيري، محمود فرغلي، قيس مجيد المولى، محاسن الحمصي. أما باب "قص/سرد"، فقد اشتمل على رواية "ملح" لليبي محمد الأصفر. وجاءت النصوص السردية الأخرى لكل من: عبد اللطيف الإدريسي، سلام إبراهيم، ياسر شعبان، أثير محمد علي، سهام بدوي، ليلى البلوشي، أحمد الفطناسي. ضم العدد أيضا بين دفتيه مقالات متنوعة، وشهادات وحوارات، ورسائل وتقارير من المغرب والقاهرة وفلسطين وأمريكا وهولندا وعمان، فضلاً عن تغطيات ومتابعات وفعاليات كثيرة في باب "أنشطة ثقافية".