والمناسبات الوطنية كثيرة ومتعددة لكنها جمعياً مصدرها ومنشأها ومنبعها واحد..جاءت كلها من رحم مناسبة المناسبات وعيد الأعياد مناسبة كانت الأولى في حياة هذا الشعب أفرزت فيما بعد سلسلة من الأحداث الوطنية المجيدة حق على الجميع أن يقف أمامها بإجلال وإكبار وإعجاب . ذلكم الحدث الأسمى والمناسبة الأغلى هي الثورة اليمنية الأم ال 26 من سبتمبر الذي اندلع لهيبها حمم غضب نارية صبيحة يوم ال26من سبتمبر في العام 1962م ضد نظام قاده بالتتابع مجموعة من الأئمة الكهنة الموغل تفكيرهم في التخلف والقدم.. حكاماً أمعنوا في ابتكار وإنتاج الأساليب المختلفة في الحكم والإدارة لأحكام قبظتهم وسيطرتهم على الشعب اليمني فكان نظام حكم لايمت بصلة إلى العصر الذي تعيشه البشرية. أن الثورة اليمنية بما شكلته من ضرورة وطنية وعربية وإقليمية ودولية لايمكن وضعها إلا في مصاف الثورات الإنسانية العملاقة لأنها وببساطة قد جاءت كضرورة وطنية وإنسانية لتكون بمثابة سياج حماية لشعب اتبع حكامه معه سياسة الفناء والإبادة من خلال أساليب جد مختلفة في الحكم أفرزت واقعاً أساسه أمية شاملة وكاملة تطبق على البلاد من أقصاها إلى أقصاها وفقر مدقع وأمراض متعددة.. تخلف مرير متعدد الاتجاهات والأبعاد. ومنذ اليوم الأول القيام الثورة المباركة تم الإعلان عن مصفوفة الأهداف الستة الخالدة لها وإلتي وضعها الضباط الأحرار لتكون بمثابة إستراتيجية طويلة إلا مد للثورة ومحور نضال شاق لتجسيدها في الواقع بهدف تغير معالمه البائسة من خلال مشروع تحديثي طويل وطموح ابتداءً من المدرسة وانتهاءً بالمشاريع الإستراتيجية الكبيرة. ولما كان الإرث المتمثل بالجهل الذي وصلت نسبته إلى أكثر من 90% بين أوساط الشعب واعتمدت الإمامة عليه كإستراتيجية للحكم هو العدو الأكبر للشعب. ولقد كانت المواجهة الأولى لقيادة الثورة مع هذه الآفة التي سعت الإمامة إلى تكريسها بين أوساط الشعب وظلت تتمترس خلف مكامن التخلف بهدف تأمين استمرارية وديمومة بقائها في الحكم متسلطةً على الشعب ومقدراته . وكانت فلسفتها التعليمية والتربوية ترتكز على مجموعة من الكتاتيب تدرس فيها وبأساليب بالية ما يعزز ويؤكد مشروعية الإمامة في الحكم والسلطة معتقدة أنها قد أحكمت الإمساك بزمام الأمور من خلال أساليبها العتيقة تلك وأمنت لنفسها مشروعاً طويلاً للحكم يستند على الجهل.. فإنها لم تكن تدرك بأنها قد باتت تحفر قبرها بأيديها وأنها قد بذرت بذور فناء النظام من داخله ولم تكن الإمامة تعمل حساباً لما يدور من حولها في العالم أو على الأقل عربياً وإقليميا.. حيث كانت رياح الثورات والتغيير والدعوات إلى الأخذ بالأساليب العلمية في الحكم والإدارة والحياة بأكملها تجتاح دول المنطقة برمتها. وبنظرة موضوعية يمكن الجزم أن الجهل يعد السبب الرئيسي لكل مشاكل المجتمع اليمني سوءا كان ذلك قبل الثورة أو بعدها وعلى الجهل تنمو كل المشاكل والسلبيات الأخرى. فالمجتمع الجاهل سهل الانقياد والطاعة العمياء وتتفشى في صفوفه شتى أنواع الأمراض ويولد بين أفراده الفقر المدقع . وفي المجتمع الجاهل تنتشر مختلف السلبيات والخرافات (( مثل حكاية القطران الذي دعت الإمامة أبناء الشعب لاستخدامه فاستجاب إليها الجميع )) وكذلك الرضوخ والاستسلام والانقياد . ويسود مثل هذا المجتمع نمط الحياة البدائية وبتعبير أخر فإن الجهل معناه الظلام الدامس. ومنذ اليوم الأول لقيام الثورة وجد قادتها أنفسهم أمام مواجه مع الجهل المتفشي بين معظم أفراد الشعب فكان لابد من معالجة سريعة لهذا الوضع المأساوي باتخاذ تدابير عاجلة لهذه المشكلة فكان التخطيط بشكل سريع لسلسلة من المدارس في ربوع الوطن ولو بشكل شبه أولى اعتمادً على ماهو متاح من إمكانيات.وبهذا الصدد انتظم الآلاف من التلاميذ من مختلف الإعمار في كل مكان في ربوع الوطن.. وأقبلوا ينهلون من العلوم والمعارف بنهم كبير واندفاع لا يوصف لتعويض ما فات حتى يتم اللحاق بركب العلم والمعرفة والتقدم الذي يسير عليه العالم من حولنا.. يختصرون أعمار السنين في سباق مشروع مع الزمن خاصة بعد أن تم القضاء على العزلة التي فرضتها الإمامة على الوطن ومواطنيه وأدرك الجميع حقيقة الفارق الشاسع والكبير بين بلادنا والبلدان الأخرى من حولنا.. ولتأمين عملية اللحاق بركب العلم والمعرفة الموجودة في كل دول العالم شرع قادة الثورة في تأسيس فلسفة تربوية وتعلميه تراعي خصوصية المجتمع اليمني وواقعة وإمكانيات والاستفادة من تجارب البلدان من حولنا وفي مختلف دول العالم فيما يتعلق بفلسفة العمل التربوي والتعليمي. وبناءاً على ذلك تم إرسال الوفود إلى العديد من الدول العربية والأجنبية لتطلع على تجارب تلك الدول في المجالين التربوي والتعليمي كمحاوله للاستفادة من تلك التجارب . وأخذت البعثات الدراسية ترسل إلى العديد من دول العالم للدراسة في الجامعات والمعاهد العليا وبمختلف التخصصات وتم استقدام الخبراء والاختصاصين والمدرسين للمشاركة في تأسيس تجربة تربوية وتعليمية جديدة في بلد فرض عليه الحكم الأمامي العيش في ظلمات القرون الوسطي. إن الاحتياج للكوادر كان شاملاً وكاملاً في كل شيء ولكل شيء ولم يكن يؤمن ذلك الاجتياح إلا المجال التعليمي فمنه يتخرج الطبيب والمهندس والإداري والمتخصص بمعنى إن التنمية بمختلف مسمياتها والكوادر التي ستقوم بتنفيذها تعتمد اعتماداً كلياً على المخرجات التعليمية من الكوادر المتخصصة والمؤهلة تأهيلاً علمياً.. فكان لابد من إن تنصب كل الجهود عقب قيام الثورة على المجالين التعليمي والتربوي والذي سيكون لاحقاً بمثابة المعين الذي لا ينضب لتأمين حاجة البلاد من الكوادر المختلفة. وحقيقة الأمر فإن إلقاء نظرة على واقع التعليم في الوقت الحاضر بمختلف مسمياته تعطي صورة واضحة عن القفزة النوعية التي حققتها بلادنا في هذا المجال كثمرة طيبة للثورة اليمنية المباركة. وبهذا بلغ إجمالي عدد طلاب التعليم الأساسي حتى عام 2004م أكثر من 4ملايين و146الف طالب وطالبة منهم مليون و633 من الإناث.. فيما ارتفع عدد المدارسين في مختلف مراحل التعليم إلى (174002)مدرساً ومدرسة .. وارتفع حجم الإنفاق على قطاع التعليم الأساسي والثانوي في جانبيه الجاري والاستثماري ليصل في عام 2005 إلى ما يقارب 137مليار ريال ونتيجة لذلك فقد وصل إجمالي عدد المباني المدرسية في عموم محافظات الجمهورية إلى ما يربو عن (14608) مبنى مدرسي. ولمواكبة هذا التوسع وما يتطلبه من تجهيزات مدرسية وكتب ومعامل كما تم توفير 200معمل بتكلفة تقدر بنحو 5مليارات ريال.. وشهد المركز الرئيسي للمؤسسة العامة لطباعة الكتاب المدرسي واستحداث فروع لها في محافظتي صنعاء وحضرموت بما مكن المؤسسة من طباعة مختلف المناهج الدراسية بنسبة 100بالمائة وتنفيذ كافة الأعمال الطباعية الأخرى لوزارة التربية والتعليم. ولم تقتصر جهود التطوير التعليمية على الجانب المادي فحسب، وإنما شملت جوانب التدريب والتأهيل للمدرسين والمدرسات، حيث جرى في هذا الشأن خلال العام الماضي 2004تنظيم دورات تدريبية لأكثر من 20الف معلما ومعلمة من مختلف مدارس محافظات الجمهورية، إلى جانب رصد حوالي 61مليون دولار لإعادة تأهيل 63ألف معلما ومعلمة في عموم محافظات الجمهورية خلال العام الجاري. وعلاوة على ذلك أولت الحكومة اهتماما متزايدا لتعليم الفتاة التي أسهمت الظروف الاجتماعية في حرمانها من حقها في الالتحاق بالتعليم أسوة بأخيها الرجل, وذلك من خلال العديد من الإجراءات والبرامج التي تضمن توسيع التحاقها وتيسير حصولها على التعليم سواء من خلال البرامج الحكومية أو عن طريق برنامج الوزارة بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي والمتمثل بمشروع التغذية المدرسية للفتيات, الذي شمل عموم المحافظات وحقق نتائج إيجابية في تشجيع التحاق واستمرار الفتيات في سلك التعليم خاصة في المناطق الريفية. ولما كانت الأمية من أكبر المعوقات التي تواجهها التنمية الشاملة في أي مجتمع من المجتمعات, فقد أولت الدولة خلال السنوات الأخيرة اهتماما ملحوظا بهذا الجانب من خلال التوسع في إنشاء مراكز محو الأمية وتعليم الكبار لتشمل اكبر عدد من المناطق, حيث ارتفع عددها من 945 مركزا عام 2000م و إلى 9 آلاف و494 مركزاً عام 2005م, تستوعب نحو 111 ألف دارساً ودارسة. وللإيفاء بذلك عملت الوزارة على تأهيل الكفاءات القادرة على القيام بهذا العمل سواء كانت إدارية أو موجهين ومدرسين, من خلال إعادة تأهيل 80 كادراً من القيادات العليا والوسطية، و 1000 معلما ومعلمة خلال العامين الدراسيين2001 -2002 ، و2002-2003م, إلى جانب تطوير مناهج محو الأمية وتعليم الكبار وفق أساليب علمية حديثة بالاستفادة من تجارب الآخرين والمنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن. وانطلاقا من الأهمية التي يحتلها التعليم بمراحله المختلفة, وضرورة مواكبة المناهج الدراسية للتغيرات اعتمدت الحكومة الإستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم الأساسي وبدأت بتنفيذها بالتعاون مع البنك الدولي والمانحين في محافظات صنعاء وعمران والمحويت والضالع منذ العام 2001 م, ومن ثم تعميمها في وقت لاحق على بقية المحافظات بعد النجاح الكبير الذي حققته في تلك المحافظات. وتتضمن الاستراتيجية تحديث وتطوير مناهج التعليم الأساسي وفق أحدث المعايير العلمية وبما تقتضيه المصلحة الوطنية واحتياجات المجتمع, وتأهيل وتطوير قدرات العاملين فيه, وكذا الدخول في شراكة مع المنظمات والبرامج الدولية والإقليمية للعمل في مجال التعليم إلى جانب جهود الحكومة, فضلا عن بدء إعداد إستراتيجية وطنية لتطوير التعليم الثانوي. وحقق التعليم العالي قفزات نوعية, حيث ارتفع عدد الجامعات من جامعتين في صنعاء وعدن في عام 1990م إلى سبع جامعات عام 2004م تتوزع على محافظات تعز, وحضرموت, والحديدة وذمار وإب.. في حين بلغ عدد الجامعات الأهلية 8 جامعات حتى عام 2004مبينما ارتفع عدد الأكاديميين في الجامعات ومعظمهم كفاءات يمنية في مختلف التخصصات من / 1073/ عضو هيئة تدريس إلى /4356/ عضو هيئة تدريس عام 2005م. ومما لاشك فيه فان التوسع في مجال التعليم العالي خلال الأعوام الماضية كما وكيفا قد أسهم في استيعاب اكبر عدد من خريجي الثانوية العامة, ليرتفع بذلك عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات الحكومية إلى 174 الفا و250 طالبا وطالبة عام 2005م منهم 46 الفا و545 من الإناث. ونتيجة للمستوى المتقدم الذي وصلت إليه الجامعات من حيث البنية التحتية والتجهيزات والمناهج العلمية الحديثة والمتطورة التي يقوم بتدريسها أكاديميين من ذوي الكفاءات العالية, تعززت مخرجات هذه الجامعات من الكوادر النوعية المتخصصة في مختلف المجالات لتلبي متطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل. فقد ارتفعت مخرجات الجامعات من /2368/ خريجا منهم /580/ من الفتيات في بداية التسعينات إلى 190 الفا و38 خريجا عام 2004م, لتصل نسبة الفتيات منهم إلى 33 بالمائة من إجمالي عدد الخريجين.. في حين ارتفع عدد الخريجين من برامج الدراسات العليا من 111 خريجا في عام 90م إلى 317 خريجا عام 2005م, بمعدل زيادة بلغت 6ر185 بالمائة. وحرصا على مواكبة التطورات التي تشهدها الجامعات العالمية, ركزت الدولة على تأهيل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات, من خلال ابتعاثهم للدراسات في الخارج, ليرتفع معدل ابتعاث المساعدين من أعضاء هيئة التدريس لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه في مختلف التخصصات من /437/ عام 1990م إلى /922/ عام 2004م. وبهدف الربط بين مخرجات الجامعات ومتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل أعدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي استراتيجية خاصة بالتعليم العالي حددت فيها برامج واحتياجات التعليم العالي وتنميته على مدى السنوات الخمس المقبلة بما يلبي احتياجات البلاد من مختلف التخصصات العلمية والنادرة. واليوم لم يبق لشعبنا اليمني من الإمامة إلا ذكريات مؤلمه عن زمن قضاه هذا الشعب تحت ذلك الحكم في سكون وسبات عميق. وخلاصة القول يمكن الجزم بأن الإمامة قد سرقت من تأريخ شعبنا اليمني سنوات كثيرة كان يمكن أن تكون تلك سنوات بناء وعمل وعلم وثقافة.. لكن ما يجعل الشعور بالارتياح يعم كل مواطن يمني أن هناك ثورة قد قامت في ال 26من سبتمبر 1962م لتعيد الأمور إلى مجراها الطبيعي ولتفتح أفاقا رحبة أمام شعبنا اليمني في البناء والتقدم والعلم والمعرفة.