وت مجلس الشيوخ الامريكي حيث أكثرية ديموقراطية، على قرار غير ملزم لادارة الرئيس بوش ألابن يدعو الى تقسيم العراق. حصل القرار على خمسة وسبعين صوتا في مقابل ثلاثة وعشرين عضوا من أعضاء المجلس صوتوا ضدّه. وقف وراء القرار السناتور الديموقراطي ذو النفوذ «جوزف بيدن». والقرار ثمرة دراسة أعدها السناتور «بيدن» مع «ليزلي غلب» الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة رئيس مجلس العلاقات الخارجية الذي يعتبر من أبرز المراكز المساهمة في صنع القرار الأميركي من خارج المؤسسات الرسمية. وسبق «لليسلي غلب» أن عمل مع أدارة الرئيس كارتر قبل انتقاله الى مؤسسات للدراسات كان مجلس العلاقات الخارجية من بينها. قبل طرح القرار على مجلس الشيوخ حيث نال تأييد عدد لا بأس به من أعضاء الحزب الجمهوري، كتب «بيدن» و«غلب» سلسلة مقالات في الصحف الامريكية يشرحان فيها الأسباب التي تفرض على القوة العظمى السعي الى تقسيم العراق. في مقدم الأسباب ان التقسيم يعتبر من وجهة نظرهما -الوسيلة الوحيدة لخفض درجة العنف بين العراقيين من مختلف المذاهب والطوائف والقوميات. وهذا يعني أنه سيكون في استطاعة الادارة الاعلان لاحقا، -أي مع المباشرة في تنفيذ عملية التقسيم،- عن بدء سحب القوات الأميركية، في حين أن بقاء البلد موحدا سيزيد العنف ومعه التورط العسكري الأميركي في هذا البلد... على غرار ما حصل في فيتنام! في معرض دفاعه عن فكرة التقسيم، يرى السناتور «بيدن» أن منتقدي الفكرة يكتفون بالقول إنها لا تعجبهم بينما السؤال الذي يفترض طرحه "هل لديهم أفكار أخرى؟" ، أي هل لديهم بدائل من التقسيم؟ بالطبع ليس لدى الآخرين بدائل من التقسيم باستثناء ما تقوم به الادارة حاليا من عمليات عسكرية في مناطق محددة بحجة القضاء على جيوب لمتمردين ومتابعة "الحرب على الارهاب". هذا شيء فيما الواقع شيء آخر. الواقع ما تشير اليه المعلومات التي يدلي بها عراقيون محترمون غادروا البلد حديثا بعد زيارة له وآخرون فضلوا الهجرة. يروي هؤلاء أنه لم يطرأ تغيير يذكر على الوضع الأمني. كل ما في الأمر أن الميليشيات التابعة للأحزاب الشيعية الكبيرة تتابع نشاطها المعتاد مع فارق أنه صار هناك تنافس أكبر في ما بينها على أقتسام كل أنواع الغنائم. وفي الوقت ذاته، تمارس عناصر أرهابية من "القاعدة" وما شابهها نشاطها مستهدفة خصوصاً الأبرياء زارعة الخوف والهلع في صفوف الآمنين خصوصاً. الفارق الوحيد هنا، أي في بعض أوساط السنة العرب أن هناك تململا وأنزعاجا شديدا من عناصر "القاعدة". لكن ذلك ليس كافيا للقول أن تغييرا حقيقيا وفي العمق حصل في المناطق التي فيها أكثرية من السنة العرب، أي في ما يسمّى المثلث السنّي. مثل هذا التغيير الفعلي لا يمكن أن يحصل خارج أطار مصالحة وطنية شاملة ليست واردة في ظل حكومة برئاسة عدنان المالكي نظرا الى أن الذين يتحكمون بمراكز القرار الآن هم من ذوي التفكير الضيق الذي تفرضه إعتبارات مذهبية من جهة والولاء للخارج، خصوصا لإيران من جهة أخرى. كل ما تفعله أدارة بوش الإبن في العراق هو شراء الوقت لا أكثر وذلك في إنتظار اليوم الذي تعترف فيه صراحة بأنها فككت العراق ولم تعد قادرة على أعادة تركيبه. والواقع أن ما يشهده العراق حالياً أسوأ من التقسيم نظراً إلى غياب الخطوط الواضحة التي يمكن تقسيم البلد بموجبها ألى ثلاثة كيانات على أسس فيدرالية. ما يشهده العراق على الأرض هو حرب أهلية بكل معنى الكلمة وعمليات "تنظيف" لمناطق معينة من سكانها على أساس الأنتماء المذهبي. وفي حال كان المطلوب أن يكون المرء أكثر دقة يمكن أختصار الوضع بأنه معركة بغداد. نعم، أنها معركة السيطرة على بغداد ذات الخمسة ملايين نسمة تخوضها ميليشيات شيعية تقتحم الأحياء ذات الغالبية السنية تقابلها عناصر ارهابية تنتمي الى تنظيمات سنية متطرفة تتولى تهجير الشيعة من مناطق معينة. وفوق ذلك كلّه، -والمعلومات مستقاة من عراقيين مقيمين في لندن يمتلكون عقارات في أفخم الأحياء البغدادية-، هناك أحزاب مذهبية تشتري كل ما تضع عينها عليه من أراض وبيوت بأسعار"عادلة" تفرضها على المالكين الذين لديهم توجهات وطنية، أي غير مذهبية أكانوا من السنّة أو الشيعة... ما يخيف في القرار الذي صوت عليه مجلس الشيوخ، والذي رفضته الإدارة، ليس تقسيم العراق كعراق، بمقدار ما أن المرعب هو الفترة الطويلة التي ستستغرقها عملية تفتيت العراق في سياق عملية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط أو "إعادة تشكيل المنطقة" على حد تعبير وزير الخارجية الأميركي السابق «كولن باول» الذي أستخدم هذه العبارة قبل بدء العملية العسكرية في العراق في آذار مارس 2003. في النهاية، ولدى التفكير ملياً في القرار الذي صوّت عليه مجلس الشيوخ الأميركي، لا مفرّ من التساؤل:هل العراق قابل للتقسيم؟ الأرجح أنه قابل للتفتيت. السباق القائم هو بين التقسيم والتفتيت. وهذا ما نشاهده اليوم بالعين المجردة في ضوء فشل المخطط الأمريكي الأصلي الهادف إلى تحويله إلى "نموذجج» للديمقراطية والتعددية السياسية في منطقة يتبين يوميا أن ادارة بوش الابن لا تعرف شيئاً عنها. هل من دليل على ذلك أكثر من الدهشة التي يبديها المسؤولون في واشنطن بسبب خروج إيران منتصرة من حربهم على العراق؟ هل من دليل على ذلك أكثر من عدم طرحهم أي تساؤل عندما إكتشفوا أن إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي أيدت أحتلالهم للعراق وشجعتهم عليه ودعمت كل خطوة أقدموا عليها بدءاً بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي على أسس مذهبية تهمش السنة العرب تهميشاً كاملاً وانتهاء بحل الجيش؟ هل يظن الأمريكيون أن النظام في إيران مجرد جمعية خيرية لا هم لها سوى خدمة السياسة الأمريكية ونشر الديمقراطية في المنطقة انطلاقاً من العراق؟ من المفيد خروج الكلام عن تقسيم العراق إلى النقاش العلني، ذلك أن السؤال المطروح حالياً ليس هل التقسيم ممكن... المطروح صراحة التفتت والتفتيت لبلد كان الى الأمس القريب عربياً! نعم، هذا المطروح حالياً ما دام الهاجس الأول والأخير لدى أعضاء الكونغرس، أي أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأنسحاب ولا شيء غير الانسحاب... لأسباب انتخابية أولاً وأخيراً. الديمقراطيون ينادون بالانسحاب من منطلق أنه أفضل تعبير عن مدى فشل إدارة بوش الابن في مغامرتها العراقية. أما الجمهوريون، فهناك بينهم من هو متحمس للانسحاب ولإيجاد مبررات له بغية الحد من خسائر الحزب في أوساط الناخبين عبر التأكيد أن العراق لن يكون فيتنام أخرى وأن ثمة وعياً مبكراً لخطر الانزلاق في مثل هذا المأزق... وفي الحالين، العراق والعراقيون هم الضحية.