بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى أن الغزاة لايستفيدون من التجارب معظم القادة العثمانيين كان يعتبر إرساله إلى اليمن عقاباً وانتحاراً وبعضهم فضل الرفض والإعدام على الموت في اليمن استفاد المقاتل اليمني من الاساليب الحربية للعثمانيين واعتمد تكتيكات متطورة تناسبت وفارق القوة بين الطرفين تأريخ اليمن مقبرة الغزاة هو مصنف تاريخي شامل مكون من جزأين ضمنها الباحث سردًا تاريخيًّا لكل ما تعرض له اليمن السعيد من غزو الغزاة في مختلف العصور والأوقات، متطرقًا –باستقصاء- إلى أهم البواعث والدوافع التي لم تكن تخرج -في الأغلب الأعم- عن المطامع التي ما تزال هي المحرك الأساسي للعدو الخارجي للسيطرة على موقعنا الجغرافي الاستراتيجي. عرض/ امين ابو حيدر تمرد الجيش العثماني في مصر : وصلت إلى الباب العالي رسائل حسن باشا يطلب النجدة ويؤكد أنه لا يزال في زبيد وبعد أن علم السلطان بما يحدث في اليمن وثورة اليمنيين على جيشه وهزيمته شر هزيمة وقتل الآلاف من جنوده أمر الوزير مصطفى باشا أن يتوجه بنفسه إلى اليمن وذلك لاستعادتها وإخماد ثورة المطهر إلا أن اللالا مصطفى باشا تقاعس عن الاستجابة وكان الكثير من القادة الأتراك يخشون القدوم إلى اليمن لشراسة أبنائها ورفضهم للأجانب ولما حل بالجيش التركي من هزائم وانكسارات ، إلا أن السلطان كرر أمره لمصطفى باشا الذي لم يجد أي مفر سوى الاستجابة والخضوع فشرع في إعداد القوات وبناء السفن وتجهيز المدافع والأسلحة واستدعى الجنود من الشام ومصر استعدادا للتوجه إلى اليمن ، وقد حدث ما يشبه التمرد العسكري على أوامر السلطان العثماني ويكاد يكون أول تمرد عسكري في تاريخ الدولة العثمانية القوية حينئذ فقد رفض الجنود والقادة والأمراء الانتقال إلى اليمن وقدموا المبررات والأعذار منها أنهم باتوا مستقرين في مصر ، إلا أن رفضهم يعود إلى الخوف من اليمن وأهل اليمن وحتى لا يكون مصيرهم كمن سبقوهم. وأمام هذا الرفض أرسل مصطفى باشا إلى المطهر يطلب منه الصلح إلا أن رد المطهر على مصطفى اللالا كان يحمل من الذكاء والدهاء الكثير ،حيث قال في رد مختصر : إنه منذ كنا لم نسع في الأرض بالفساد ولم يصدر منا شيء من البغي والعناد وهكذا جرت الأقدار ولا نبدي ولا نعيد في ذلك عذراً ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. وكان اللالا مصطفى قد حاول في رسالته للمطهر أن يقنعه بإعلان الطاعة للدولة العثمانية واستخدم فيها أسلوب الترغيب بل وذهب إلى رسم طريق للمطهر حول كيفية كسب رضا السلطان العثماني ،إلا أن المطهر لم يستجب ورد بأسلوب سياسي ذكي سيما بعد أن كانت القوات العثمانية قد تعرضت للانهيار وفي نفس الوقت لم يُظهر المطهر التحدي لعلمه بقوة الدولة العثمانية في ذلك الوقت لكنه أيضاً لم يقبل بالخضوع أو الاستسلام ، وبسبب عدم قبوله بمقترحات اللالا مصطفى تحركت حملة عسكرية بقيادة عثمان أزدمر باشا الذي توجه إلى الحجاز ثم عاد إلى جدة وركب منها بحراً إلى الحديدة فيما كانت قواته قد اتخذت طريق البر ، وأمام تقاعس مصطفى باشا قرر السلطان العثماني إعدامه عقاباً له على رفضه قيادة حملة عسكرية لاحتلال اليمن ،وأصدر السلطان مرسوماً قضى بتعيين سنان باشا بديلاً عنه ،فيما تتحدث مراجع تاريخية أخرى أن مصطفى اللالا توجه إلى استانبول واسترضى السلطان فعفا عنه. صمود تعز أمام حملة عثمان باشا : تمكنت القوات العثمانية من الوصول إلى الحديدة ومنها تحركت إلى تعز للسيطرة عليها وفي 976ه صمدت قلعة القاهرة أمام الأتراك الذين فرضوا حصاراً عليها ، وقد استخدم اليمنيون في معركة الدفاع عن تعز المدافع التي أدت إلى مقتل العديد من الجنود الأتراك ثم قامت مجاميع قبلية بنصب كمائن للأتراك وقطع عليهم الطرقات ووصلت التعزيزات للحامية اليمنية ونشبت المعارك في أكثر من منطقة وظلت في كر وفر حتى وصلت حملة سنان باشا وقبل أن تصل القوات التركية إلى تعز استنفر الإمام المطهر القبائل وأمر بتجهيز الحصون وتعبئتها بالمواد وكذلك بالأسلحة وأرسل إلى مختلف المناطق اليمنية لرفد الجيش بالرجال فاستجابت أغلب تلك الجهات لذلك. نتائج الحروب بين اليمنيين والأتراك : خلال تلك المرحلة وفي زمن الإمام المطهر حقق اليمنيون وعلى صعيد المقاومة ضد الغازي عدة إنجازات أبرزها الاستفادة من الأساليب الحربية للجيش العثماني والتغلب عليه باستخدام تكتيكات قتالية تتناسب وفارق القوة بين الطرفين ،وكان اليمنيون خلال تلك الفترة قد حصلوا على كميات كبيرة من الأسلحة النارية وأتقنوا استخدامها بشكل جيد الأمر الذي أنعكس على نتائج الأحداث الحربية . وتداول الكثير من المؤرخين ما قيل عن اليمنيين ومحاربتهم للأتراك ومن ضمن ذلك أن اليمنيين أصبحوا أكثر خطورة بعد أن تعلموا استعمال الأسلحة النارية وبعد أن زال عنهم الشعور بأن العثمانيين أناس لا يقهرون. ومما يمكن الإشارة إليه بشأن قضية السلاح هو أن فساد الولاة العثمانيين باليمن قد انعكس سلباً على وضعهم العسكري ،فقد أدى التلاعب بالعملة إلى تدهور الأوضاع المالية وبالتالي تدهور أوضاع الجنود الأتراك الذين كانوا يلجؤون إلى بيع أسلحتهم الشخصية لليمنيين. ولعل أبرز ما حدث في تلك الفترة هو اتحاد اليمنيين في مواجهة الغزاة ،يقول المؤرخ فاروق أباظة :وعلى الرغم من أن بقية أجزاء اليمن يدين معظم سكانها بالمذهب الشافعي السني فقد التفوا مع إخوانهم الزيديين حول راية الإمام شرف الدين لمقاومة العثمانيين الذين اختلفوا عنهم في الجنس واللغة وأحسوا أنهم أعداء مغتصبون وإن كانوا يدينون مثلهم بالإسلام ويتبعون المذهب السني. وصول أكبر حملة عسكرية تركية إلى اليمن : تمكنت القوات التركية من الاحتفاظ بمدينة زبيد تحت سيطرتها حتى وصلت حملة عسكرية كبيرة بقيادة سنان باشا ، وبينما كان المطهر يستعد للمسير بنفسه إلى زبيد من أجل طرد ما تبقى من الأتراك إذ جاءته الأخبار بقدوم جيش تركي جرار انضمت إليه الحامية العسكرية التركية في مصر 1569م ، وتعد تلك الحملة التركية هي الأكبر من حيث عدد الجنود وكذلك الأسلحة فقد تحدثت مراجع تاريخية أن عدد الجمال التي تولت حمل عتاد الجيش يزيد على ستين ألف جمل. كي تمر هذه الحملة العسكرية الكبيرة في البلاد اليمنية صار من المحتم على العثمانيين أن يعملوا على شق الطرقات ؛حتى يتمكنوا من تطويع الجغرافيا التي ظلت دائماً في صالح اليمنيين سيما في المناطق الداخلية ، ولهذا نجد أن الأتراك لم يهتموا بالعمران والمشاريع التنموية بل اهتموا بكل ما يمكن له أن يحقق لهم السيطرة على اليمن ،وقد جادل الكثير من المؤرخين المعاصرين في تلك الفترة أو فترات لاحقة وحتى يومنا هذا ولكن نجد أن الكثيرين يتناسون أن الولاية العثمانية في اليمن كانت عسكرية بمعني أن القائد أو الوالي وجميع الجهاز الإداري كان عسكرياً ولم يكن ضمن مهامهم بناء أي مشاريع لكن نجد في مراحل مختلفة أن بعض الولاة وبعد أن جمعوا الثروات الطائلة من عرق اليمنيين كانوا يتجهون إلى بناء بعض المساجد أو الاستراحات أو حفر الآبار وما شابه حتى تُخلَّد ذكراهم في اليمن . عودة الأتراك لاحتلال تعز : وصلت الجيوش التركية إلى تعز وكانت قوات الإمام المطهر قد تحصنت في قلعة القاهرة واحتشدت قوات أخرى في جبل الأغبر وكانت تشعل النيران حتى تشعر من في القلعة بضرورة الصمود وكان من في القلعة أيضا يردون بإشعال النيران ، لكن هذا الصمود لم يستمر طويلاً فقد تغيرت المعادلة العسكرية لصالح الأتراك وذلك في محيط المدينة عبر اتجاههم إلى جبل الأغبر واستخدامهم الحيلة في دفع المقاومة اليمنية إلى النزول من الجبل للحرب وذلك في 30 أبريل 1569م وقد كان المطهر قد نصح محمد بن شمس الدين الذي كان يقود القوات هناك بالانسحاب إلى جبل التعكر والحفاظ على الحصون فيها ومن ثم مهاجمة العثمانيين ومنعهم من التقدم إلى صنعاء وأرسل المطهر التعزيزات المتتالية إلى تعز وكان أبناؤه جميعهم في صفوف المقاتلين. وفي قراءة أسباب هزيمة اليمنيين في تلك المعارك فإننا نجد العامل الأول يتمثل في غياب التكتيك العسكري وعدم تقدير قوة العدو واتخاذ الخطط اللازمة للدفاع في ظل تضاريس جغرافية مناسبة ، إضافة إلى أن سنان باشا كان قد نجح في معالجة آثار سياسة رضوان باشا ابتداء باستخدامه أسلوب الدعاية في الترويج لنفسه بأنه والٍ عادل ولن يرضى بظلم اليمنيين وكان ينكر على من سبقه من الولاة أفعالهم وتعديهم ، ولهذا تمكن سنان باشا من إعادة الإسماعيليين إلى الصف التركي وبدأ دورهم يعود في صالح الأتراك من معركة تعز ،حيث تولى الداعي الإسماعيلي بمعية القادة الأتراك دفع القوة المحاصرة في القلعة إلى الاستسلام مستغلاً علاقته بالمسؤول عن القلعة الذي كان من الطائفة الإسماعيلية ،ناهيك عن أسباب أخرى مثل تعاون بعض أهالي تعز مع سنان باشا من خلال التواطؤ وتمكين الأتراك من دخول المدينة بعد فتح أبوابها من الداخل ورغم تمكن الأتراك من مدينة تعز إلا أن قلعة القاهرة ظلت عصية لمدة أربعة أشهر قبل أن يمنح الوزير سنان من في القلعة الأمان مقابل تسليمها وبموجب وساطة الداعي الإسماعيلي. حملة عسكرية تركية لاحتلال عدن : يقال إن السلطان العثماني أنزعج كثيراً عندما علم بتمكن القوات اليمنية من السيطرة على عدن وطرد الحامية التركية منها نظراً لما كان في هذه الحامية من تجهيزات عسكرية كبيرة كالمدافع والمكاحل ناهيك عمَّا تحتله عدن من أهمية لدى الأتراك كجبهة أمامية في مواجهة البرتغال ،وذكر النهروالي في مؤلفه أن السلطان أرسل الوزير الأمير خير الدين قبطان من البحر والأمير حسين من البر وذلك لاستعادة عدن "وذكرت له الحضرة السلطانية الشريفة أن استردادنا لمملكة اليمن وإن كان ذلك مما يتعين علينا لأنها ميراث أبينا المرحوم المقدس ولكن جُل قصدنا من ذلك إنما هو حفظ ثغر عدن صوناً للحرمين الشريفين" . ونجد في تفاصيل معارك الأتراك مع اليمنيين مستوى غدرهم وعدم حفظهم للعهود والمواثيق فهاهو القائد التركي (ممي) المشهور بسفك الدماء يقدم على قتل أمير عدن المعين من قبل المطهر وهو علي بن الشويع بعد أن كان قد منحه الأمان ليسلم نفسه. ويمكن القول هنا إن الكثير من الجنود الأتراك قد انتقلوا إلى اليمن فها هي حملة سنان باشا تعقب حملة عثمان باشا وها هي حملة خير الدين تأتي بعد الحملتين السابقتين وكل تلك الحملات في فترات زمنية متقاربة إن لم تكن في فترة واحدة والفاصل بينهما أشهر فقط .وكانت الإمبراطورية العثمانية تحاول اختصار المسافات في وصول جيوشها إلى اليمن ويبحث قادتها عن أساليب وطرائق تعمل على تأمين طرقات مختصرة لوصول الحملات العسكرية بشكل أسرع إلى اليمن ،وفي تلك الفترة حاول سنان باشا تحقيق إنجاز تاريخي كما يقول المؤرخ عثمان أباظة وذلك بشق قناة مائية تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر وذلك من أجل تحقيق هدف واحد هو سرعة وصول القوات العثمانية إلى اليمن. كمائن القبائل ومعارك بعدان : أراد سنان باشا أن لا يكرر أخطاء سابقيه فجلب إليه عدداً من اليمنيين العارفين بالطرقات قبل أن يتقدم نحو صنعاء ، ولهذا بدأ سنان باشا مبكراً في الإعداد لخطة التوجه نحو صنعاء من خلال عقد الاجتماعات في تعز مع القيادات ومن ثم تقدمت الحملة العسكرية التي تعد الأكبر في تاريخ الدولة العثمانية إلى اليمن ،وعانى الجنود الأتراك الكثير وهم يحملون المدافع الكبيرة ويعبرون بها الجبال والمسالك الوعرة والطرقات الصعبة. وكانت القبائل في إب قد عمدت إلى قطع الطرقات وتخريبها وسدوا الشعاب بالصخور الكبيرة ، وتوقف الأتراك في منطقة القاعدة لدراسة أي الطرق أفضل للسير ،ولتفادي الخطأ الفادح الذي وقع به مراد باشا وكان أمام سنان باشا ثلاثة خيارات : إما طريق وادي سحبان أو نقيل أحمر أو ميتم وقد رجحت القبائل المرابطة في الجبال ما بين تعزوإب أن الأتراك سيتخذون طريق نقيل أحمر أو وادي سحبان كونهما أقرب الطريقين إلى صنعاء ولهذا عززت من تواجدها في الطريقين المحتملين وقامت بقطعهما وعسكرت على الجبال المحيطة بهما إلا أن الأتراك اتخذوا طريق ميتم وتمكنوا من تجاوزه. وهنا نجد أن القبائل اتخذت أكثر من وسيلة في سبيل منع أو إعاقة الأتراك في التقدم فقد عدَّلت مسار المياه الجارية في تلك الأودية لتصير إلى الطريق ؛حتى لا تتمكن الخيول من عبورها وهي ذات الحيلة التي وقع بها مراد باشا وجنوده في الشلالة ، إلا أن الأتراك كانوا قد اتخذوا طريقاً آخر يبعدهم عن كمائن القبائل ، وعلى ما يبدو أن مسيرة الجيش التركي لم تكن آمنة فقد نشبت معركة ضارية مع المقاومة التي تمكنت من الهجوم على مؤخرة الحملة واستمرت المعركة من الصباح حتى المغرب وقد قتل في تلك المعركة أحد القادة الأتراك ،وكان اليمنيون يعتلون الصخور العالية ومن ثم يطلقون النار على الجنود الأتراك ويرموهم بالمقاليع، ووصل الجيش إلى جبل التعكر بعد أن كان قد أخذ من أهل جبلة الرهائن ومنحهم سنان باشا الأمان وحاصر الجيش حصن التعكر خمسة أيام واستخدم المدافع الكبيرة في الاستيلاء عليه ، وتوجه سنان باشا للاستيلاء على بعدان وحينها وصلت تعزيزات من صنعاء للمقاومة في تلك المناطق وفي البداية لم يتمكن الأتراك من السيطرة على جبل بعدان ،وكان ما يقارب الألف من اليمنيين من رماة البندقية قد اعتلوا الجبل وسدوا الطرقات إليه وباشروا الرمي بالمقاليع واستخدم الأتراك المدافع وخسروا في تلك المعركة الكثير من جنودهم قبل أن تنسحب القبائل من مدينة إب. ونستطيع القول إن معركة جبل بعدان كانت من أصعب المعارك التي خاضتها حملة سنان باشا لدرجة أن الهزيمة كانت قاب قوسين أو أدنى لولا اتجاه قائد الحملة نحو رفع معنويات جنوده وتقدمه بنفسه إلى جبل بعدان وهو ما دفع ما يقارب ستة آلاف من جنوده إلى الصعود بينما كانت القوة اليمنية المدافعة عن الجبل لا تتعدى الألف مقاتل ،وعين سنان باشا على بعدان محمود بك الكردي مع قوة عسكرية إضافة إلى برويز بك هما من المماليك وقد كلفهما بمحاصرة حصن حب والاستيلاء عليه . وفي 25 يونيو 1569 استولى الأتراك على إب ما عدا مناطق في بعدان منها حصن حب، وبعد كل معركة يقوم سنان باشا بتوزيع الأموال بين جنوده وكذلك الرتب وهو ما جعلهم يظهرون تلك الشجاعة في الحرب وقد عم بعض اليمنيين بتلك الأموال حتى يستميلهم ويبعدهم عن القتال في صفوف المطهر ، وأمر سنان بهدم قلعة فند وقلعة المدورة وكانت خطته هدم الحصون التي يستولى عليها لإضعاف المقاومة اليمنية ، وبعد معركة إب انسحب ما تبقى من جيش المطهر إلى صنعاء وهذا ما سهل لسنان باشا وحملته العسكرية الكبيرة من التوجه إلى ذمار عن طريق نقيل سماره ولم يعترضهم أحد إلا أن الجيش التركي واجه معوقات عدة في ذلك النقيل فقد استمرت عملية نقل المدافع الكبيرة ستة أيام على التوالي ، واستولى سنان باشا على قلعة سمارة وقام بهدم قلعة الدوران ثم انتقل إلى يريمفذمار . قطران خولان : وعندما وصلت الحملة إلى صنعاء 26يوليو 1569 م أرسل سنان باشا المئات من جنوده إلى تعقب (قطران) في خولان وكان الجنود الأتراك يشكون من أتباع قطران لتعديه عليهم في الفترات السابقة ، وعندما وصل الأتراك إلى حصن خولان قصفوه بالمدافع وقتل منهم 21 جندياً وفر من في الحصن وانضموا إلى الإمام المطهر في ثلا . وبعد ذلك سيطر الأتراك على حصن ذي مرمر، واستعد سنان باشا للهجوم على ثلا معقل الإمام المطهر وتقدم إلى قاع المنقب واستمر الجنود الأتراك في نقل المدافع ثلاثة أيام ، وقام قطران وأتباعه بالهجوم على مؤخرة جيش سنان باشا أثناء توجهه إلى كوكبان لحصارها وأوقعوا فيهم عدة خسائر . ويذكر بعض المؤرخين أن الأتراك سيَّروا حملة إلى وادي السر وفيه نجل المطهر ودارت مواجهات مع بني زيد الذين حاولوا التصدي للحملة التي تمكنت من دخول الوادي وقتلت عدداً من بني زيد وأسرت عدداً آخر ومما تذكره بعض المراجع أن الأتراك اعتدوا على النساء وقاموا بأسر الرجال. ثمانون معركة في قاع حوشان: كانت القوات التركية المتجهة لقتال المطهر في ثلا وكوكبان مزودة بأحدث أنواع المدافع وعسكرت في قاع حوشان وبدأ الأتراك في الهجوم على قلعة كوكبان ، وأثناء بقاء الأتراك في تلك المنطقة قاموا بالهجوم على قرية حبابة ونهب ما بها وإهلاك الزرع واعتدوا على القرى الأخرى وعلى المزارع في تلك المناطق ، وسيطر سنان على شبام المحاطة بالجبال من ثلاث جهات لكنه وجد نفسه تحت رحمة حصن كوكبان فقرر الانسحاب بعد أن هدم سورها ودمر تحصيناتها ،وقد ارتكب الأتراك في تلك المناطق الكثير من الجرائم منها السلب والنهب و أغار سنان باشا بنفسه على إحدى القرى بكوكبان واستولى على ما بها من محصولات وأغنام وفي تأكيد على عودة التحالف بين الإسماعيليين والأتراك هو ما قام به علي الهمداني الذي سبق وأن سلم قلعة القاهرة ولم يدخلها ضمن اعتداءاته على القرى التي شن هجوماً عليها مثل قرية البون و التي استولى على ما بها من أغنام وأبقار ، وكان سنان باشا قد جعل جزءاً من قواته تحت إمرة الداعي عبد الله بن محمد الذي سار بتلك القوات إلى الحيمة وحراز والشاحذية وقد استخدم المطهر في مقاومة الأتراك في تلك الفترة حرب العصابات وكان أتباعه يخفون أنفسهم داخل المزارع ومن ثم يهاجمون كل من يقترب منهم من الأتراك واستمرت الحرب بين الفريقين في تلك المنطقة لفترة طويلة تقارب العامين وقد بلغت المعارك ثلاث و ثمانين معركة ومن ضمن تلك المعارك معركة في محل يعرف بحروف السمعي في جبل ضلاع الذي تقدم إليه سنان باشا وفي الأثناء تقدم محمد بن شمس الدين على رأس عدد من المقاتلين اليمنيين فدارت المعركة وهزمت القوات التركية وقتل منها الكثير حتى أن رؤوس الأتراك أرسلت إلى المطهر وعندما تقهقر الأتراك وعادوا إلى بيت الخياط أغار عليهم محمد شمس الدين وجرت معركة صنعان واستمرت ثلاثة أيام على التوالي قتل فيها من الطرفين الكثير وبعدها استولى الأتراك على حصن السماط أعالي بن الخياط فاخبروه ثم توجهوا إلى كوكبان مرة أخرى ودخلوا شبام وبحسب المؤرخين فإن القتال استمر بين سنان باشا والمطهر تسعة أشهر. إستراتيجية حاصر حصارك : سمع القائد التركي أصوات المدافع في ثلا وكوكبان فسأل عن أسباب ذلك فقالوا إن المطهر عاد من الجوف فقال الوزير : وإذا نحن المحاصَرين (بفتح الصاد) والمطهر المُحاصِر لنا فدعاه ذلك إلى مصالحة المطهر وقد نجح المطهر في استثارة حمية القبائل اليمنية من صعدة حتى خولان وحتى إبوتعز للخروج على الأتراك ومشاغلتهم من أجل تخفيف الضغط على كوكبان فكانت القبائل تشن الغارات على الحاميات التركية وكان أول من استجاب أهل صعدة فوصلوا برئاسة أحمد بن الحسين المؤيدي وغيره من أعيان تلك الجهات وأمر المطهر أهل الحدا والشيخ قطران السحامي والشيخ علي بن نشير بشن الهجوم على الأتراك في تلك المناطق ،فقتل من الأتراك حوالى ثمانمائة جندي مع قائدهم في تلك الجهات ويدعى خضر القنبطان ومن خلال قراءة ما أرخه النهروالي فإن الشيخ علي بن نشير هو من قاد المقاومة في ذمار في تلك الفترة فقد انقلب على الأتراك بعد أن كان من أهم القوى التابعة لهم. وتظهر في تلك الفترة مستويات متقدمة من التنسيق بين المقاومة اليمنية في مختلف المناطق ،فها هو قطران صاحب خولان وبن نشير قد اتفقا على الهجوم على الحامية التركية في صنعاء وتمكنوا بالفعل بعد حشد القبائل من محاصرة المدينة و توجه بن نشير إلى سنحان واستجاب أهلها له وتوجه قطران إلى حضور ثم حاولوا تحريض أهل صنعاء على الثورة وتوجه قطران لقطع الطريق في ذراع الكلب ، وقد أدت حركة قطران وبن نشير إلى انقطاع كافة الأخبار على قادة الجيش التركي المحاصر لكوكبان ، وتمكنت تلك الحركة من إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الأتراك وكادت تؤدي إلى تحرير صنعاء وبعثت الدولة العثمانية بالقائد قرة كوزبك لقتال قطران وبن نشير وتوجهت الحملة إلى جبل اللوز إلا أنها تعرضت لهزيمة ساحقة فاضطر كوزبك إلى مراسلة الوزير يطلب المدد فعاد الأتراك من جديد للهجوم على جبل اللوز وجرت المعركة أسفل الجبل وقتل فيها قطران وبن نشير. ويقال إن النقيب بلال النضاري والشيخ قطران السحامي والشيخ علي بن بشير تصدوا للأتراك في محل يسمى مسجد حديدة وقد تمكنت قبائل خولان من الثأر فواجهت الأتراك ببسالة وشدة بأس حتى تمكنت من قتل القائد كوزبك وقطع رأسه. وكانت قبائل إب قد هاجمت الأتراك بقيادة علي شرف الدين في 977ه وتمكنت من الاستيلاء على عدد من المدافع التركية وقتل عدد من القادة في الوقت الذي نجحت فيه قبائل ذمار من الاستيلاء على أسلحة كانت في طريقها إلى الحامية التركية في المدينة وحاصر أهل بعدان وأهل التعكر وأهل جبلة في إب القوات التركية ، وتعرضت الحامية في ذمار إلى الحصار وتعرض الأتراك في صنعاء لهجمات متفرقة من القبائل المحيطة أبرزها خولان وقد أدت الاضطرابات في تعز إلى دفع سنان باشا لطلب الصلح مع المطهر. السلطان يبعث بالمزيد من الجنود إلى اليمن : أدت المعارك في اليمن إلى مقتل الآلاف من الأتراك حتى أن بعض المراجع تؤكد مقتل نصف عدد إجمالي الحملات العسكرية إلى اليمن وهو رقم كبير جداً فعندما جاء إلى اليمن إسكندر باشا بأوامر سلطانية لتعزيز الموقف العسكري لم يجد من عسكر عثمان باشا غير ألف مقاتل (وكان عدد حملة عثمان باشا ثلاثة آلاف مقاتل) ووجد من عسكر حسن باشا نحو الألف وكان مع حملة سنان باشا أربعة ألاف ناهيك عن الجنود الأتراك المتواجدين في اليمن وبعد ثورة إب وخسائر الأتراك فيها وصلت إلى اليمنتعزيزات إضافية بقيادة الأمير شيخ علي والأمير سفر الريس وقدرت التعزيزات ب 500 جندي إلى زبيد و100مع سفر إلى عدن واجتمع القادة قرة كوزبك وبرويز بك وأحمد الصوباشي للهجوم على نقيل سمارة بعد أن كانت القبائل قد تمكنت من السيطرة عليه.وهاجم الأتراك يريم ومن ثم نقيل سماره وتوجهوا إلى بعدان وعززوا القوات المحاصرة