لقد كشفت الحرب الوحشية التي يشنها «الكيان الصهيوني» على سكان «قطاع غزة»الفلسطيني منذ حوالي سنتين عن واقع معقد لم يخطر على بال أحد، ففي مقابل الخذلان العربي الرسمي المخزي، تحلت شخصيات غربية بجرأة نادرة في الدفاع عن حقوق الإنسان الغزي، ك«ماري روبنسون» الرئيسة السابقة ل«جمهورية أيرلندا» المدافعة عن ذلك الحق من منطلق الثبات على المبدأ. تأكيدات جادَّة على المجاعة والإبادة السيدة الأيرلندية «ماري روبنسون» التي شغلت منصب رئاسة «جمهورية أيرلندا» من 1990 إلى 1997، وتترأس الآن «مجلس الحكماء» أو «مجموعة الحكماء» -وهي منظمة عالمية للقادة المستقلين دعا لتأسيسها «نيلسون مانديلا» في عام 2007 لمواجهة تحديات العالم الكبرى- هي من أجرأ الشخصيات العالمية دفاعًا عن حقوق الإنسان، وقد كانت ضيفة الحلقة ال«38» من حوار المستقبل التي نشرها موقع «المصري اليوم» يوم الخميس ال28 من أغسطس الماضي، فأكدت خلال ذلك الحوار بنبرةٍ ناقدةٍ وجادة حقيقة ما تفرضه دولة الكيان على سكان «قطاع غزة» من مجاعة وما ترتكبه في حقهم من حرب إبادة، من تلك التأكيدات -على سبيل المثال- قولها: (غزة تواجه مجاعة متعمدة وإبادة جماعية، وإسرائيل تتحرك في الشرق الأوسط دون عقاب، وهذا -سياسيًّا- أمر مفزع، فمشهد أطفال غزة وهم يموتون جوعًا -من وجهة نظري كأمٍّ وجدة- تجاوز حدَّه، والمحكمة الجنائية الدولية مطالَبة بمحاسبة المسؤولين عن الإبادة وعدم الرضوخ للضغوط). ومن تأكيداتها القوية والجادة على تعرض سكان «القطاع» للإبادة عن طريق المجاعة وللإبادة عن طريق إمطارهم بأحزمة النار ليل نهار قولها في موضع آخر من الحوار: (ما يحدث الآن هو مجاعة وإبادة جماعية يجب وقفهما فورًا، فاتفاقية تجريم الإبادة ليست فقط للمحاسبة على ما ارتكب من جرائم في وقت سابق، بل للوقاية -أيضًا- ممَّا يحتمل ارتكابه في وقت لاحق، ومن الواجب محاسبة المسؤولين كما أوضحت المحكمة الجنائية الدولية). ترامب والتناغم مع جرائم الحرب على الرغم من الهيمنة الأمريكية التي جعلت يدها الطائلة، فأدانت لها بالتبعية أنظمة عربية وإسلامية ذات إمكانات مادية هائلة، وشاطرتها التواطؤ مع المجازر الصهيونية المتواصلة -منذ سنتين- في حقِّ أطفال فلسطين، تقف الرئيسة الأيرلندية السابقة «ماري روبنسون» بجسارة للتعريض بتماهي وتناغم مواقف الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مع ما يرتكبه الكيان في حقَّ سكان «قطاع غزة»و«الضفة الغربية» العُزل من جرائم حرب، فقد ردت على أحد الأسئلة الموجهة لها من «المصري اليوم» قائلة: (ترامب يزعم أنه يريد السلام، لكنه لم يمهد لهذا السلام بأيَّة خطوات عملية، على العكس تمامًا بدا وكأنه يترك كل شيء لنتنياهو، ولم يُعلق حتى على قراراته التى تُفاقم الصراع، مثل التحدث عن السيطرة على غزة، بل إنَّ سفيره في إسرائيل يدعم حكومة نتنياهو في كل ما تفعله من جرائم، وهذا أمر مؤسف للغاية). كما كشفت تماهي «ترامب» مع مضي «نتنياهو» في مشروعه التوسعي بقولها: (حكومة نتنياهو الحالية حكومة متطرفة للغاية برأيي، فقد زرت تل أبيب والقدس الشرقية ورام الله في يونيو 2023 مع «بان كي مون» الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وصدمتنا خطابات اليمين المتطرف هناك حول «تفوق اليهود» ورغبة الحكومة الإسرائيلية في الاستيلاء على الضفة الغربية بضمها وموقفها من غزة، حتى أنَّ المنظمات الحقوقية الإسرائيلية أكدت لنا أنَّ هذه الحكومة العنصرية ترتكب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، بينما نجد إدارة «ترامب» غير معترضة على ذلك إطلاقًا، وظني أنَّ «ترامب» بتماهيه مع «نتنياهو» وحكومته المتطرفة وغضه الطرف عن التوسع شجعهم على المضي قدمًا نحو تمرير هذه الأفكار الشديدة التطرف). نصح العرب بعزل نتنياهو وترامب وحيال ما هو حاصل من تشرذمٍ ومن تشظٍّ عربي حاد وحيال اعتماد معظم الأنظمة العربية في الحصول على ما هي مضطرة إليه من أمنٍ يقيها حتى شرور بعضها، إلى حدِّ أنَّ بعضها بات يتعمد في الحصول على أسباب الأمن والأمان -مع وقف الإعلان- على «دولة الكيان التي من المؤكد أنها هي العدو الألد، نجد السيدة «ماري روبنسون» تنصح العرب -في سبيل تعزيز جهازهم المناعي الجمعي- بالمسارعة إلى بناء منظومة أمن إقليمي جماعي، باسطةً أمامهم رؤية «مجلس الحكماء» الذي يرى أنَّ من مقتضيات التصدي لمخططات «دولة الكيان» أن تشمل تلك المنظومة جارتهم «إيران»، فمن شأن إنشاء تلك المنظومة في زمن العولمة -من وجهة نظر «ماري روبنسون»- الاستغناء التام عن مساندة الغرب وعزل «إسرائيل» و«أمريكا» ممثلة ب«نتنياهو» و«ترامب»، وذلك ما يفهم من قولها -في معرض الحث على استغلال «إعلان نيويورك» للضغط باتجاه إعلان دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرارية: «لقد قلنا للجامعة العربية في القاهرة إنَّ اجتماعهم المؤجل إلى سبتمبر غير كافٍ، بل يجب عقد اجتماع عاجل لمواصلة الضغط الدولي حتى يُعزل «نتنياهو» و«ترامب» باعتبارهما أكثر الأطراف تورطًا في المجاعة والإبادة الجارية).