ظلت محافظة المهرة عبر السنوات الماضية تنعم بهدوء نسبي، بعيدةً عن الحرب التي اجتاحت اليمن، ومع ذلك لم تكن المهرة بمنأى تمامًا عن التوترات التي كانت تظهر بين الحين والآخر نتيجة مساعٍ من بعض القوى، ولا سيما ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، لتوسيع نفوذه داخل هذه المحافظة، حتى دخلتها قوات الاحتلال السعودي بعد أشهر من العدوان على اليمن في 26 مارس 2015م تحت ذرائع متعددة. هدف ذلك التواجد – وفق مراقبين – إلى إخضاع اليمن وتحويله إلى منطقة نفوذ سعودي، في خطوة موازية للتمدد الإماراتي في محافظاتعدن وشبوة وحضرموت وسقطرى وغيرها من المحافظات الجنوبية والشرقية. وفي مواجهة هذه المحاولات البائسة، نهض سكان المهرة للتصدي لأي وجود عسكري أجنبي يهدد أمنهم، فعلى خلاف ما تدعيه بعض الجهات الحكومية في المهرة، اتخذت قبائل المحافظة موقفًا متوازنًا خلال الحرب، متجنبين الانحياز إلى أي طرف، ورافضين التعاون مع ما يسمى المجلس الانتقالي، وكذلك مع مجلس ما يسمى القيادة الرئاسي الموالي للاحتلالين الإماراتي والسعودي. فلم تقتصر الممارسات السعودية على الجانب العسكري فحسب، بل امتدت لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية من خلال السيطرة على المنافذ البحرية والبرية بالمحافظة، خصوصًا منفذي شحن وصرفيت، ما تسبب في تراجع الحركة التجارية والاقتصادية، إلى جانب محاولات متكررة لإثارة الانقسامات المجتمعية وشق الصف الوطني عبر دعم أطراف على حساب أخرى. وقد قوبلت تلك التحركات برفض شعبي واسع، كما كُشف عن محاولات سعودية لاستقطاب المهريين عبر وعود بمنح الجنسية السعودية وامتيازات مالية مقابل الولاء وتنفيذ أجندتها. وقد أدرك أبناء المهرة خطورة هذه المشاريع السعودية التي تستهدف المحافظة، ومنها مشروع مدّ أنبوب نفطي إلى البحر العربي، معتبرين أن ذلك يمثل انتهاكًا مباشرًا للسيادة اليمنية، وأنهم لن يسمحوا بتمرير المشروع مهما كانت التضحيات، وسيواصلون الدفاع عن أرضهم وهويتهم، مما دفع المكونات القبلية والاجتماعية إلى المطالبة بطرد القوات السعودية فورًا. وفي المقابل، أفادت مصادر مطلعة مؤخرًا عن وصول دفعة جديدة من القوات الأجنبية إلى محافظة المهرة، وأن قوات أمريكية وبريطانية وصلت إلى مطار الغيضة الواقع على بحر العرب، المغلق أمام الرحلات المدنية منذ نهاية العام 2017م. ويأتي وصول تلك القوات مع تحركات عسكرية مماثلة في سقطرى وشبوة والساحل الغربي لليمن، بالإضافة إلى الجزر اليمنية في ميون عند باب المندب وزقر في البحر الأحمر. وتجدر الإشارة إلى أن القوات السعودية أغلقت مطار الغيضة المدني وحولته إلى قاعدة عسكرية مشتركة مع القوات الأمريكية والبريطانية، وسط تداول أنباء مؤكدة عن وجود ضباط "إسرائيليين" بالمطار. وتتكرر الزيارات العسكرية والسياسية الأجنبية إلى مطار الغيضة بشكل دوري، كما تعمل الفصائل الممولة من السعودية المسماة "درع الوطن" على تأمين وحماية المصالح الأجنبية في المهرة. وخلاصة القول: يمكننا أن نقول إن التصعيد الأخير في محافظة المهرة ليس إلا جزءًا من مخطط يهدف إلى زعزعة استقرار اليمن، وجرّ أنصار الله إلى صراعات داخلية تصرفهم عن عملياتهم الناجحة في البحر الأحمر ضد الأهداف الصهيونية والأمريكية وعملائهم من الخونة والمرتزقة العربان.