في المصادر التاريخية يصعب تحديد المقصود بدقة عند الإشارة إلى قبائل برط، إذ نادرًا ما ذُكرت أسماؤهم صراحة في السجلات القديمة، لكن حضورهم كان واسعًا في مختلف المناطق اليمنية من عسير شمالًا إلى جنوبتعز، ومن حضرموت شرقًا حتى سواحل البحر الأحمر غربًا، أي على امتداد مئات الكيلومترات من موطنهم الأصلي. ويبدو من تتبع الأحداث أن من الصعب كتابة تاريخ اليمن السياسي دون ملاحظة دورهم وتأثيرهم في مجريات الأمور. ورغم أن تاريخ برط لم يُدرس بعد دراسة وافية، إلا أن الوثائق تشير إلى تواصلهم خلال القرن التاسع عشر مع شريف مكة ومع السلطات البريطانية في عدن بعد عام 1839م، كما كانوا محط اهتمام القاسميين من قبل ذلك. ومن وجهة نظر صنعاء أو اليمنيين في القرن الثامن عشر كانت برط تُعد منطقة هامشية، كما يذكر المؤرخ برنارد هيكل، واستمر هذا الوضع حتى ثلاثينيات القرن العشرين حين غزاها ولي العهد الإمام أحمد، ولا تزال بعض مناطقها حتى اليوم تحمل ملامح العزلة التاريخية ذاتها. في عام 1852م لجأ علي بن المهدي، الذي كان يدّعي أنه الإمام الشرعي، إلى برط وتزوج امرأة من بيت البحر في ذي محمد، وقد رحب به أهل المنطقة وتعجبوا من قدومه إليهم، إذ لم يكن أحد من أئمة صنعاء قد زارهم منذ الإمام المهدي أحمد بن الحسن بن القاسم المتوفى عام 1681م. ويكشف هذا الحدث عن انفصالٍ واضح بين برط وصنعاء من حيث النفوذ والعلاقات، كما يوضح ندرة وجود عائلات السادة في أقصى الشمال الشرقي من اليمن مقارنة بالمناطق الشمالية حول صنعاء، التي كانت مأوى لكثيرٍ منهم في شكل "هجر" أو أماكن حماية قبلية. ويبدو أن من وُجد من السادة في برط آنذاك لم يستقروا طويلًا، بل جاؤوا فرارًا من مشكلات في مناطق أخرى. ففي نحو عام 1858م مثلًا، نُهب منزل السيد أحمد الكبسي في صنعاء فانتقل إلى برط بعد أن فقد مكتبته. ويذكر الرحالة حبشوش أثناء وجوده هناك عام 1870م ومع الإمام المهدي محمد عن تأسيس وجود دائم للسادة في جبل برط، كما كان الحال في مناطق حاشد وبكيل. برز في برط بدلًا من ذلك بيت العنسي، وهم عائلة من القضاة والعلماء، وقد ذُكر أحد أفرادهم ككاتبٍ لإحدى الوثائق في نسخ متعددة، مما يدل على دورهم العلمي والإداري. ولا يزال بعض أحفادهم يمارسون مهنة الكتابة في المنطقة حتى اليوم. وتشير المصادر إلى أن مكانتهم كانت رفيعة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، إذ يُذكر أحمد علي قاسم العنسي (توفي 1661م)، الذي انتقل طفلًا من إيان في سفيان إلى جبل برط مع والده، وكان يُعد حاكمًا فعليًا للمنطقة، حيث كانت القبائل تؤدي له ضرائبها الشرعية بدلًا من الإمام. وفي عام 1673م عبّر الإمام القاسمي حينها عن استيائه لأن نصف ضريبة برط، التي كان ينبغي أن تذهب لأحد أقاربه بموجب المعاهدة، كانت تذهب في الواقع إلى علي محمد العنسي وأهله، ما يدل على قوة نفوذهم واستقلالهم. واستمر تأثير آل العنسي بعد ذلك، فقاد عبد الرحمن العنسي قبائل برط في معارك ضد اللحية في شمال تهامة عام 1732م، ثم عارض حسن العنسي الإمام عام 1770م واقترب بقواته من صنعاء، وبعد أربعين عامًا حاصر ابنه عبد الله العاصمة تقريبًا. تُظهر الروايات أن آل العنسي وأقاربهم آل العكام كانوا على خلافٍ متكرر مع الأئمة، خصوصًا حول الأراضي في اليمن الأسفل جنوبصنعاء، وظلت نزاعاتهم قائمة حتى أواخر القرن التاسع عشر. أما في برط نفسها، فقد ظل قضاة بيت العنسي يتمتعون بمكانة العلماء المهاجرين الذين تحميهم القبائل، وفق ما يذكره المؤرخ إسماعيل الأكوع، الذي أشار إلى أن أول من وصل منهم إلى المنطقة هو علي قاسم العنسي المتوفى عام 1637م، وقد أسس الهجرة أو الموضع المحمي في الرضمة. وهناك رواية أخرى تقول إن حفيده علي بن محمد بن علي قاسم هو من أسس الرضمة، في حين أن عمه أحمد علي، الذي ذُكر سابقًا، كان له دور في ترسيخ نفوذ الأسرة. ويورد الأكوع وثيقة مؤرخة بعام 1112ه / 1700م تُعد تجديدًا لعهدٍ قديم تضع أحفاد علي بن قاسم العنسي في الرضمة والسوادة شمال غرب العنان تحت حماية ذي عمرو. كما توجد نصوص أقدم تعود إلى عام 1660م تشير إلى أن بعض أحفاد حسين بن علي قاسم أقاموا في السراة شمال السوق تحت حماية آل الصلاح والمعاطرة. ويبدو أن تعدد هذه الفروع والعقود يعكس شبكةً معقدة من اتفاقيات الحماية والتحالف بين آل العنسي والقبائل المحلية، وهي اتفاقيات كانت تُجدد بشكل دوري على مدى قرنين من الزمان. وتشير وثائق لاحقة إلى استمرار هذه الصلات حتى القرن الثامن عشر، إذ كتب آل العنسي في عام 1768م رسائل إلى علماء حوث وكوكبان وذمار يدعون فيها إلى ثورة عامة، في مشهدٍ يعكس تداخل الدين والسياسة في تاريخ برط، ودور هذه المنطقة البعيدة في صياغة ملامح التاريخ اليمني الوسيط والحديث.