عمدت كثيراً من دول العالم المتقدم إلى إحداث نهضة تنموية وخدمية كبيرة في مختلف المجالات للترويج لمكوناتها التاريخية والحضارية والطبيعية بهدف استقطاب السياح من مختلف جنسيات العالم , ومع تسابق الدول وخاصة العربية والآسيوية لاستقطاب لسياح من الجنسيات الأوروبية الأمريكية ومن دول شرق اسيا باعتبار صناعة السياحة من القطاعات الحيوية ذات الموارد الدائمة التي لاتنضب والتي تساهم في رفع مستوى الدخل القومي وتحسين المستوى المعيشي للشعوب. ونظراً لطبيعة البلدان العربية خاصة ولأهمية السياحة بشكل عام فقد بدأت كثير من الدول تتخذ اساليباً جديدة في عملية الترويج لمنتجها وذلك من خلال ما يعرف بالسياحة العلاجية وبدأ التركيز على عينة محدودة في المجتمعات ليس بالضرورة ان تكون من الطبقات الراقية ولكن الفئات التي تعاني من إمراض معينية -شفانا الله واياكم - خاصة إذا ما علمنا ان مئات الآلاف من المرضى يقصدون بلدان عربية وأوربية لغرض العلاج لعدم توافر الإمكانيات الطبية المتقدمة في بلدانهم , ونظراً لان في السفر والترحال سبع فوائد فقد وضعت دول عربية بينها مصر والأردن والسعودية خططاً لجذب اكبر عدد من المرضى العرب وتنافست تلك الدول في لفت الانتباه إلى إمكانياتها الطبيعة الهائلة للقادمين إليها يتضمن تقديم الخدمات الطبية والعلاجية مع القيام بجولات سياحية للمرضى ومرافقيهم وأثمرت تلك البرامج عن تحقيق نتائج ايجابية وساهمت إلى حد كبير في زيادة إعداد الوافدين إليها من مخلتف الأقطار العربية . ونحن في اليمن ندرك أننا لسنا في مستوى تلك الدول من حيث التقدم الكبير في مستوى الخدمات الطبية والصحية , لكن الله ميز ارض السعيدة بمقومات حضارية وارث تاريخي فريد وتنوع طبيعيى قل ان يوجد في أي مكان بالعالم , ونمتلك مقومات جذب سياحي فريد ومناطق كثيرة للعلاج الطبيعي والاستشفاء ويمكن ان تنتقل باليمن إلى مصاف البلدان الأكثر استقطاباً للسياحة بمختلف مسمياتها وخاصة السياحة العلاجية . فعلى امتداد اليمن توجد كثير من مناطق الاستشفاء الطبيعي بواسطة المياه الكبريتية الحارة التي تؤكد الدراسات إنها علاج فعال لمئات الإمراض ومن تلك المناطق مدينة دمت بمحافظة الضالع وحمام علي بمحافظة ذمار والحسينية بالحديدة ومنطقة الواغره بمديرية الحميدات بالجوف وغيرها الكثير من المناطق التي تعد ثروة حقيقية مكنوزة في جوف الأرض , ونحن هنا بدورنا سنحاول التطرق إلى ما تتمتع به مدينة دمت من مقومات طبيعية سياحية وعلاجية والتي يمكن ان تشكل واحد من أهم مواقع الاستشفاء الطبيعي في العالم اذا ما تم الترويج العلمي المدروس لتك المزايا وانجاز البنية التحتية لاستيعاب اعداد محتملة من السياح والمرضى من مختلف الأقطار. فمدينة دمت التي تتوسط المسافة بين صنعاء وعدن تنفرد بطبيعة جيولوجية عجيبة وتمتلك ثروة مائية هائلة ويصفها الباحثون بأنها مستشفى سياحي طبيعي لعلاج إمراض عديدة عجزت تكنولوجيا الطب الحديث والعقاقير الدوائية ان تعالجها. ولعل أهم ما يمز هذه المدينة التاريخية هو الينابيع الكبريتية الحارة وأهمها "حمام الدردوش" الذي تتجمع ميائه من عده عيون من بطن الجبل " الحرضه" بالاضافة الى العيون الحارة المتدفقة من وادي بنا الذي تجري فيه المياه طوال العام وتسمى البربره العليا , وكذا حمامات وينابيع أخرى أطلقت عليها مسميات جديدة نسبة إلى ما تعالجة مياها من امراض كما يعتقد مثل حمام " الجرب" نسبة إلى الإمراض الجلدية وحمام " الحساسية" وحمام " العيون" .وتؤكد الدراسات العلمية التي أجريت على المياه الكبريتية المتدفقة من الحمامات الطبيعية في دمت اختلاف المكونات الكيمائية والفيزيائية وتفاوت نسبة الكبريت والأملاح المعدنية الأخرى فيها مما يفسر خصوصية كل حمام في علاج إمراض معينة , ولكن المتعارف عليه والمؤكد ان الاستحمام في المياه الكبريتية بدمت يعالج عدد كبير من الإمراض وهو ما أكدته دراسة علمية أجراها باحثين من التشيك والتي سردت أهم الإمراض التي ثبت علاجها بتلك الطريقة واهما إمراض الرماتيز والآم المفاصل المزمنة وحساسية الجلد والعيون والرمد والإمراض الفطرية الجلدية بأنواعها وذلك بواسطة الاستحمام بالمياه الحارة لعدة مرات , بالإضافة إلى علاج إمراض الجهاز الهضمي واضطر بات المعدة عن طريق شرب كميات مناسبة من المياه وكذا التهابات المسالك البولية والجهاز التنفسي كالربو وإمراض الدورة الدموية وتصلب الشرايين . تلك القائمة الطويلة وغيرها من الإمراض يمكن ان تجعل من دمت مدينة طيبة طبيعية عالمية يقصدها المرضى من مختلف أرجاء المعمورة ، وما ينقصها هو توجيه الاستثمارات السياحية والطبية نحو مدينة دمت وتشجيعها ومن ثم الترويج الجيد المبني على حقائق وعلى مقومات طبيعية وسياحية واعدة. ولكي نحافظ على الإمكانيات السياحية والعلاجية لمدينة دمت لا بد من إيقاف الاستنزاف المخيف للثروة المائية والتدفق الجائر للمياه الكبريتية ووضع حدا لإهدار تلك الثروة التي تسبب فيها عشوائية التخطيط ومزاجية بعض المستثمرين وارتجالية أصحاب القرار، وهو ما قد يؤدي إلى تصرب المخزون الجوفي لتكل النوعية من المياه ما لم تتخذ حلولاً عاجلة وخطط قصيرة الاجل وأخرى طويلة والبدء فوراً بإغلاق الآبار وفق معايير علمية جيولوجية محددة والتحكم بنسبة المياه المتدفقة ومنع فوري وجاد لأي عملية حفر آبار جديدة من قبل اية جهة وتحديد نطاق للحمى أو ما يسمي حجر مائي في جميع الاتجاهات للمدينة وإنشاء هيئة خاصة لتطوير وتنمية المدينة تعطى لها جميع الصلاحيات لمنع ازدواجية القرارات التي قادت إلى هذا الوضع . وللعلم ان دمت هي مدينة تاريخية ايضاً تمتلك معالم سياحية فريدة وجذابة منها جسر عامر بن عبد الوهاب التاريخي والذي يرجع تاريخ بنائه إلى القرن الخامس عشر الميلادي وما يزال شامخاً شاهداً على مهارة المعمار وعبقرية الإنسان اليمني بالإضافة إلى الحرضة الكبيرة التي يبلغ ارتفاعها 250متر ، وكذا المعالم الأثرية التي تعاقبت عليها كثير من المراحل الحضارية والتاريخية للدويلات اليمنية القديمة وأخرها الدولة الطاهرية. كما ان مدينة دمت القديمة التي تبعد حوالي 2 كيلو عن المدينة الجديدة التي كانت احد المحطات الهامة في طريق القوافل التجارية وقلعة دمت التاريخية التي كانت احد اهم الحصون الدفاعية عن المدينة.