يعترف بعض العاملين في الاوساط الاعلامية الامريكية، والمحطات التلفزيونية علي وجه الخصوص، بضغوط مكثفة تمارس عليهم من اجل مراعاة مصالح بلادهم، وتجنب نشر تقارير اخبارية تنعكس سلبا علي المشروع الامريكي العسكري في العراق وافغانستان. ومن المؤسف ان بعض المؤسسات الاعلامية الامريكية الكبري رضخت لمثل هذه الضغوط، ومارست رقابة ذاتية علي تقاريرها الاخبارية، وقلصت من حجم الرأي الآخر في برامجها الحوارية، وتمثل ذلك بوضوح في استقالة او اقالة رئيس وحدة الاخبار في محطة عملاقة مثل سي. ان. ان لانه اتهم جنود بلاده في العراق بقتل صحافيين في العراق. ومن المؤلم اكثر ان محطات تلفزيونية عربية انحنت كثيرا امام عاصفة الضغوط الامريكية نفسها، وغيرت سياستها التحريرية مئة وثمانين درجة، وايدت بقوة الاحتلال الامريكي للعراق، وتحولت الي منبر لرموز العملية السياسية التي يرعاها هذا الاحتلال، بينما فضل البعض الاخر التعامل مع الاحداث في العراق وتطوراتها من موقف المحايد الموضوعي، والابتعاد عن نقل الحقائق التي يمكن ان تثير غضب الشارع العربي تجاه قوات الاحتلال، ايثارا للسلامة، وتجنبا لاي استفزاز للادارة الامريكية المستفزة اصلا. مجلة نيوزويك الامريكية تواجه هذه الايام الضغوط نفسها، لنشرها تقريرا عن معتقلي غوانتانامو المسلمين، والتعذيب الجسدي والنفسي الذي يتعرضون له علي ايدي السجانين الامريكيين، بما في ذلك تدنيس القرآن الكريم، والقذف باحدي نسخه في مرحاض امام المعتقلين لاهانتهم وعقيدتهم. تقرير المجلة هذا اثار حالة من الغضب في الكثير من العواصم الاسلامية، جري ترجمته الي مظاهرات صاخبة تطورت الي مواجهات مع قوات امريكية في افغانستان وقوات امنية في باكستانوفلسطينالمحتلة واليمن. المجلة المذكورة، وبفعل الضغوط الرسمية الامريكية، اضطرت للقول بان تقريرها تضمن معلومات مغلوطة، ولكنها لم تقل ان واقعة تدنيس القرآن لم تحدث مطلقا. السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية اعترفت بان الحادثة كانت فظيعة واثارت مشكلات خطيرة جدا بالنسبة الي واشنطن في العالم الاسلامي. اما حميد كرزاي رئيس افغانستان فقد اتهم جماعات متطرفة في بلاده باستغلال هذه الحادثة وتضخيمها لاثارة الشارع الاسلامي. وهذه التصريحات التي لم تنتقد مجلة نيوزويك مباشرة الا انها تشكل ضغطا نفسيا كبيرا علي اسرة تحريرها، من خلال تحميلها بطريقة غير مباشرة مسؤولية اندلاع المظاهرات، وافشال الجهود لتحسين الصورة الامريكية في العالم الاسلامي. الصورة الامريكية سيئة قبل ان تنشر المجلة المذكورة تقريرها، والمحاولات الامريكية لتحسينها تبدو فاشلة تماما لانها تركز علي القشور ولا تذهب الي القضايا الجوهرية. في العالمين العربي والاسلامي حالة احتقان، وعداء متصاعد ضد الولاياتالمتحدة، او حكومتها الحالية علي وجه التحديد، بسبب استمرار الاحتلال وعمليات القتل في العراق وافغانستان، وجمود العملية السلمية في فلسطينالمحتلة بسبب دعم الادارة الحالية للجرائم والسياسات الاستيطانية الاسرائيلية. جريمة تدنيس القرآن الكريم كانت بمثابة المفجر لهذا الاحتقان، ومن غير المستبعد ان يكون الانفجار المقبل للشارعين العربي والاسلامي اكبر بكثير، خاصة اذا تعرض المسجد الاقصي لعدوان اسرائيلي، او اقدم بعض الجنود الامريكيين في العراق او افغانستان علي جريمة تدنيس جديدة، او مجزرة جديدة، او تعذيب جديد علي غرار ما حدث في سجن ابوغريب، وجميع هذه الاحتمالات واردة، لان ادارة الرئيس بوش تضم مسؤولين لا يكنون اي احترام للمسلمين وعقيدتهم. صحيفة/القدس العربي: