ماجد هاشم أزمة كثيفة ومتعاظمة تعيشها تعز منذ اغتيال الشهيدة إفتهان المشهري تجاوزت الأزمات المعتادة، لقضية تعامل الرأي العام معها بشكل استثنائي جاد وغاضب ومندفع نحو مطالب محقة وعادلة, قضية أخرجت الجماهير وأصحاب الحقوق إلى الشارع لينصبوا خيامهم ويرفعوا سقف آمالهم وتطلعاتهم لتحقيق العدالة المفقودة. لاوجود للدولة في تعز هذه هي الحقيقة، الدولة بمفهومها الكامل والحقيقي القائم على المؤسسات وسيادة القانون وقوته الرادعة ولو حتى الحد الأدنى منها، قدمت السلطات الامنية والعسكرية والمدنية نموذجًا بشعًا ومشوهًا للحكم القائم على الفساد والتهاون والتراخي واستغلال النفوذ والتلاعب بالعدالة وحقوق ضحايا سنوات من الانتهاكات وعسكرة المجتمع والقيم. تعز لا يمكن أن تتعايش اليوم مع هذا النموذج القبيح فقد تجاوز الامر محاولة ضبط سلوكيات أفراد منفلتين اعتادوا على ارتكاب الجرائم والانتهاكات بحرية، وهم في الواقع لا يرونها كذلك بل يعتبرونها جزءَا من ممارسة حقهم الطبيعي في السلطة والنفوذ وفق معادلة " الاستحقاق الاستبدادي " الساقطة. ان هذا النهج ليس نهجًا فرديًا بل نهجًا جماعيًا تبنته جماعات منتمية للتجمع اليمني للإصلاح تصدرت المشهد في تعز في ظل غياب الدولة ومؤسساتها أثناء الحرب فأصبحت بدون مقدمات هجينًا غير متزن مع دولة منهكة بل وبديلًا لها أيضًا كإفراز اضطراري فرضته ضرورات الحرب وبصبغة ايدلوجية سياسية غير معتادة. لم يكن هذا الهجين مجرد حالة عابرة بل مرض عضال سكن روح المدينة وغيّر ملامحها واقتات من أوجاعها، ليس هجينًا مؤقتًا خاضع لمعايير والتزامات سياسية وأخلاقية معينة ستلتزم بها هذه الجماعات المنتمية للإصلاح بالرغم من أن الأخير على المستوى الرسمي ينفي صلته بها بل ويصفها بأنها عناصر خارجة عن القانون، قد يحمي ذلك الواجهة السياسية للإصلاح، إلا أنه لن ينطلي على الرأي العام والشارع الي يدرك جيدًا تركيبة هذه الجماعات ونشأتها. إن حالة الانفلات والفراغ في تعز في الواقع ظرف ناسب الإصلاح كثيرًا وأسهم في تكوين هيكل حكم موازِ وعدّه خيارًا وملجأ بعد أن خاض صراعًا عنيفًا مع كثير من الاطراف كان نتيجته إبعاده وإقصاءه وحصر نشاطه جغرافيًا في أجزاء من تعز ومأرب. قلص ذلك من نفوذه لكنه لم يعزله تمامًا من الشراكة السياسية خاصة على مستوى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة. دائمًا ما ينادي الاصلاح بالشراكة السياسية فهو يحتاجها على الرغم من عدم ايمانه بها وبمبادئها وجوهرها الفكري والاخلاقي، فهو يتعامل معها كوسيلة وأداه تبقيه شرعيًا أو جزءًا من الشرعية ومتصلًا فاعلًا مع الإقليم والمجتمع الدولي الذي أصبح يراقب عن كثب كل ممارسات وسلوكيات المكونات التي يمكن أن تعيق أو تعرقل العملية السياسية في اليمن. في الأخير سيبقى الوطن وتعز أغلى وأهم من الإصلاح وكل الأحزاب بجميع حساباتها وأجنداتها، وكوننا هنا نتحدث عن الاصلاح كحالة واقعية عبثت بالمدينة، لا يعفي ذلك أو يبرئ بقية الأحزاب من المسؤولية عن ما وصلت إليه الأوضاع وكذلك هو الحال بالنسبة للقيادات السياسية التي تعاني من أزمة أولويات وتبحر في بحر لا يعني اليمنيين اليوم بل تضاعف أزمة البلد والثقة معًا.