في مقال الكاتب مايكل نايتس، زميل في برنامج «ليفر» في معهد واشنطن البحثي، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيرانواليمن ودول الخليج، لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، تناول الكاتب سؤالًا طُرِح عليه من قبل، وهو: إذا قامت حرب بين السعودية وإيران، كيف ستبدو تلك الحرب؟ المقال منشورٌ في استعراض المجلة لاختيارتها لأفضل مقالات عام 2016؛ وقد ظهر على موقع «فورين بوليسي» للمرة الأولى في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2016. يقول الكاتب إن أوَّل ما يتبادر إلى ذهنه عند التفكير في إجابة هذا السؤال، هو أن يطلب من القارئ أن ينظر فيما يحدث حوله، لأن تلك الحرب قائمة بالفعل؛ إذ إنَّ السعودية وإيران منخرطتان بالفعل في حربٍ ضد وكلاء كل منهما في اليمن، وسوريا، والبحرين، والجزء الشرقي الشيعي من السعودية، وبالتبعية فإنَّ كلًّا منهما تقتل مستشاري غريمتها وجنودها بصورةٍ غير مباشرة. يضيف نايتس أنَّ المستقبل على الأغلب سيكون مشابهًا، وأن الحالة القائمة حاليًا ستصبح أكثر شدة، لتمتد وتصبح صدامًا مباشرًا يمتاز بالحدة، إلا أنه قصير المدى، قبل أن تهدأ الأمور من جديدة وتعود إلى مرحلة الحروب بالوكالة في دول أخرى، كما يرى نايتس أن طريقة الحروب بالوكالة لطالما كانت الطريقة المفضلة لكلتا الدولتين لزمن طويل.
تاريخ الحروب بالوكالة يعود الكاتب بالتاريخ إلى سنوات الحرب الثمانية في العراق، والتي حينها أظهرت طهران بقوة تفضيلها لدعم حلفاء لها مثل حزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية في العراق، وفي المقابل، استخدمت السعودية الأسلوب نفسه لتحقيق أهدافها والرد على أعدائها، حتى في أوقات كانت تفتقر فيها للقوة العسكرية اللازمة، مثل وقوفها أمام التواجد العسكري المصري في اليمن أثناء الحرب الأهلية بين 1962 و1970، وكذلك ضد السوفييت في أفغانستان. يعني ذلك بالنسبة للكاتب أن كلتا الدولتين تبحثان بالأساس عمن يحارب نيابةً عنهما لتحقيق أهدافهما. بالحديث عن إيران، يمكن بوضوح إثبات دعم البلد للميليشيات الشيعية في عدة مناسبات، ودعمهم أخيرًا لقوات تقاتل إلى جانب نظام الأسد المدعوم من طهران، وبالإضافة إلى الدعم المستمر لحزب الله اللبناني، والذي لا يمكن توصيفه بالميليشيا، نظرًا لأن قدراته العسكرية وأسلحته الهجومية والدفاعية تفوق ما تملكه الميليشيات بكثير. يملك حزب الله على سبيل المثال صواريخ زلزال-1 القادرة على ضرب تل أبيب، وأنظمة متطورة مضادة للدبابات، ونظام صاروخي مضاد للسفن الحربية، حصلوا عليه عن طريق إيران، واستخدموه في الحرب ضد إسرائيل عام 2006 في إغراق سفينة إسرائيلية، كما حصلوا على صواريخ مضادة للسفن الحربية أكثر تطورًا مؤخرًا. يضيف الكاتب أيضًا أن إيران زودت الحوثيين بصواريخ من طراز سي-802، والتي استُخدِمت ضد عدد من السفن الإماراتية المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. يتسبب الحوثيون بالفعل في أضرار كبيرة للجيش السعودي، من خلال تدمير عدد من الدبابات والمعدات السعودية من خلال الصواريخ الموجهة التي حصلوا عليها من إيران، يضاف إلى ذلك سيطرة وكلاء إيران على أجزاء من جنوب السعودية، وإطلاقهم صواريخ سكود على قواعد عسكرية داخل المملكة. في العراق، حظت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بدعم جوي إيراني، بالإضافة إلى دعم المدفعية، والدعم الطبي الذي تقدمه إيران لهم، وهو ما جعل ميليشيا بدر -أكبر الميليشيات الشيعية في العراق- تقاتل كجناح عسكري إيراني يخضع للقيادة الإيرانية مباشرة، كما تقود ميليشيا بدر حاليًا جزءًا مهمًا من وزارة الداخلية العراقية. تسعى إيران من وراء ذلك إلى تكرار نموذج حزب الله في اليمنوالعراق.
البحرين والمنطقة الشرقية.. الخطر الأكبر بحسب المقال، فالأكثر مدعاة للقلق بالنسبة للسعودية، هو تظاهر إيران بعدم الاهتمام بالبحرين، وبالجزء الشرقي من السعودية الغني بالنفط، وكلاهما يعيش فيه أغلبية من الشيعة. في 2011، نشرت السعودية والإمارات عددًا كبيرًا من الدبابات وناقلات الجنود لحماية العائلة المالكة في البحرين من رياح الربيع العربي. يبدو أن تلك التحركات كانت بمثابة صدمة قوية لطهران، وهو ما كان سبب في المحاولة الإيرانية لاغتيال عادل الجبير، سفير السعودية في الولاياتالمتحدة. خلال العام الماضي، بدا وكأن إيران تزيد من تحركاتها في البحرين، وفي المنطقة الشرقية بالسعودية، إذ عملت الميليشيات الشيعية في العراق، وكذلك حزب الله على تزويد الخلايا المدعومة من إيران في البحرين، والمنطقة الشرقية بالسلاح والذخيرة؛ لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم ضد الحملات السعودية المستقبلية عليهم. هذا التغير المفاجئ في التكتيك الإيراني كان قطعًا سببًا رئيسيًّا في قرار السعودية مؤخرًا بإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر المنتمي للمنطقة الشرقية. يقول نايتس إنه قبل الأحداث الحالية بفترة طويلة كانت السعودية ودول الخليج السنية قد شرعت بالفعل في تكوين شبكة من وكلائهم العسكريين تدريجيًّا. كان المستفيد الأول من ذلك الدعم هو الحكومة اللبنانية التي تلقت دعمًا سعوديًّا خليجيًّا، إذ تلقوا دعمًا جويًّا إماراتيًّا عام 2007؛ للمساعدة في القضاء على مجموعة تابعة للقاعدة. في 2009، وبعد عام من دعوة الملك عبد الله ل«قطع رأس الأفعى»، والتي يقصد بها إيران، أطلقت السعودية حملة عسكرية استمرت على مدار 9 أسابيع ضد متمردي الحوثي شمال اليمن، خسروا خلالها 137 جنديًا. أدى ذلك إلى تكثيف السعودية وحلفائها (الأردنوالإمارات)، من القوة العسكرية -معدات وأسلحة وجنود- المستخدمة ضد ميليشيا الحوثي. واليوم، تبني دول الخليج وحلفاء آخرون كباكستان والصومال قواتٍ جديدة تابعة لهم في اليمن؛ لدعم الحملة السعودية ضد الحوثيين. إذًا، ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ يجيب الكاتب عن هذا السؤال قائلًا إن السعودية وإيران سترغبان في اختبار قوة بعضهما البعض بشكل مباشر، وأن إيران ستبدأ بإثارة العنف في المنطقة الشرقية، وفي البحرين، وأنها ستزيد من دعم الحوثيين وستسعى للتصدي للسعودية في اليمن من خلال تزويد الحوثيين ببطاريات الصواريخ الساحلية.
المزيد من الحرب في سوريا المرحلة القادمة بالنسبة للسعودية في حربها مع إيران ستكون تكثيف حرب الوكالة الدائرة في سوريا، وهو الميدان الذي تنوي فيه السعودية خوض معركتها الرئيسية مع إيران، إذ صرح وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل في مارس/ آذار 2012 أن دعم السعودية للمعارضة السورية هو واجب عليها. الدعم السعودي القطري التركي ساعد المقاومة بالفعل شمال غربي سوريا على إحداث خسائر كبرى بين قوات الأسد، باستخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات. يرى الكاتب أنه ربما تكون الصواريخ المضادة للطائرات هي المرحلة القادمة، إذ يبدو أن التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة يميل إلى التراجع عن هذه الحرب الغامضة بالنسبة له أخلاقيًّا، إذ إن أبرز معارضي تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد هم سلفيون متشددون لا يمكن للغرب التحالف معهم، إلا أن السعودية وحلفاءها فعلوا ذلك في اليمن على مدار الخمسة أعوام الماضية، ويبدو أنهم سينتقلون الآن لفعل الأمر نفسه في سوريا. يضيف نايتس أنَّ الرياض ترى أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أقل خطرًا، وأهون من الحوثيين في اليمن والمدعومين من إيران، فهل يحدث الأمر نفسه قريبًا مع أجزاء من تنظيم الدولة الإسلامية، ومع جبهة النصرة في سوريا؟ لا تميل السعودية أو إيران إلى الدخول في حرب تقليدية مفتوحة بينهما، مع وجود احتمالات دائمًا لمناوشات حدودية على الحدود الساحلية المشتركة، وفي الأراضي المحايدة في الخليج، كما تعد حقول الغاز المشتركة والجزر المتنازع عليها هي نقاط واضحة لمناوشات محتملة. ربما تقوم إيران أيضًا باختبار صواريخ بالقرب من الممرات البحرية والساحل الخليجي، مع عدة احتمالات أخرى أبرزها الألغام البحرية، والهجمات الإلكترونية من الجانبين. يختتم الكاتب المقال قائلًا إنه في مرحلة ما، في السنوات القادمة، سنشهد على الأغلب تصادمًا عسكريًّا قصيرًا، إلا أنه سيكون حادًا للغاية، وستكون تلك بمثابة دعوة للاستيقاظ، فكل من إيران ودول الخليج يملكون قوة عسكرية هائلة مقارنة بقوتهم أثناء حرب إيرانوالعراق. يشير الكاتب أيضًا إلى القوة الجوية المتقدمة التي تملكها السعودية وحليفها الأساسي (الإمارات)، والقادرة عمليًّا على تدمير جميع مرافق الموانئ الإيرانية، ومحطات تحميل النفط، وغيرها من المنشآت الصناعية الرئيسية باستخدام الذخائر الموجهة بدقة. إذا تناولنا القوة الإيرانية، فبإمكان إيران أن تمطر الساحل الخليجي بالصواريخ غير الموجهة، والصواريخ الموجهة الدقيقة بعيدة المدى. عام 1988، دُمِرت البحرية الإيرانية بالكامل في يوم واحد على يد الولاياتالمتحدة، فيما عرف بعملية فرس النبي. يقول مايكل نايتس إنه ربما يوم واحد فقط من الحرب سيذكر إيران ودول الخليج بأنه من الأفضل تمامًا الابتعاد عن الصراع المباشر، وحصر الصراع في أطراف ثالثة.