د.أبو الطيب مهتم بالسياسات الأمريكية بالمنطقة الكل يعرف والكل يسمع ما تبديه جمهورية مصر( العربية) من رغبة جامحة للعودة بمصر إلى لعب دور مرموق على الساحة العربية , وان كانت مصر هي الشقيقة الأكبر في المنطقة ومن حقها أن تتمتع بهذا الدور وضبط إيقاع الأداء فيها ,فهذا ليس بجديد, فقد سبق لها أن قامت بذلك في سنوات النهوض العربي والشعبي قبل عقود. وفي مسار تناول هذا الموضوع الهام, لا بد لنا من طرح العديد من الأسئلة, ونطلب من مصر قيادة أن تأخذ ما نطرحه بعين الجد وتضبط الإيقاع مع جماهير مصر أولا وعلى صعيد الساحات العربية ثانيا, نطرح هذا من واقع الحرص على مصر , مذكرين بالتضحيات الجسام التي دفعتها جماهير مصر, وفقراء مصر, ومثقفو مصر وقيادة مصر في السابق, والتي مكنت مصر في حينها أن تكون رائدة في قيادة المجتمعات العربية دون استثناء. القيادة في وسط وبيئة ما, والدور الأساس المراد التمسك به, يتطلب قبل كل شيء أن يعبر القائد عن طموحات وأهداف ومصالح من يراد قيادتهم, ونحن نؤكد أن حلم الكثيرين بما فيهم أمريكا وربيبتها إسرائيل ومنذ زمن بعيد ولعابهما يتدفق لكي يقودا المنطقة وفق مصالحهما, ولم يتم ذلك حتى الآن , رغم التمهيد العربي قبل الأجنبي لرصف طرق الوصول إلى ذلك دون كلل, وحتى تاريخه لم ينجحوا, وبقاء مصر في هذا المعسكر لن يحقق لها ما تريد . القيادة هي تعبير صادق محقق بواقع التجربة العملية عن المصالح الوطنية التي يحددها المجتمع, وليس نخبة من المنظرين والمدافعين عن الحاكم فقط . عناوين المصلحة الوطنية لا تحتاج إلى حذلقات كثيرة , فلتسمع مصر ما هي مقومات الدور القيادي . مصر التاريخ بدأت منذ القدم بحضارتها الإنسانية وآثارها الشامخة, فكان لها الأصدقاء والأعداء في محيطها وأبعد من ذلك المحيط . وهنا لا يجري الحديث عن البعد العربي, بل عن الحضارة في الزمان والمكان . وعندما بدأ محمد علي بإرسال البعثات التي ساهمت برسم تصورات مصر الحديثة وجدت في البعد العربي ضالتها, ولنعد إلى الطهطاوي ونستخلص الدروس مما كتب , ولنعد لمحمد عبده رغم تراجعه قليلا عن رؤية الطهطاوي, فهناك نجد باكورة البعد العربي الذي تنشده مصر اليوم. مصر تحصل على دورها الريادي العربي بعد إزاحة آخر الباشاوات, وظهور القائد الرمز جمال عبد الناصر, الذي حقق انسجاما وتناغما وإيقاعا رائعا لذلك الدور في البعد العربي . وعلى الرغم من عدم اتفاقنا في كل شيء مع عبد الناصر, ولكن لزاما علينا تسجيل تلك الحقيقة . لقد وقفت مصر عبد الناصر وفي كل الظروف وعلى حساب مصالحها الخاصة أحيانا إلى جانب القضايا العربية دون تحفظ . فكانت منسجمة مع المقولة "مصر أم الدنيا" . وهذا لم يقتصر على المنطقة العربية بل تعداها إلى ساحات متنوعة من حركة التحرر العالمية. فعندما تذهب مصر بعيدا ولوحدها وتوقع اتفاقية كامب ديفيد بهدف الحصول على سيناء منقوصة السيادة, ولا تتضمن تلك الاتفاقية ما يشير إلى الحقوق الأخرى للعرب, هذا يعني باكورة تخلي مصر عن حقها الطبيعي في دور فاعل في المنطقة العربية. عندما تصبح مصر وتحت مقولات التعقل متناغمة مع كثير من الأجندة التي تفرضها الولاياتالمتحدة وإسرائيل أحيانا "ولا فرق بينهما" . وعندما تصبح الحجة الواهية لديها ومفادها الاتفاقات الدولية, والطرف الآخر لم يعر تلك الاتفاقات أي اعتبار ,عند ذلك يكون التساؤل أكبر ويلفه الشك؟ . عندما تفقد البوصلة المصرية اتجاهها الصحيح في تقييم أولويات المنطقة وحقوقها, نتوقف مليا عند ذلك ومعنا ملايين العرب الهائمين على وجوههم بسبب المخاض العربي والتراجع العربي الرسمي. عندما تدخل مصر بكل ثقلها في لعبة الصراعات الطائفية والمذهبية التي تحاك في المنطقة على أساس سني وشيعي وغيرها , وعندما تستخدم مصر في عمليات التأليب اليومي على دول الجوار بهدف الحصول على لوبي عربي ضد سورياوإيران وحزب الله وحماس والفصائل الفلسطينية وغيرها من المقاومين , تحت تسمية الاعتدال هذا يحرم مصر مجرد التفكير بدور فاعل أو حتى متواضع, ناهيك عما قاله الرئيس حسني مبارك منذ أيام مصر أولا مصر أولا ويريد دور قيادي للعرب أليست مفارقة عجيبة !!. عندما يباع العراق بالتقسيط منذ بداية التسعينات بعد الدعم الكامل لحربه الطويلة غير العادلة وغير الهادفة الحرب بالنيابة مع إيران من قبل مصر وغيرها من الدول العربية, وعندما يباع الغاز المصري كهدية مجانية للعدو البشع, ويحاصر القطاع ويمنع عنه الماء والدواء والكهرباء ووسائل الطاقة ,عند ذلك تحتقن العروق وتنتفخ البطون بالألم لا بالعيش ومقوماته. وهنا نتوقف عند حقيقة على مصر أن تتأمل فيها جيدا "بلدان شرق آسيا ومنهم كوريا وغيرها احتاجت إلى عقد ونصف من الزمن بعد سيرها بركب أمريكا لتشكل معا ما كان يعرف بالنمور السبع الأسيوية " مصر التي مضى على سيرها بركب أمريكا وبتوقيعها صلحا مع إسرائيل وبعد ثلاثين عاما لم يتغير وضعها الاقتصادي, ولم يحقق واقع مصر الشبه حتى الآن مع من سبقها من الدول تلك, لماذا؟ ألم تسأل مصر نفسها عن ذلك؟؟؟. وهل تعفى أمريكا وإسرائيل من التأثير؟. عندما تلمع مصر الجلاد في حرب 2006م القذرة على لبنان, وتحمل حزب الله المسؤولية" نحن نقصد حزب الله المقاوم وليس الديني" عن الفظائع المرتكبة في كل مجال آنذاك , عندما يفضح العدو بنفسه الرغبة لدى النظام العربي الرسمي في تواطئه العلني ومن خلف الستار على أبناء جلدته , نضطر عندها للقول: لقد تغيرت هوية مصر العربية, ونحن غير مضطرين لقبول الدور المصري الذي تسعى إليه القيادة المصرية تحت أي ذريعة كانت. عندما تصل المجزرة التي ارتكبت ضد شعب غزة إلى ما وصلت إليه فظاعة وعمقا , مجزرة العصور التي تتعدى مفاهيم فتح معابر وإطلاق بضعة صواريخ, لتصبح مجزرة إبادة بالمعنى الحقيقي , ووراء الأكمة ما وراءها. عندما يعطى الغازي أسبوعا بعد أسبوع لينجز بالحرب ما عجز عن انجازه أثناء الحصار والتجويع والقتل بالتقسيط في غزة, عندها يحق لنا أن نسأل, أي دور تريده مصر عندما تؤمن الغطاء لإسرائيل بمبادرتها لتفلت الأخيرة من ضغط العالم الحر الشعبي والشارع العربي لوقف حربها القذرة ؟. أود التذكير فقط في معارك السويس قام الغرب بوصف المصريين بالمغامرين والمعتدين على الاتفاقات الدولية بعد تأميم قناة السويس, التي تنعم قيادة مصر بإيراداتها اليوم, وتوظفها لصالح القطط السمان في مصر, وتعطي التفضيل في المرور فيها لدولة كانت في طليعة المعتدين آنذاك هي إسرائيل. في ذلك الزمان بقيت الشعوب العربية مع مصر ولم تتأثر بما يقوله الغرب عن مقاتلي مصر الأشداء في معاركهم البطولية, نعم عندما لا ترى مصر أن سبب كل ما يجري هو الاحتلال نفسه, والطرف الآخر يسلك ويتصرف كقوة تحرر مهما اختلفت معه مصر وغير مصر, عند كل هذا تزداد الأسئلة عما تريده مصر من دور لا يتعدى دور ذكر طيور الحجل بين أيدي الصيادين. مصر بعد كل هذا لا تستطيع أن تطالب بدور في المنطقة, ولا أحد يحب بلده ووطنه يقبل بمثل هذا الدور ولا شعب مصر الأبي يقبل , والدلالة على ذلك ما يفعله فقراء مصر ومثقفو مصر وقوى مصر الفاعلة في الشارع المصري, رغم كل القسر الممارس عليه من السلطة الحاكمة . من هنا نجد أنه كلما ابتعدت مصر عن نبض الشارع المحلي والعربي وقوى التحرر فيه, وكلما انسجمت مصر وتحت كل الأغطية المكشوفة والمستترة مع الأجندة الأمريكية في المنطقة, كلما نأت بنفسها عن إمكانية لعب أي دور ترغبه والحياة سوف تجيب على هذا عاجلا أم أجلا. والمطلوب مراجعة شاملة للمواقف المصرية إذا كان حلمها بالقيادة لا زال قائما, وتسعى وراءه العناصر غير الوطنية المتربعة على السيادة في مصر . إذا كانت أمريكا تريد وفعلت على تغيير كل المفاهيم والقيم ببدعة الإرهاب التي تخلط فيها الأوراق بين الإرهاب الحقيقي وقوى التحرر فمصر غير ملزمة بمباركة هذا السلوك . مصر الحرة أصبحت كذلك عبر نضال تحرري بطولي , وزمن النضال ذاك لم يوصف المقاتلون بغير التسميات التي تطالعنا اليوم بها الدول الغازية والمعتدية , ألا نتذكر هذا معا, ألا تذكرون ذاك الزمن يا قادة مصر ؟. مصر نالت الحرية والسيادة بالدم والقتال وليس بالمفاوضات بل بالصمود والتضحية ولم تبق جنديا واحدا على أرضها, ولولا ذاك الصمود لما نعمت القوى الحاكمة الآن في مصر بخيراتها.أما بالمفاوضات فأعطيت سيناء بدون سيادة. ما يسمى بالمبادرة المصرية اليوم هي في حقيقة الأمر أجندة إسرائيلية أمريكية بامتياز, يراد تسويقها بلسان عربي . نحن أبناء الزمن الذي يعيشه قادة مصر, ولا نحتاج للذاكرة البعيدة لكي نبرهن على جذر هذه الحقيقة المرة , إذا كنتم تخليتم عن مشروعية النضال من أجل تحرير الأرض, النضال الذي تكفله كل القوانين الدولية والمواثيق البشرية الوضعية والسماوية, وحصلتم على سيناء منقوصة السيادة بالتفاوض, فتذكروا أن أقطاب أوسلو يفاوضون منذ عقد ونصف ولم يحرزوا أي تقدم , وبالمقابل تقضم الأرض وتقطع أوصال الضفة وينحر حق العودة وتحاصر القدس (الأبدية), وتداس كرامة العرب أصحاب الحق المشروع ويدار لهم الظهر وعضو آخر أحيانا دون حياء. ما يجري في المنطقة وما جرى في العقدين الأخيرين هو سلسلة مترابطة, من التفكير الاستراتيجي المشترك الأمريكي الصهيوني المكشوف , وما تسويق مفهوم الشرق الجديد الموعود إلا الفوضى إلا الحروب. الشرق الجديد الذي تريده أمريكا هو التمزق, هو ضياع الحقوق, هو استغلال الثروات, هو البوارج والصواريخ التي تتساقط على الأحياء والشجر والحجر, وهو التمزق الطائفي والعرقي والمذهبي ألا ترون هذا!!. إن كنتم لا ترون فالشعوب العربية التي تحلمون بقيادتها ترى هذا جيدا وتعبر عن هذه الرؤية في كل يوم, رغم القهر والحرمان والحسرة, نتاج سياسات النظام العربي الرسمي والأسياد من ورائهم على اختلاف مشاربهم .