البعض يراها تراكمات عقود سابقة وبعض آخر يتحدث عن صناع القرار ،فيما ظل آخرون يفسرون ضعف مشاركة الشباب في الحياة العامة تحت عنوان «الاحتكار» فياترى أين الحقيقة!؟ عندما تتغيب قضايا الشباب عن وسائل الاعلام فإن ثمة مايؤكد بأن هناك أزمة شبابية تواجهها ساحة المجتمع اليمني وهي بلاشك أزمة وعي قبل أي شيء آخر في ماينبغي الاتجاه نحوه من أجل الاستثمار الأمثل للطاقات الشبابية ورفع مؤهلاتها وحمايتها من أمراض العصر ونزعاته الثقافية غير المرغوبة. فعلى الرغم من تبني وزارة الشباب والرياضة لاستراتيجية وطنية تتعامل مع احتياجات الشباب ،إلا أن المشكلة ستبقى قائمة لسنوات طويلة لأنها بالأصل ليست مشكلة استراتيجيات ولاتنظير.. إذ أن البعد الفلسفي لذلك تم توضحيه منذ بداية عهد الرئىس/علي عبدالله صالح الذي وجه بتأسيس اتحاد شباب اليمن ،والاتحادات الطلابية ،وجعل من عام1987م عاماً للمعسكرات الطلابية الكشفية ،وبالتالي فإن الرهان على تأهيل الشباب قائم منذ نحو عقدين لكن الاشكاليات في الآليات التي يجب مساعدة الشباب بها لنيل استحقاقاتهم الطبيعية سواء في فرص التأهيل أوالابداع أوالعمل وغيرها. إن في مقدمة التحديات الشبابية هي أن الزيادة السنوية الهائلة باعداد الشباب لاتقابلها حركة تجديدية معقولة في مختلف القطاعات والمؤسسات.. حيث أن هناك جيلاً مخضرماً يبسط أيديه على مختلف الفرص التي بامكان جيل الشباب ترجمة عصره من خلالها.. ولاغرابة إن قلنا أن حتى المؤسسات الاعلامية تحتكرها أقلام تتقاسم الصفحات والأعمدة وتكبح جماح أي فئة ابداعية يمكنها التميز خشية أن تستحوذ على ثقة واعجاب صناع القرار.. لذلك فإن الاسلوب الذي عملت به بعض وسائل الاعلام قبل خمسة عشر عاماً هو نفسه اليوم ،فيما الشيء الوحيد الذي تغير هو التكنولوجيا والاثاث ومخطط المبنى الهندسي! لعل ظاهرة الاحتكار هذه غير قاصرة على قطاع دون سواه بل إنها تفرض نفسها حتى على قيادات الكثير من الاحزاب السياسية اليمنية ، وهو الأمر الذي يجعل فرص الشباب ضيقة للغاية في المشاركة المجتمعية بل الاسوأ من كل ذلك هو أن الجيل الذي يحتكر الفرص أخذ يستغل هؤلاء الشباب ونشاطهم وابداعاتهم للحفاظ على بقائه لفترة أطول من خلال مواراتهم خلف الكواليس ونسب كل انجازاتهم لنفسه.. وبالتأكيد أن أحداً من هؤلاء الشباب لن يجرؤ على البوح بالحقيقة كونه لايضمن فرصاً بديلة للوظائف التي يشغلها.. وهو قلق ظل يلازم الشباب في كل مؤسسة حكومية أوأهلية وحتى على مستوى كثير من المنظمات المدنية. ذلك صحيح أن تجارب الجيل السابق وخبراته مطلوبة في بلد يلهث لمواكبة ركب الحضارة العالمية ، إلا أن تحويل بعض الفرص لجيل الشباب من شأنه خلق نموذج يجمع بين تجارب الأولين ومتطلبات المعاصرة الحداثية.. وهو نموذج أفضل بكثير من الناحية الانتاجية من ذلك الذي يعمل على تطويع الحاجة العصرية لثقافته التقليدية فيأتي بمنتج مشوه لايحمل صفات الجيلين معاً ،ولايلبي حاجة أي منهما. إن معالجة قضايا الشباب لاتتحقق بالأدبيات التنظيرية وحدها بل بايجاد المؤسسات التي من شأنها ترجمة كل تلك الأفكار والاستراتيجيات إلى واقع ملموس ،في الوقت الذي مازالت تلك المؤسسات غائبة إلى حد ما،أو مقيدة بسياسات تقليدية لاتناسب تفكير الشباب وطريقته في العمل ومع أن هناك مشاريع تتبناها الدولة إلا أنها عندما تقارن بحجم الكوادر الشبابية لاتكاد تشكل شيئاً علاوة على أن برامجها محدودة الاستيعاب بينما كان الأولى تبني مشاريع ذات استيعاب مفتوح ومشاركة واسعة غالباً مانجدها لدى الدول التي هي بوضع اليمن وامكانياته. ليس منطقياً أن نجرب برامج تنفذ في بريطانيا أوالكويت أوالمغرب لأن أوضاعنا مختلفة تماماً لكن من الممكن جداً الاستفادة من تجربة العراق في الثمانينات ،أوسوريا ،وبعض تجارب مصر حيث أن الأوضاع متقاربة إلى حدٍ ما.. ولكن الأهم من كل هذا هو أن نكون في الميدان وليس حول طاولة اجتماعات نستنسخ ماسبقنا إليه كثيرون.