بعيداً عن الحسابات الوطنية للانتخابات اليمنية ، فإن ثمة حسابات دولية تؤكد أن اليمن بنجاح تجربتها أضافت رصيداً مهماً جداً للرهانات الدولية على مستقبل العالم الثالث. فعلى امتداد الأعوام القليلة الماضية كان الخطاب الدولي السائد يصب باتجاه نشر الديمقراطية في العالم في إطار الاعتقاد الذي تبلور في المجتمع الدولي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأن الديمقراطية هي الخيار الأهون لمواجهة التطرف ، والإرهاب ، وإذابة العنف في المجتمعات النامية. لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية رأت أنه بإمكان القوة العسكرية والضغوط السياسية والاقتصادية فرض الديمقراطية على شعوب العالم ، فكانت أن بدأت بإسقاط هذه الرؤى على أرض الواقع من خلال احتلال أفغانستان باعتبارها أنموذجاً للتطرف الديني الإسلامي ، ثم احتلال العراق باعتباره أنموذجاً للأنظمة الشمولية العصرية «بغض النظر عن الحسابات الامبريالية الأخرى» .. إلا أنه بعد ما يزيد عن ثلاث سنوات بات مؤكداً أن الولاياتالمتحدة منيت بفشل ذريع ، وأن القوة العسكرية أثبتت فشلها في فرض الديمقراطية .. وصار المجتمع الدولي يميل إلى الإيمان بمبدأ تنمية الديمقراطية في مناخات وعي ثقافي وإنساني يحتفظ بخصوصياته البيئية وظروف واقعه الاجتماعي. ومع أن المجتمع الدولي كان ينظر إلى التحولات الديمقراطية في اليمن التي رافقت الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية 90م بشيء من الاحترام باعتبارها محاولة فريدة وجريئة في المنطقة ، لكنه في أعقاب فشل إقامة ديمقراطية آمنة في أفغانستانوالعراق بدأت أضواء المجتمع الدولي تتسلط على التجربة اليمنية ؛ لكونها خياراً وطنياً آمناً نجح في التنامي بقدر وإن كان بطيئاً إلا أنه واعد جداً ، وربما تتحول التجربة إلى أنموذج مثالي إذا ما توفر لها الدعم الدولي ، خاصة وأن اليمن تقع في منطقة يعتبرها العالم البيئة الأولى للحركات الإسلامية المتشددة ، حيث أن الغالبية العظمى ممن تتهمهم الولاياتالمتحدة بالتورط في أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو الانتماء لتنظيم القاعدة في الأصل مواطنون بدول الجزيرة العربية والخليج العربي. ومن هنا كان قرار الدول الصناعية الكبرى «دول الثمان» بدعوة اليمن للمشاركة في قمتهاالتي عقدتها في يوليو 2004م ، ومن ثم تشكيل لجنة دعم الديمقراطية في العالم النامي من كل من اليمن وإيطاليا وتركيا.. وكانت هذه الخطوة بمثابة اعتراف دولي كبير بالديمقراطية في اليمن ، وبقدرات القيادة السياسية اليمنية على تنمية التجربة ، ونقل الخبرة إلى دول إقليمها على أقل تقدير إن لم يكن ذلك إلى حدود أبعد. وخلال الفترة التي أعقبت حضور الرئيس/ علي عبدالله صالح قمة الدول الثمان حضيت اليمن بدعاية دولية كبيرة جداً من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص ..كما شهدت الساحة اليمنية انتعاشاً في حراك المجتمع المدني ، ونشاطاته التي كانت الغالبية العظمى منها يقيمها بتمويل بعض المانحين ، وبمشاركة منظمات ومؤسسات دولية أي كان هناك تأكيد جدية المجتمع الدولي في دعم الديمقراطية في اليمن ، والرهان عليها أيضاً في تمثيل أنموذج مثالي لدول المنطقة. وطوال عام تقريباً سبق يوم العشرين من سبتمبر 2006م كان هناك تركيز غير اعتيادي على الانتخابات الرئاسية والمحلية التي تعتزم اليمن إجراءها .. وبتقديري أن المعهد الديمقراطي الأمريكي ومنظمة (ايفس) الأمريكية لعبا أدواراً كبيرة في مساعدة اليمن على الدفع بأطراف المعارضة للمشاركة في الانتخابات ، واستبعاد خيار المقاطعة التي لوحت به أحزاب اللقاء المشترك لأكثر من مرة. وقد ظهرت جدة المجتمع الدولي ، وحجم رهانه على التجربة اليمنية بصورة أكثر وضوحاً في الأسابيع الأخيرة عندما دفع الاتحاد الأوروبي بحوالي 119 مراقباً برئاسة البارونة نيكولسون ونتربورن ، وكذلك دفعت الولايات بنحو 165 مراقباً منهم 40 مراقباً مرتبطين بالسفارة الأمريكية بصنعاء.. وقد شاركت كندا والنرويج وغيرهما بمراقبين أيضاً.. وكان هذا الزخم كله تفعيلاً بإضفاء بعد دولي للعملية الانتخابية في اليمن ، يؤكد نزاهتها أو صحة النتائج التي تتمخص عنها ، بجانب الحشد الإعلامي الخارجي الذي تهيأ لهذه الانتخابات. ومن هنا يمكن القول :إن نجاح تجربة الانتخابات اليمنية حقق نجاحاً للرهانات الدولية على اليمن وقيادتها السياسية ، وقدراتها على تقديم أنموذج فريد لتجربة عربية رائدة ، ذات خصوصيات وطنية ، من شأنها أن تكون المثال الذي يحتذى به من قبل دول المنطقة ، بعيداً عن المخاوف التي يتحدث عنها الزعماء والسياسيون العرب عند تداولهم الديمقراطية في أمريكا أو أوروبا ، إذ أن ديمقراطية اليمن ظلت محافظة على هويتها الإسلامية العربية التي لاتثير حفيظة أحد بقدر ماتشجعه لتقليدها.