خلافاً لمبادئ اقتصاد السوق في العرض والطلب، ولما تشهده أسواق العالم الإسلامي في مثل هذه الأيام، انفردت أسواق اليمن باستقبال شهر رمضان بكل ألوان «المعاصي» التجارية بدءاً من الاحتكار، ورفع الأسعار، والغش في السلع، كما لو كان «رمضان» شهراً للابتزاز، والمضاربة غير المشروعة، وإفساد حياة الناس. فمع كل يوم ندنو به من الشهر الكريم تقفز الأسعار إلى مربع جديد، وتختفي سلع أساسية من واجهات المتاجر لتظهر في السوق السوداء بثلاثة أضعاف سعرها، في نفس الوقت الذي تغرق الأرصفة بسلع غذائية إما منتهية الصلاحية أو شارفت على ذلك كونها من بقايا الموسم الماضي، وإما مهربة ومخالفة لمعايير النوعية، وتدرج ضمن قائمة المواد المسرطنة التي تقف وراء النسب المرتفعة جداً للمصابين بمرض السرطان. لكن المشكلة الأعظم بلاءً ليس في أن نكتشف تلك الحقائق، بل في أن الجهات الرسمية تعلم بها علم اليقين، لكنها لا تعرف ماذا عساها أن تفعل إزاء انفلات السوق ! وهي أيضاً تعرف بالأرقام كم من الكميات من البُر أو غيره أدخلها التجار الموردون، وبالجهات القادمة منها، وأسعار تكلفتها،ومع هذا لا تسأل أحداً من التجار لماذا لم تنزل بضائعهم السوق، ولماذا نسب الربح العالية جداً.؟ في العامين الماضيين جربت الجهات المعنية نشر فرق رقابية في الأسواق لحماية الأسعار لكن تحولت هذه الفرق إلى عمال جباية، يطوفون الأسواق يومياً لجمع إتاوات محددة من كل صاحب بقالة أو متجر.. ومن كان صومه متعباً، وامتنع عن الدفع وجدوا له ألف سبب وسبب لاقتياده إلى مركز الشرطة، وهناك لن يجد مفراً من دفع الأضعاف إذا ما رغب تناول الافطار مع أسرته.. وحينها فقط سيتعلم الدرس. ورغم أن المسألة هنا أخلاقية ويصعب ضبطها، إلا أن من واجب الجهات المسئولة البحث عن آلية مناسبة لحماية المواطن من الاستغلال البشع في شهر رمضان.. واقترح هنا أن تستفيد هذه الجهات من المجالس المحلية، فتنيط بها مراقبة السوق وفق قوائم سعرية ثابتة تصدرها الوزارة دورياً، وبذلك سيجد المستهلك في المناطق التي تتولاها مجالس مخلصة ونزيهة سوقاً بديلاً عن أسواق المناطق السائبة أو التي تتراخى مجالسها المحلية.. وهو الأمر الذي سينعش الحركة التجارية للأسواق المنضبطة، ويضرب الأخرى المتلاعبة بالكساد، ويضطرها إلى التراجع عن جشعها.. لا شك أن بوسع صناع القرار بلورة ذلك في أطر قانونية معنية، وبالتالي التخفيف من كاهلهم العبء الكبير والمسئوليات التي شق عليهم تحملها، وإلا فإننا ندعو المسئولين للنزول إلى الأسواق بأنفسهم، وسماع فوران الساحة الشعبية بأذنهم، ليقتنعوا بأن حجم الاستغلال بلغ حداً لا يطاق، وأن أغلب الأسر ماتت فرحتها بالشهر الكريم لانها لا تجد من يحميها من جشع التجار الذين جعلوا من رمضان شهراًَ للمعاصي والعياذ بالله.