خلالَ أقلِ من أربعٍ وعشرين ساعة سرَّبَتْ بعضُ دوائر السوءِ خبرين عن اليمن مُختلفين في الشكل مُتفقين في المضمون، الأول يتعلّقُ بنقل وحداتٍ تابعةٍ لقوات الاحتلال الأمريكي من العراق إلى بلادنا وإقامة قواعد عسكرية لمكافحة الإرهاب، والآخر يتحدّثُ عن وجود قواتٍ بريطانية في الأراضي اليمنية.. وعلى الرغم من أن هاتين الإشاعتين مُختلقَتان ومُنافيتان للواقع جملةً وتفصيلاً، وهو ما سارعَ مصدرٌ مسؤولٌ لنفيهما بشدّة، إضافة إلى إعلان موقف الحكومة الرافض بالمطلق للوقوع في براثن مثل هذا الفخ، وهي مواقف ليست وليدة اللحظة ، إلاّ أن هذين الخبرين والتوقيت الذي أُعلِنا فيه يؤكدان أن هناك أجندةً خفية وألاعيبَ قذرة تقفُ وراءها قوىً لا تريدُ لهذا الوطن الأمن والاستقرار، بل تعمدُ إلى زعزعته وإيجاد حالة من عدم الثقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، خاصة وأن السلطات تشنُّ حملة واسعة لملاحقة عناصر الإرهاب والتخريب في عددٍ من المناطق المختلفة. لنا نحنُ العرب والمسلمين تجاربُ كثيرةٌ مع مثل هذه الإشاعات والحملات الرخيصة التي تهدفُ إلى خلق نوع من البلبلة والتشويش والإرباك في الأوساط الشعبية والرسمية، لكننا مع الأسف الشديد، وبدلاً من أن نرصَّ الصفوفَ ونوحدَ الكلمة بوجه مثل هذه الافتراءات، نعمل على استثمارها عكسياً، فترى كلَّ واحدٍ يغني على ليلاه ويجتهد في إيجاد المبررات وإثبات مصداقية تلك الإشاعات، وكل ذلك بالتأكيد يصب في خدمة تلك الدوائر سيئة الصيت التي تعمل على التغلغل في أوساط المجتمعات لتمرير أجندتها وتفعيل حضورها ومد جذورها أفقياً وعمودياً.. وبصراحة أكبر، فإن مثل هذه الأحداث وردود الأفعال السلبية تجاهها تكشف بجلاء أننا لم نصل بعد إلى مرحلة النضج السياسي، ولا كيف نختلف حزبياً ؟ ومتى وعلى ماذا نختلف ؟ وأننا لم نفرق بين الحزبية والوطنية ؟ بل مما يؤسف له أن البعض يستميت كي يظهر على شاشات بعض الفضائيات ليروّج للإرهاب والعنف ويصب جام غضبه على النظام كي يغيضه حتى وإن مات الشعبُ بأسره . أكثرُ من خمسة وعشرين جندياً قتلوا خلال أقل من عشرة أيام فقط، هل رأينا بياناً واحداً يُدينُ عمليات استهدافهم ؟ وهل سمعنا مسؤولاً حزبياً يأسفُ فقط لمثل هذه الحوادث الإجرامية بحق حماة الوطن وجنوده البواسل ؟ بينما نجد تلك البيانات تصمُّ الآذان وتملأ الصحف والمواقع الالكترونية حينما يتم إيقاف صحفي أو مسؤول حزبي في إحدى نقاط التفتيش، على الرغم من معارضتنا لمثل هذه الإجراءات في حال خالفت الدستور والقانون ؟ هل سألنا أنفسَنا يوماً : لماذا يستشهدُ هؤلاء الجنود ؟ ومن أجل ماذا ؟ وهل كان الأحرى بنا على الأقل أن نُدينَ عمليات استهدافهم، ونقدم التعازي لأهلهم المكلومين جراء فقدانهم ؟ أمَّا أن نصمتَ بهذه الصورة، فو الله لهو الخسرانُ المبين . لماذا كل هذه المواقف السلبية من هكذا أحداث وجرائم يشيبُ من هولها الولدان ؟ ومن هو المستفيدُ من إضعاف الدولة ومؤسساتها ؟ وما هي المصلحة التي سيجنيها أيُ واحدٍ منّا ؟ وقد أضحى قُطّاعُ الطرق والقتلة والمجرمون والمخربون لا قدَّرَ الله منتشرين على الطرقات، يصولون ويجولون، ينهبون ويسرقون ويسفكون ،لا يردعُهم أو يزجُرهم أحدٌ ؟ هل فكّرنا ملياً في ذلك ؟ أم أن الاستهتار سيظل سيّدَ الموقف في مثل هكذا آراء حتى وإن كان سيقودنا إلى المجهول، وعندها لن ينفع الندم ؟ أخيراً .. أخاطبُ الجميع : إذا لم نتعلم من ديننا وقيمنا وأخلاقنا وتاريخنا متى وكيف نتفق ؟ وكذلك متى وكيف نختلف ؟ فلا ضير أن نتعلم من دروس غيرنا وتجاربهم، فها هو رئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفيد كاميرون، عقب فوز حزبه في الانتخابات الأخيرة وبمجرد إعلان النتيجة التي لم تؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده دعا خصمه السياسي في حزب الديمقراطيين الأحرار نيك كليج لتشكيل تحالف سياسي معه وقال : لنضع خلافاتنا الحزبية جانباً ونضع أيدينا في أيدي بعضنا لحلحلة أزمات بريطانيا .