في المسرح الاغريقي التاريخي كانت حالة التمازج بين المنطوق والمرئي تكثف الاتصالات غير اللفظية الواقفة في حد الترجمة المؤكدة للأصوات، تماماً كما هو الحال في الكتابة. وفي التراث العربي “ مسرح الحكواتي” الذي يعتمد على شكل من أشكال المونودراما الشفاهية التي يتمتّع بها الحاكي القارئ، ولعل هذا النوع من الفن الحكواتي خير شاهد على مركزية وأهمية الأداء الصوتي الشفاهي في نقل الحكاية، وما يحيط بها من عوالم وتعبيرات . على المستوى العربي العام سنجد ذات الثقافة الشفاهية متعددة الأنساق والأشكال، وأذكر منها مثالاً لا حصراً ما يلي: التعليم القرآني الأول في الكتاتيب والذي كان يعتمد على الحفظ والتلقين، ويعتبر الحفظ دون فهم عتبة انطلاق سابقة لفهم محتوى المادة المحفوظة، سواء كانت قرآناً كريماً أو شعراً. أصوات العمال الميامين المترافقة مع جهد العمل الشاق، وخاصة في الحقول الزراعية, وأثناء التشييد والبناء والاصطياد البحري، والتي كانت تحمل في طيّاتها الأنين والشجن، مما يمكن تتبع تدوينه الأساسي من خلال التسجيلات الصوتية المشهودة في بعض الاستعادات لتلك الأنساق الصوتية الغنائية الحزينة. حكايات الجدات التي أسهمت في نقل معارف الوجود والطبيعة والتاريخ، وكرّست لدى الطفولة خيالاً خصباً. الفنون البصرية المستندة على الحروفية العربية والقادمة أصلاً من الآيات القرآنية والنصوص الشعرية التي تكرّست في الذاكرة الصوتية قبل أن تتحول إلى فنون بصرية. على خط مُتّصل يمكننا تتبع أثر البُعد الصوتي الشفاهي في فنون التلفزيون والسينما والمسرح، مما يستحق وقفات قادمة. [email protected]