الكتاب يرافقني عند كل سانحة، وأنتهز دوماً سويعات الفراغ المتاحة لأقرأ كتاباً أو مطبوعة صحفية، وكثيراً ما أستمتع بمثل هذه القراءة أثناء السفر بالطائرات، وأحلم في المستقبل القريب أن لا أكون سائقاً لسيارتي حتى يتسنّى لي القراءة أثناء الانتقال بالسيارة من مكان لآخر. قراءاتي متنوعة، ولكنني أميل إلى قراءة الفلسفة وعلم الجمال والنقد الفني والرواية والشعر، ومن آنٍ لآخر أقرأ الكتب الفكرية والتاريخية، كما أعود لمستجدات العلوم الإقتصادية، عطفاً على مؤهلاتي الأكاديمية في هذا الجانب. آخر كتاب قمت بقراءته كان بعنوان (مطاردة البجعة السوداء) من تأليف كينيث ا. بوسنر وترجمة كامل يوسف حسين، وتنطلق فكرة الكتاب من نظرية البجعة السوداء المقرونة باستيهامات الأوروبيين الأنجلوسكسون، عندما وصلوا إلى قارة استراليا وهم لا يعرفون من البجع إلا ذات اللون الأبيض، فبدتْ لهم البجعات السوداء الاسترالية خارقة للعادة، وربما كانت فعل سحر قام به السكان الأصليون، أو صُدفة مشؤومة. غير أنهم بعد ذلك يكتشفون، اتساقاً مع قوانين تشارلز داروين، بأن الأنواع الحيوانية والنباتية قد تتغير لونياً، وبشكل راديكالي، لوجود صفات جينية مُتنحِّية قد تبرز بعد حين. هذه المسألة أفضت إلى القاعدة الفلسفية القائلة بالعلاقة بين الصدفة والضرورة، وهي رؤية تبحث في اللا متوقع، واللا مرئي، والمفاجئ وتؤكد ذات المعنى الفلسفي الذي يرينا أن كل صدفة نابعة من ضرورة ، وأن إدراك الإنسان لعالم الصدف نسبي للغاية. في هذا الكتاب بالذات استقراء لمعنى الغموض، وكيفية التنبؤ في البيئات المتغايرة والمتطرفة، وكيف يمكننا التفكير في الاحتمالات المختلفة، وهل بوسعنا بناء نماذج صادرة عن فقه التوقعات، وكيف يمكن لنظرية التوقعات أن تستوعب مفهوم المتغير، غير المُبرْهن عليه عقلياً وبرهانياً، وما إلى ذلك من مفردات حيوية. ملحوظة: في الأصل رد على سؤال لإحدى المجلات العربية، ولم ينشر الحوار بعد. [email protected]