الأجندات الإقليمية المختلفة والمُلتبسة بالحالة الصومالية ظلت تقرأ المشهد الداخلي الصومالي من خلال معاييرها الخاصة، وهذا أمر لاغبار عليه من حيث المبدأ، فلكل نظام حقه في “المؤامرة” الخاصة به، ليخدم مصالحه؛ لكن اختلاط تلك القراءة بتصفية الحسابات الإقليمية أثَّر سلباً على التسوية الداخلية في الصومال، وربما كان المثال الأكثر فولكلورية لهذه الحالة يكمن في موقفي نظامي اثيوبيا واريتريا المتناقضين حتى مخ العظم، كما أن المقاربات الاثيوبية واليمنية والكينية والجيبوتية تفاوتت في أُفق ما، وإن تقاربت في المحصلة النهائية . ومن الجدير بالاستعادة هنا، موقف واشنطن على عهد الجمهوريين، والذي اتَّسم بقدر كبير من الضبابية المقيمة في نتائج حملة “إعادة الأمل” الفاشلة.. وقد دأبت الإدارة الجمهورية على تعليق وتعطيل الحلول المُمكنة التي نبعت من مؤتمرات نيروبي وجيبوتي وأديس، وكانت تصر دوماً على أن عناصر الحل السياسي لم تكتمل، وقد سارت المنظومة الأوروبية على ذات الدرب ولو بصورة أقل حدة. تلك المقدمات هي الأساس الفعلي لما يجري الآن في “بلاد بونت” التاريخية النابعة من الثقافة الكوشيتية..العربسلامية أيضاً.. والحدث الأخير في كينيا يشير إلى درجة التداخل النسيجي بين الصومال ودول الجوار الإقليمي، ويفسر معنى رد الفعل عندما تكون العسكرية الإفريقية مُنخرطة في الحالة الأمنية الداخلية للصومال، وهو أمر يقض مضجع المُتطرفين التوَّاقين إلى حروب داخلية متجددة، يُترك فيها الصوماليون لأنفسهم، ويتفرج فيها العالم على مشهد لا يمكن محاصرة تداعياته على الإقليم والعالم برمته، والدليل الأكبر على ذلك أن الصوماليين الهاربين من جحيم البؤس وفقدان الأمن مازالوا يتدفقون إلى العالم الخارجي، وبالقدر نفسه يعود كثيرون لمجرد شعورهم بشيء من الأمل والهدوء النسبي، وقد يموت بعضهم في بحار الهروب الكبير، ويصبحون طعاماً لأسماك القرش، فيما يضطر آخرون إلى ممارسة أعمال صعبة مُتدنية، تحت وطأة الحاجة، وبما يذكرنا بما كان عليه حال النساء الألمانيات بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كنَّ يعملنَ كشغالات في عنابر الجنود الأمريكان! . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك