يقع العيب في صميم حياة اليمنيين وطرق عيشهم، وهو يرقى إلى مستوى القانون الداخل حيز التنفيذ والذي يخضع له الجميع من دون أن تكون هناك سلطة تسهر على تنفيذه. فما زالت قواعد العيب غير المكتوبة تحكم سلوك الجماعات والأفراد وتنمطه. حتى أولئك الذين يظهرون أقصى درجات التحرر بينهم من ينصاع لمفهوم العيب بطريقة او بأخرى. وقد يتماهى العيب مع ما هو خرافي ويحل أحياناً مكان القانون خصوصاً في ما يتعلق بجرائم الشرف وحالات الثأر. فثمة شبان استبقوا القانون في الثأر لذويهم انطلاقاً من اعتقادات قبائلية ترى أن من المخجل أن تقتص الحكومة من القاتل. ولطالما فقدت أسر كل من الأب والابن معاً في تصرفات من هذا النوع. ويمتد العيب إلى وسط كيان العائلة الواحدة. فسلطة الوصاية التي تعطيها الاسرة للولد على البنت تقوم على مفهوم العيب ومثل هذه التنشئة تتحول إلى سلوك عام يتجاوز ما هو عائلي محض ليطاول الغير. يتصرف الصبي المحاسب على الحافلة العاملة على خط السنينة - القادسية كوصي على الركاب. فإذا ما جلس راكب إلى جانب فتاة يطلب منه وضع حقيبته كعازل بينهما. وإذا كانت امرأة يطلب منها وضع طفلها أو طفلتها. فلا يزال الفرد في اليمن ينشأ ويترعرع تحت وطأة ثقافة العيب وما يفترض أنه مسببات الخجل. وعلى الرغم من حصول يوسف (27عاماً) على مستوى متقدم من التعليم إلا أنه وبحسب ما يقول لا يزال يضطر أحياناً للانصياع لكثير من قواعد العيب. ويذكر أن عند سفره إلى القرية يستبدل لبس البنطلون بالفوطة تجنبًا لتعليقات أهالي منطقته الذين يتهكمون على كل من يرتدي بنطلونًا. ويقول يوسف أن الأمر لا يتوقف عند ارتداء الفوطة بل ويتوجب عليه ألا يسربلها وإلا اعتبر من (المايعين)..! ويحضر العيب في الحكايات الشعبية كما في بعض الأغاني والتي عادة ما تحتوي مفردات مثل (ياعيباه) و(مش عيب عليك). وهناك من يعتبر مد الساقين أثناء الجلوس مع الآخرين عيباً، حتى أنه في بعض المناطق تطلق تسمية (الموسحات) على الإناث اللائي يمددن أرجلهن في المجالس. وأكثر العيب يصيب الإناث. وكانت بعض الفئات الاجتماعية مثل فئة السادة تطلق على بناتها أسماء مذكرة تنادي بها عليهن أثناء حضور الغرباء، ومن المشاكل التي تواجهها الجامعات اليمنية إصرار بعض الطالبات على وضع صورة البطاقة الجامعية لا تكشف عن الوجه أو إصرار بعض المتزوجات تدوين كنيتهن مثل أم القاسم او أم الحارث بدلاً من أسمائهن. وباستثناء القات قلما مارس الشباب عاداتهم مثل التدخين أو مضغ التمبل أو حتى الذهاب إلى السينما بعلم ذويهم. ولا يزال يعد سلوكاً معيباً عند البعض جلوس الشبان في مقاه أو شوارع معينة تنتشر فيها مغازلة البنات. وباتت مقولة (يخزن تمبل ويدخل سينما ويركب سيكل) لازمة تصف الشخص المنحرف. وقلما لقيت العادات التي رسختها ثقافة العيب نقداً جاداً أو حُظيت بنقاش من شأنه كشف اللامعقول الذي تنطوي عليه. وثقافة العيب ثقافة غالباً ما تتحول إلى عُرف رسمي كمنع الفتيات من السفر وحدهن بدعوى عدم وجود محرم على رغم أن القانون لا يشترط ذلك. وانحسار الشعور بالخجل لا يحدث سوى مع إحساس الفرد بأنه بعيد عن عيون الآخرين وأحكامهم. واللافت هو الفصام والازدواجية في تحديد الدوافع إلى الخجل وأسباب العيب. فعادة ما تجري أحاديث عن فتيات يخلعن النقاب والشرشف في صالة المغادرة في المطار. غير أن بعض اليمنيين في الخارج على ما يذكر محمد (29عاماً) يظهر مع أقرانه من اليمنيين سلوكاً محافظاً في ما يبدي انفتاحاً مع آخرين من غير أبناء جلدته. والمفارقة أن يتصاحب الخجل مع العمل في مجالات حديثة. فقد تفاجأ بصاحب مقهى انترنت يطفئ جهازك لشكه بأنك تتصفح موقعاً يعتبره غير لائق. وثمة مقاه تزيل من شبكتها او تفرض حظراً على مواقع دردشة محددة. ويأتي ذلك في وقت تلزم السلطات محال خدمة الانترنت إبقاء شاشات أجهزة الحاسوب في وضعية مكشوفة تسمح بمراقبتها وبعض المقاهي يزيد على ذلك بنصب كاميرات ترصد سلوك المستخدمين. والحال أن العيب بات عند كثيرين نمطاً مقدساً متملكاً من عقول يمنيين كثر ويوجه مسار سلوكياتهم بعيداً من أي عقلانية. فرؤية شخص يقضي حاجته في شارع عام أو بجانب سيارة قد لا يثير حفيظة الكثيرين بالقدر الذي يثيره حلق شنبه أو مشاهدة فتاة مكشوفة الرأس!