البرلماني بشر: السلطة الفاشلة تتخلص من مؤيديها وتلاحق معارضيها.. "كفى عبثًا"    عدن.. الحكومة تحظر استخدام العملات الأجنبية في المعاملات المختلفة داخل البلاد    أمن مأرب.. الإنجاز الجمهوري الفريد    إحباط تفجير عبوة ناسفة بالطريق الدولي في مودية    خونة الداخل.. من نهب الثروة إلى خدمة المخطط الصهيوني    استشهاد مواطن وإصابة اثنين بنيران العدو السعودي في محافظة صعدة    مركز تجاري في عدن يعرض تخفيضات هي الأقوى والأرخص ولم تشهد عدن واليمن مثل هذه التخفيضات منذ سنوات    حزب الله يدين الجريمة الصهيونية البشعة بحق الصحفيين في غزة    - وحث المصدر الأمني المواطنين على ضرورة الإبلاغ بأي معلومات أو تفاصيل تتعلق بتلك الأجهزة والمعدات، على الرقم المجاني لجهاز الأمن والمخابرات 100.    محمد تصحيح: عازمون على تحقيق الفوز الأول وإسعاد جماهير الرشيد    القرعة تضع تضامن حضرموت في المجموعة الثانية ببطولة الخليج للأندية    افتتاح معرض تشكيلي في صنعاء يجسد صمود غزة    عدن.. البنك المركزي يبحث آلية تغطية الواردات واستقرار الأسعار    السعودية ترحب بإعلان أستراليا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبإعلان نيوزيلندا دراستها الاعتراف بالدولة الفلسطينية    مدرب منتخب الشباب الوطني يعلن القائمة النهائية للمنتخب المشاركة في كأس الخليج العربي    معركة السلاح والهوية    شرطة المرور تدعو مالكي الدرجات الكهربائية الاستعداد لهذا الامر!?    مكتب الصحة بلحج ينفذ حملة رقابة على أسعار الأدوية    فرصة إمام جامع وضيعتها    النائب العام يوجه بحملات مشددة لمراقبة أسعار الأدوية وضبط المخالفين    مناقشة آليات التعاون بين وزارة الاقتصاد وهيئة الابتكار في مجال توطين الصناعات    ضمن 11 منشأة صحية.. مؤسسة خليفة تبدأ تأهيل مستشفى نصاب    مكتب المبعوث الأممي يرتب لوقف إطلاق نار محتمل في اليمن    المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر تدين محاولة اختطاف طفلة في ذمار    قصر شبام حضرموت النجدي بين الإهمال والخطر    فيديو وتعليق    كريستال بالاس يخسر استئناف «كاس»    انعقاد اللقاء الموسع لقيادات الدولة بقدوم ذكرى المولد النبوي الشريف    الكشف عن تفاصيل تعاقد النصر مع كومان    اتفاق مبدئي بين يوفنتوس وباريس على صفقة مواني    الرئيس الزُبيدي يعزي الشيخ صالح الشرفي بوفاة شقيقته    الاعلامي العربي محمد الدين غنيم: السامعي من ابرز الرموز الوطنية في اليمن    الأرصاد يتوقع توسع حالة عدم استقرار الأجواء    السفارة الهندية تعتزم نقل مكتبها القنصلي من الرياض إلى عدن    تراجع أسعار الذهب مع ترقب المستثمرين للمحادثات الأمريكية الروسية    احتجاج القادسية.. تصعيد وخلاف قانوني    اكتشاف مستوطنة نادرة على قمة جبل في بيرو    وفاة طفلين وإصابة 5 أشخاص من أسرة واحدة بصاعقة رعدية في حجة    5 أخطاء تحول الشاي إلى سم    إعلان نتيجة الدور الثاني لاختبارات الشهادة الأساسية    الإرادة تصنع المستحيل    هيئة الرقابة على المناقصات تدعو الجهات الحكومية لموافاتها بتقارير وخطط المشتريات    في ذكرى ميلاد المصطفى    استعدادات واسعة للاحتفاء بذكرى المولد النبوي    مزرعة ألبان رصابة بذمار.. بين التحدي والطموح    ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية في غزة إلى 61 ألفا و430 شهيداً    بهدف معالجة الصعوبات والمشكلات التي يعاني منها القطاع الصحي.. رئيس مجلس الشورى يلتقي وزير الصحة والبيئة    مرض الفشل الكلوي (16)    565 طالبًا وطالبة يتنافسون على 16 مقعدًا مجانيًا بالجامعة الألمانية الدولية – عدن    وصية الشهيد الإعلامي أنس الشريف ابن فلسطين درة تاج المسلمين توجع القلب    المحافظات المحتلة: بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور الوضع المعيشي .. مظاهرات وعصيان مدني في حضرموت وتعز واشتباكات بين المرتزقة    ناشط حقوقي يتلقى تهديدات بتصفيته وأسرته ويحمّل سلطات صنعاء المسؤولية    رسوم المدارس الحكومية (المخصخصة) وحرمان الطلاب.. "مشهد من أمام بوابة مدرسة"    كأس خوان غامبر: برشلونة يحرز اللقب بعد سحقه كومو الايطالي    وجع بحجم اليمن    شكراً للفريق السامعي الذي ألف بينهم    أحمد سيف.. الذاكرة التي لا تغيب وصوت الدولة المدنية    علماء يكتشفون أن نقص عنصر غذائي "شائع" قد يسبب الزهايمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مآلات الربيع الذي لم يُزهر بعد..!!
نشر في الجمهورية يوم 07 - 02 - 2015

لا تكون هناك جدوى لأيّ حراك شعبي ما لم يكن متأصّلاً بالوعي ومرتبطاً بالنُخب الوطنية، ولا تنفع الانتفاضة السلمية ما لم تكن ذات أهداف مرسومة وخطى محسوبة النتائج والعواقب، وما بين كل هذه المفاهيم يتيه الكثير، منهم من يرقب المستقبل ومنهم من يتخبّط في سراديب الماضي، وكلّهم يتجاذبون الحاضر .. عن تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا أتحدّث!
تونس.. الزهرة الوحيدة!
في بداية القرن التاسع عشر صدح أبو القاسم الشابي ببيت من الشعر بقي يصول ويجول لما يقرب القرن، كان ذلك البيت مثيراً للغاية ويدعو إلى الاستيقاظ من سبات أصاب كل من يعيش في ذلك العهد.
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
لم يستجب له أحد حينها، كان الشعب يومها لا يحبّ الحياة أو هكذا، ولأن الحياة التي يقصدها الشابي لا تُوهب هبة بل تُنتزع انتزاعاً كان للتونسيين كلمتهم حيال ذلك.
كلمة جاءت بعد ما يقرب من ثمانية عقود على صيحة الشابي، استجاب الشعب أخيراً وخرج بكل ما أوتي من قوة مستجيباً لنداء الحياة التي يريدها، ثورة أُشتعلت في أرض تونس وكان قبلها بأيام أشعل شاب يُدعى البوعزيزي نفسه ومات على إثرها ليعلن بدء الحياة التي قصدها الشابي منذ عشرة عقود.
تحوّلت مدن تونس إلى أمواج غضب تنكث ما استمرت تعانيه عشرات السنين، وخرج الشعب إلى الشوارع رفضاً لحالات العبث التي تسيّدت فترة من الزمن، وبات لثورة الياسمين ألقها وحققت ما أرادت، فكان غالبية الشعب إن لم نقل كلّه متفقين على طي صفحة من صفحات تونس، وبدء مرحلة جديدة من مراحل بلادهم يتسيّدها النجاح والريادة.
اجتمع كل التونسيين حول قياداتهم السياسية ودشّنوا معاً مرحلتهم الجديدة على أساس التوافق والتعاون وقبول الآخر، فكان للربيع فيها أن يُزهر ويبقى مزهراً، تلك هي تونس العامرة بالعلم والثقافة والتفوق.
بدا الخيار الشعبي متمكناً فأردى بالساسة في دهاليزه وهناك أصبحوا له من المخبتين، فنفذوا ما أراده وانتهجوا ما رسمه وسط سلسلة من الإجراءات كان لها أن ترادف النجاح وتأتيه، ولأن النفوس المريضة يكون لها وجود حيثما يتواجد النجاح، فكان أن دبّ الخلاف بسبب ذلك وكادت أيقونة التوافق التي تعلّقت بها آمال التوانسة أن تزول وهو ما قادهم مجدداً إلى أن يكونوا أكثر إصراراً في تمسكهم بمنهجية التوافق التي دأبوا عليها.
ولأن المرحلة حساسة ودقيقة للغاية، ولأن المحيط الإقليمي تتسيّده حالة استثنائية عمد ساسة تونس إلى جعل بلدهم حالة استثنائية من ذلك؛ فانتخبوا برلماناً ورئيساً في غضون شهر مطلقين بذلك المرحلة الانتقالية ومعلنين عن سريان الاستقرار السياسي في البلاد.
هكذا بدت تونس كزهرة وحيدة تدل على أثر الربيع ومبقية على أثره في شعبها، زهرة لم تذبل ونتمنى لها ألا تذبل.. ولأنها دولة يوجهها مثقفوها فكان لفنانها بوشناق أن صرخ ذات يوم حين بدأت الخلافات تدبُّ منادياً عليهم أن:
«خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلّوا لي الوطن».
فاستجيب لندائه وحوفظ على حلمه أن يظل عنده وطن؛ فبقيت تونس عامرة بما هي أهل له، وهكذا تكون الزهرة الوحيدة المتبقية من الربيع حية وباقية.
وبقي معه التونسيون يتلون آيات الرحمة على رفات الشابي، ويقدمون عبارات الثناء والشكر لبو شناق، وهكذا يُرفرف علم تونس ويصدح من أعالي جبالها:
أن قد انجلى الليل؛ وانكسر القيد، وآن أن ننطلق.. فبوركت تونس أرضاً وبوركت شعباً، وبقيت زهرتها متفتحة لا ذبول يراودها.
مصر.. الجدل قائماً!
ولأن هوس التغيير قد ارتسمت ملامحه وعمّت بشراه بعض ربوع العرب؛ فاتحته تونس وانطلق منها ليعم ما حولها؛ نحن الآن في القاهرة عاصمة أم الدنيا وشقيقة العرب الكبرى.
هنا حيث مدار القارة السمراء وكنانة العرب وواحتهم الأولى وملاذ الناس حين يريدون العودة إلى أمهم للمأوى؛ مصر العروبة ومنارة الإسلام وصاحبة الثقل في عرف العالم سياسياً.
بدأ الحراك إذن، وارتأى الشعب أن ينهج نهج شقيقه التونسي فأرعد وتوعد ثم خرج من تلقاء نفسه بحثاً عن نسيم الربيع القادم من صوب تونس.
ولأن الموعد تحدد كان للمصريين أن يجتمعوا في يوم ال 25من يناير 2011م ، اليوم الخالد في أذهانهم، والعالق في ذكرياتهم، والذي يأبى أن يموت، خرجوا شباناً وشيباً، نساءً ورجالاً، اختاروا أماكن عامة لها مكانتها بالنسبة لهم، التاريخ والعمق الديني والثقل الاجتماعي، هنا ميدان التحرير منه صيحة الشعب الثائر المتجهة صوب ما تبقى.
ثارت السويس وتبعتها القاهرة، ثم أنجدت مدينة الإسكندر قاهرة المعز، والتفت حولهما أسوان والشرقية، وسيناء، وبقية المحافظات، وهاج الشعب كهيجان بحريه الأحمر والمتوسط، وأصبحت مصر على طريق تونس مشرعة للتغيير ومعلنة ألا عودة إلا بحياة جديدة يتصدّرها خيار الشعب.
هكذا بدت سحب التغيير تملأ سماء مصر مؤذنة بأمطار غزيرة لن تتوقف إلا بسريان عهد جديد، تنحّى الرئيس واتجه الشعب صوب الجيش الذي آثر حينها الوقوف إلى جانبه، لم يتح الشعب للجيش كثيراً وضغط عليه كي ينقل الحكم إلى سلطات مدنية منتخبة.
بدأ ذلك يحدث فعلاً وتم انتخاب برلمان جديد أتبع برئيس جديد كان هو الآخر منتخباً بنسبة تجاوزت الخمسين في المائة، وذلك يعني أنه ليس خيار الجميع لكنه خيار الأغلبية كما تقتضي ذلك الديمقراطية المعمول بها.
لكن حالة الخلاف بدأت تنتشي مباشرة عقب ذلك، وساد الاستقطاب السياسي كل شيء حتى المجتمع، وأصبح كل طرف يلقي باللائمة على الآخر، فالمؤيدون يسوقون دلالات عدة ليعطوا فرصة إثبات أنفسهم، والمعارضون يستنتجون المعاذير لمناوءتهم تحت مبرر عدم القدرة وغياب الخبرة.
وما بينهما بقيت مصر مثار جدل ومحل خلاف حتى تأثر الكل وتنادى المعارضون ومن أيدهم على الرئيس المنتخب ونادوا لتظاهرات عارمة أدت في الأخير إلى عزله من منصبه ؛ وما بين الجانبين تبقى مصر تعيش مرحلة يتصدّرها الجدل.. هنا الربيع يقول البعض فيسكتهم آخرون ليس للربيع منا وفينا نصيب يُذكر.
اليمن.. في زاوية واحدة!
بعيداً عن إفريقيا ولكن في الوطن العربي أيضاً، الرحلة مستمرة وسحب التغيير قد عاينت أرض اليمن من سمائها، في جنوب شبه الجزيرة العربية نحن الآن، حيث كل الجمال وشعب يُراود الآمال.
في صنعاء تساقط المطر متقطعاً خلال يناير، وفي الليلة التي تنحّى فيها رئيس مصر انهمر المطر على تعز، ومنها اشتعلت الثورة الشبابية وأنار شررها كل اليمن يومذاك.
بدت كل المقدمات ملائمة في نظر الكثيرين لبدء دوران عجلة التغيير في اليمن، وهو ما كان حقاً حين انساقت قوى المعارضة وكثير من قيادات النظام يومها خلف دعوات الشباب مؤيدين ومناصرين، كانت اليمن على موعد مع ملامح أخرى اختلجتها رياح مثيلتيها في التغيير، تونس ومصر.
هبّت نسائم الربيع إذن، نسائم الحرية المبتغاة، تُراود كل من ألقى السمع وهو شهيد، كل من بلغ الحلم، وكل من تأتيه أحلامه ضغثاً ولا يرى في واقعه منها شيئاً، كل هؤلاء تجمّعوا، صاروا ربّان سفينة التغيير في اليمن، ينشدون غداً بألحان الحاضر التي ابتكروها، ولا يرددون من ماضيهم غير أبيات أبي الأحرار والبردّوني ومن شابههما في النضال.
بعد تعز وصنعاء كانت إب في الموعد وكذلك الحديدة وحضرموت وعدن، ولحقت بها بقية المحافظات، دقّت ساعة الحقيقة وكان الثوار على موعد مع أيام قاسيات، واتجه السياسيون نحو ثقوب الأمل التي تساير خيار الثورة لعلّها تُنهي الاستقطاب المحتدم ولم تفلح، إلا بعد تسعة أشهر من اندلاع شرارة فبراير.
كانت المبادرة الخليجية في نظر المراقبين خياراً مرحلياً لإنهاء الاحتقان الدائر والسماح للتغيير بالنفاذ ولو ببطء، اتفقت القوى السياسية بموجب المبادرة على تشكيل حكومة توافقية ثم انتخابات لرئيس توافقي، ثم حوار، ثم إنهاء للمرحلة الانتقالية يتمخض منها نظام جديد على أساس دستور جديد يصيغه اليمنيون.
مضت الأمور على حالها، وبدأت بعض البنود ترى النور، ثم فجأة طرأت طوارئ في معادلة الملعب السياسي وفرضت نفسها ككيان لا يمكن تجاوزه، باتت ثورة فبراير عبئاً في نظر البعض، وآخرون لا يزالون يصدّون عنها التهم وبها يحتمون، كان ذلك رديفاً مهماً لانطلاق أحداث متسارعة فرضت حلاً جديداً سمّي يومها باتفاق السلم والشراكة، على إثره تحددت ملامح جديدة وفرضيات مستجدة يجب التعاطي معها وعدم تجاوزها.
ليبيا.. احتدام الصراع!
نعود إلى شمال إفريقيا حيث العرب مجدداً، في بلد عمر المختار، جارة تونس ومصر، في الثرية ليبيا.. كل ما حولها استفز أبناءها، فارتأوا أن يكون لهم نصيبهم من الربيع، ثلاث أزهرت من حولهم فلِمَ لا تكون بلادهم الرابعة؟!
هكذا تساءل الشباب الليبي، ثم أجاب، وخرجت بنغازي معلنة عصيانها لأربعين عاماً من الزمن الماضي قضته تحت حكم القادم، يومها صدح الجميع بصوت واحد:
سوف نبقى هنا كي يزول الألم!
هذا ما كان يحدوهم وهم يستشرفون مستقبلهم بعيداً عن التكدّسات التي عكرت عليهم أربعة عقود ماضية، واتفقوا على صفحة عنونوها بالتضحية مهما كان الثمن، وهو ما كان فعلاً، وتخلّص الشباب الليبي والشعب عامة ممن كانوا يريدون التخلّص منه، واتجهوا فعلياً إلى وضع اللبنة الأولى لليبيا بعد ثورة السابع عشر من فبراير.
مضى الليبيون في الدرب كما يريدون، ممتطين صهوة التغيير على خطى الجارة تونس، ولكن سرعان ما حصلت العثرة وتسيّد الخلاف المشهد، ونبتت مصالح وأحقاد على إثرها ساءت الأوضاع وطرأت مشاهد لم تكن في الحسبان.
ظهر الصراع مجدداً، ولكنه صراع الثورة مع الثورة، صراع تبادل الاتهامات وادعاء الأحقية بتمثيل الثورة ومنع الآخرين من ذلك، بدا وكأن ليبيا تنحى منحىً سيئاً للغاية، وتفجّر الوضع عسكرياً، وشاب القتال والمواجهة العسكرية فرق الثورة المسلّحة حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم.
الربيع في ليبيا محترق وزهرته طغى عليها الصيف وأحرقها، فلم تعد ليبيا قادرة على فعل شيء يُذكر لأبنائها، حتى بقاءها لمواجهة الألم يزيدها فوق ألمها ألماً.
سوريا.. المأساة مستمرّة!
دارت الدائرة وواصل الربيع رحلته حتى وصل سوريا، ها هو ذا في عروس الشام، في أرض الياسمين، البلد الذي تنداح منه عطور الأزمنة، وعبق التاريخ والحضارات المتعاقبة، وأول دولة إسلامية بعد حكم الراشدين.
ها نحن أولاء في أوّل عاصمة في التاريخ، في دمشق، ولكن قبلها أخذت درعا على عاتقها جذوة الثورة منذ مارس2011م، وتحملت عبئاً ثقيلاً قادها إلى مواجهة هول المجهول، وعواصف أخرى كان ثمنها باهظاً.
ثم توالت احتجاجات الشباب السوري، والتف حولهم من التف، وراودت الثورة الكثير منهم حتى آمنوا بها، وأصبحت بالنسبة لهم ملاذاً للمرور نحو التغيير المؤمل، وما إن تشعّبت القوى المناهضة للماضي وتعددت حتى ساد العنف وقوة المواجهة، باتت سوريا ساحة صراع ساخنة الأحداث ودامية في الوقت ذاته، نادى الثوّار وتنادوا ولكن لا مجيب ولم يبقَ لهم إلا أن يقولوا: يا الله ما لنا غيرك يا الله.
ووجهوا بالعتو والجبروت، فقُتل الآلاف، وهُدمت مدن بقدرها، وتحولت سوريا إلى مأساة لا نهاية لها، يتجاذبها الكل دون استثناء، ويرون إنها تعكس أطماعهم ومصالحهم حتى على سبيل المقايضة.
هكذا ينشد الغرب حظه فيها، وكذلك يفعل اللاعبون الإقليميون بالنظر لما حولها، لا يريدون لسوريا شعباً أن يكون في الصدارة، ولذلك عمدوا إلى دعم التجييش والتحشيد الذي يفتح على سوريا النار، ويحافظ على استمرار لهب الصراع؛ ليضمنوا فجوة دائمة في الوطن العربي.
يتحمّل النظام السوري والمعارضة على حد سواء جزءاً كبيراً من المأساة القائمة هناك، المأساة المستمرة، المأساة التي تقود سوريا بل وقادتها إلى الجحيم.
لم يُكتب للربيع في سوريا أن يُزهر كما كان مؤمّلاً ومتوقعاً، بل احترقت زهرته، وماتت وتلاشت معها كل ما عُلّق من آمال وتطلّعات.. تنتظر سوريا ومعها السوريون افتكاكاً عاجلاً لحالة الخنق والضيق التي صُدموا بها نتاج قراءة خاطئة لواقع حشروا أنفسهم فيه من حيث لا يعلمون.. وينتظر العرب ما هو أجدى لفسيولوجياتهم كي يتعاملوا معها كمنقذ من حالات اللا إدراك وعدم الاستيعاب الدائم للمتغيرات، علّهم بذلك يُخرجون أنفسهم من جنح الظلام الذي طال أمده، وزادت مدّته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.