عباس الديلمي أحسست بضيق يتراكم في الصدر جراء التراكم الناتج عن نشرات الأخبار، وقراءة بعض ما تكتبه الصحافة الورقية والإلكترونية، فتذكرت مقولة الإمام علي -كرم الله وجهه- «رفهوا عن هذه القلوب فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد» ولمرور عامين على عدم سفري إلى الخارج.. اتخذت قراري قائلاً: ليس هناك غير مدينة ذمار مهد طفولتي الأولى، وكم انا محتاج لأغسل قلبي بنكات ظُرفائِها وتعليقاتهم الجميلة وسرعة بديهاتهم.. اتجهت نحو ذمار بكل ثقة واطمئنان على حياتي وسيارتي لثقتي بالإجراءات الأمنية المستجدة وتأمين الطرقات التي تربط صنعاء بالمحافظات المجاورة بطائرات مروحية كما حملت إلينا بشرى ذلكم الخبر.. وصلت ذمار بسلام وقصدت مقيلاً أعرف تميزه عن سواه، دخلت فجأة على رواده وبعد أن أحاطوني بكل حفاوة المحبة وعاد كل منهم إلى مجلسه، طلبت منهم تشغيل جهاز التسجيل الذي أوقفوا شريطه للاحتفاء بضيفهم.. وعند تشغيله وجدت أنهم كانوا يستمعون إلى أغنية للفنان المرحوم محمد أبو نصار يقول مطلعها: يا مجلس الأمن ذل المستهام اليماني وهوه كريم الحسب انظر لحالي فلو عانى جبل ما أعاني خارت قواه واقتلب أنا مطالب بجلسة عاجلة في ثواني (يحيى حسين) اغتلب وبعد انتهاء الأغنية انبرى أحد الحضور لإيقاف الشريط وسألني: هل تعرف هذا الشاعر فقلت : نعم.. هو الشاعر يحيى حسين حميد الدين من أبناء مدينة رداع وهو أخو صديقي الفنان المرحوم محمد أبو نصار، فقال: يبدو أن من أحبها وأذلته بقسوتها وتعاليها لديها من الحلفاء أو من الشركاء ما جعله يلجأ إلى مجلس الأمن للنجدة بعقد جلسة عاجلة في ثوان، فقال آخر: ألم تسمع أنه من آل حميد الدين، أي من بقايا النظام الإمامي السابق ولن يجد من ينصفه ويقف معه غير الأممالمتحدة ومجلس الأمن.. فرد عليه بلهجته الذمارية بالقول: "يا عيباه" ليش ما يلجأ إلينا مادام من محافظة البيضاء الجارة والشقيقة. هنا تدخلت وقلت: هذه القصيدة قديمة، وأعتقد أنها كُتبت في بداية سبعينيات القرن الماضي، قبل أن نعرف جمال بن عمر والمبادرة الخليجية والانتقال السلس، والضغوط على معرقلي التسوية والهيكلة.. قال أحد الجلوس: إذاً فعلاقتنا بمجلس الأمن قديمة ومتشعبة وتشمل حتى الجوانب الشخصية والعاطفية، قلت اسمحوا لي بدقيقة واحدة لأقول: لا تستغربوا مما ورد في قصيدة الشاعر يحيى حسين ،فاليمني مسيس بطبيعته.. حتى المرأة الأمية في الريف، فمنذ سماعهم عن مجلس الأمن عبر جهاز الراديو استحضروه حتى في غناوي المرأة الريفية ومما سمعته وأنا في سن العاشرة على لسان امرأة ريفية قولها: "يا مجلس الأمن انتبه على الحب من قبل ما شمس المحب تغرب" فقال أحدهم: صدقت، علاقتنا بمجلس الأمن قديمة ومتميزة، ولعلكم تتذكرون الفنان محمد البصير وهو يغني في أسواق ذمار بأغانٍ شعبية منها: «يا مجلس الأمن الحبيب عاند لا طاب مَقْيل أو هنيت مرقد» و«يا مجلس الأمن الطريق مسدود وانا مؤمل دعم غير محدود» وهنا علق أحدهم بقوله: يا الله كم نحن بسطاء حتى في علاقاتنا العاطفية وأن تأثرنا بالعُقدة اليزنية -أي الإستعانة بالغير- لازالت مستحكمة فينا وعلى مختلف المجالات، تصوروا أن امرأة مُحبة قد طالبت بعقوبات عسكرية دولية لمعاقبة من يعكر الأجواء بين المُحبين وقالت في غنوتها: "من روسيا لا الصين لا الفلبين غارة على من فرَّق المحبين" ضحك الجميع وقال أحدهم: الحمد لله أنها لم تطلب التدخل من حلف الناتو وإلاّ كانت طائراته قد قصفت قرية هذه المسكينة أو كان استغل دعوتها لاحتلال اليمن أو تدميره لأسباب إنسانية وبتأييد من جامعة الدول العربية.. وفي غمرة الخوض في هذا الموضوع، وبلورة فكرة بحث عن مجلس الأمن في الأغنية الشعبية اليمنية ونشره بمناسبة زيارته لبلادنا، إذ بصوت دراجة نارية يخترق حاجز الصوت في المقيل، وكأنه اقتحم المنزل ليغتال المطلوب من الحضور، فصمت الجميع وتلاشى الخوف بعد تلاشي ذلكم الصوت ليضحك أحد الحضور ويقول: بالمناسبة تصوروا أني هددت خالي الرافض إعطاء والدتي ما يخصها من إرث جدي، وكتبت له تحت صورة لدراجة نارية "يا خال نريد القسمة، وشرع الله" تصوروا بماذا أجاب؟! لقد فهم ما أعنيه وكان رده على الورقة نفسها وفوق صورة الدراجة النارية ما يلي: "قل لامك التي بتحرضك عليّ إذا مع ابنها مُتُر صيني بلا (خوصة) مع عيالي مُتُرات تركية ماحد يسمع لهن صوت". ضحك الجميع من رد خال صاحبنا وسأله أحدنا بقوله: وماذا ستعمل بعد هذا الرد من خالك الرافض للقسمة، قال: سأغني أمام مكتب الأممالمتحدة في صنعاء وأقول: "يا مجلس الأمن، الحقير مديون شاكسر عسيبي واستجير ب(كيمون)" ضحك الجميع وقال له من بجانبه: ومن كذب؟ فأجاب مُغنياً: "ومن كذب ملعون ابن ملعون" ضحكنا ثانية وقال له أحدنا: أنصحك ان تغني هكذا: "يا مجلس الأمن ارحموا عيالي واتدخلوا بيني وبين خالي" استحسن الحضور الفكرة وألقى أحدهم بتساؤل وقال: يا للمُتُرات في بلادنا كيف تحولت من دراجات بخارية إلى نارية كما تحولت الأسلحة من أسلحة بيضاء وتقليدية إلى أسلحة نارية.. فقال أحد الحضور: وما رأيك بعد أن تم ترقيمها؟.. فكان الرد: ستقتل وتخطف حقائب النساء وان رقمت شأنها شأن السيارات التي تقتل وتخطف.. بعد تغطية أرقامها والعبث بها، أهم شيء طريقة "الهربه" ومن يلاحق مَنْ.. رد عليه صاحب السؤال السابق بقوله: يبدو عليك تريد منعها.. أجابه: نعم منعها آمن وأضمن، وعندما سألوه بالقول: وارزاق الناس والأسر المعتمدة على دخلها من الدراجات النارية، أجاب ببساطة، لديّ الحل، قيل له:وما هذا الحل السحري..؟ قال: توظفهم الدولة في الخارجية، فقد اضرب موظفوها وأغلقوها لأشهر ولم نتأثر أو نشعر بشيء، كما لم تتأثر بلادنا وسياستنا الخارجية من عدم وجود سفراء لنا في أكثر من ثلاثين دولة بما فيها الدول العظمى، المهم يُسَكَّنوا ضمن طاقم الخارجية ويستلموا مرتباتهم الشهرية.. و(يسكهونا شغلتهم).. اعترض أحد الحضور وقال: هذا ليس حلاً عملياً، لأنه سيكبد الموازنة (الترليونية) للعام 2013 حملاً إضافياً كون مرتباتهم ستكون مرتفعة كموظفي وزارة خارجية ومنهم من سيطالب راتبه بالدولار.. أجاب صاحب المقترح وقال: إذن تتم إضافتهم إلى المجندين الجدد -محل الخلاف بين وزارتي المالية والدفاع- اعترض البعض على هذا الرأي وكان مقترحهم أن يتم إضافة سائقي الدراجات النارية إلى كشوفات المجندين كمرافقين وحماية.. استمر الأخذ والرد إلى أن توافق الجميع على حل مشكلة منع الدراجات النارية "الأجرة فقط" بتأمين معيشتهم بتشكيل لواء عسكري أو أمني منهم يسمى لواء المُتُرات على غرار ما هناك من الوية.. وستتم الاستفادة منهم عند الحاجة، أو عند الاستدعاء لأداء مهمات معينة.. أكتفي بهذا الملخص لما دار في مقيل ذماري، كان فيه من الترفيه على القلب بالنكتة والطرفة والأدب الشعبي.. ما يغسل شيئاً من الهموم ويقوي بالضحك عضلات القلب والوجه، وأملي ألاّ يُفسر الأمر بعيداً عن جوهر الأمر الذي لا يحتمل التفسير.