على الرغم من أن دبي نفسها لم تتوقف على مدى سنوات طويلة عن إدهاش العالم بحيويتها وإنجازاتها وقدرتها على تجاوز المتوقع والمألوف، إلا أنه يبدو أن الناس باتوا معتادين على رفع سقف توقعاتهم عندما يتعلق الأمر في الإمارة، وباتوا ينظرون إلى ما تحققه من تطورات متسارعة وإنجازات ك"أمر عادي"، نظراً لكونها باتت تحلّق خارج نطاق المنافسة . يفسر ذلك مرور إعلان الإمارة قبل أيام عن تجاوز حجم تجارتها الخارجية 2 .1 تريليون درهم بهدوء كبير، وكأن رقماً بهذه الضخامة بات عادياً في بحر الأرقام القياسية التي تحققها دبي . لكن نظرة فاحصة إلى هذا الرقم توضح أنه يعادل أكثر من نصف تجارة الوطن العربي من شرقه إلى غربه، وهو يعني أيضاً أن دبي تتعامل شهرياً مع 100 مليار درهم، أي ما يزيد على 3 مليارات درهم يومياً . وإذا اعتبرنا أن دبي تعمل نهاراً وليلاً، وهو ما يحصل بالفعل، فإنها تبرم كل ساعة صفقات مع العالم الخارجي بمعدل 125 مليون درهم أي بواقع مليوني درهم كل دقيقة . وخلال الفترة الوجيزة التي يستغرقها المرء في قراءة هذا المقال، التي لا تتجاوز بضع دقائق، تكون دبي قد أبرمت صفقات مع العالم الخارجي بعشرات ملايين الدراهم، ويكون قطاعها التجاري الداخلي قد تعامل بملايين مماثلة أيضاً، واستقبل مطارها الدولي 7 آلاف مسافر في الساعة، وقام ميناؤها البحري بمناولة مئات الحاويات، واستقبلت مراكز تسوقها آلاف الزوار . وتجسد هذه الأرقام حيوية الإمارة التي وصفها كتاب أمريكي، أنها نموذج لمدن المستقبل القادرة على جذب الكفاءات الذكية، ما يجعلها مكاناً خلاقاً للعمل والعيش، وقادرة على المنافسة والتقدم على المستوى العالمي . إنها أرقام مذهلة تعكس مدى النشاط والحيوية التي باتت الإمارة تتمتع بهما على المستوى العالمي، فنحن لا نتحدث هنا عن مدينة بسكان مومباي أو نيويورك أو لندن، ولكن عن مدينة سكانها مليونا نسمة في الليل وثلاثة ملايين في النهار، عن مدينة في دولة لا يتجاوز عدد سكانها العشرة ملايين شخص . كما تؤكد كل هذه الأرقام، أن دبي عادت مجدداً للتفوق على نفسها . . فهي على ما يبدو مصرّة على تحطيم الأرقام، فما حققته قبل أزمة 2008 من تطور ونمو، عادت لتسجيله مجددا وبمعدلات نمو أعلى، ولكن هذه المرة بدقة وحرفية وتوازن وعزيمة، وما كان البعض يعتبره مستحيلاً أصبح واقعاً تعيشه شوارع الإمارة، وتتناوله أركانها المختلفة ويلمسه زوارها ابتداء من لحظة وصولهم إلى مطارها وحتى مغادرتهم منها . فالدهشة ترتبط عادة بالأمور غير المتوقعة، ولهذا كان الناس يُدهشون مع كل إنجاز تحققه الإمارة، غير أنهم باتوا اليوم يعرفون أن الإنجازات المتتالية لم تكن مجرد ضربة حظ، كما كان أغلبهم يعتقد في الماضي، وإنما نتاج رؤية مستقبلية واضحة المعالم، تجمع بين بعد النظر والطموح اللامحدود . دبي مدينة المستقبل ولهذا أحبها الجميع فأحبتهم أكثر .