بعد غزو الكويت ومن منظور أطراف لمصالحها أو للمصلحة العربية فهي كانت تتمنى تحرير الكويت ما أمكن ببديل غير التدخل الدولي، والمنظور المصالحي لفرنسا تحديداً مثلاً أو حتى روسيا ودول أخرى هي مع هذا الخيار فيما استراتيجية أمريكا أساساً ثم حسبة مصالحها جعلها مع فرض خيار التدخل الدولي لتحرير الكويت. فأمريكا كانت تتمنى بل ربما تسعى بكل السبل والأشكال غير المباشرة لحدوث مثل هذا الغزو وفرض التدخل في هذا التوقيت كمفترق طرق صراعات بانهيار ثقل الشيوعية "السوفيت" ومفترق طرق مصالح. البديهية إذاً أن أمريكا لم تتدخل لتحرير الكويت فقط ثم لم تمارس غزو العراق بعد أكثر من عقد من أجل إقصاء نظام ديكتاتوري أو لينال العراقيون حرياتهم فقط، فمصالح أمريكية هي التي تفرض أو تستوجب حروب أمريكية وليس مصالح آخرين، لكن يمكن القول ومن ثم مصالح لآخرين. أمريكا من هذا الوضع المصالح قبل ما يفرضه الغزو المباشر من مسؤولية أخلاقية أمام العالم ما كانت لتغزو العراق وتقصي النظام ثم تتركه في حالة من مشهد الصومال أو كما أفغانستان بعد تحريرها بالجهاد الإسلامي من السوفيت. فالقدر من النظام الذي حوفظ عليه في العراق هو بفضل القوات الأمريكية وبمنظور أمريكي يمارس التوافقات مع الديمقراطية ومع أثقال في الواقع أو المؤشرات الأهم أو الأكثر في هذا الواقع كما إيران، ولهذا فحكومات ثقل الشيعة الموالية لإيران ذات التطرف في العداء لأمريكا من تطرف فكري ومذهبي- هذه الحكومات- هي التي توافقت مع المصالح الأمريكية في العراق ووقعت اتفاقات تعني أو تعنى بهذه المصالح الأمريكية، فيما كان التصور حين غزو العراق أن تصبح حكومة شيعة في العراق موالية لإيران وراعية للمصالح الأمريكية في ذات الوقت. إيقاع الصراعات داخل العراق والأكبر ثم وقع وواقع الصراعات الأكبر تفرض مثل هذا واقعاً أو كأمر واقع ليصبح أفضلية لأضداد أو أطراف متضادة. في الديمقراطية الطائفية كما لبنان أو ذات الاصطفاف الطائفي كما الحالة العراقية عادة ما تكون محورية الخلاف هي تشكيل الحكومة وأحياناً يمتد التأخير إلى قدرٍ من التعطيل وهذه الديمقراطية كطائفية أو اصطفافاً تفضي تلقائياً إلى رئيس ضعيف أو تضعفه تلقائياً كاستثناء ليس فقط بالمقارنة مع بلدان المنطقة ذات التفاوت في مسألة الخيار والهامش الديمقراطي بل بأي بلدان ديموقراطيات عريقة تمارس انتخابات رئاسية. فأهمية الانتخابات في العراق لا تأتي من انتخاب رئيس الوزراء أو الحكومة كما في بريطانيا وإسرائيل ولا من أهمية انتخاب رئيس للعراق كما في الولاياتالمتحدةالأمريكية وإنما من مشترك تنافر وتنافس الاصطفاف السياسي الطائفي. إنه نظام بلا رأس أو رئيس لنظام بأقل من وضع ووزن أو صلاحيات وقدرات رئيس نظام بشيء من وضع الرئيس في أمريكا أو رئيس حكومة بريطانيا وحسب معيار وواقع وثقل كل بلد. في إطار تفعيل ثقافة الديمقراطية الطائفية أو اصطفافها على مدى أبعد نتبنى مشاهد أو معطيات منها في شكل وتشكل الواقع بشكل غريب، ففي فترات يكون بشير الجميل "الكتائب" في لبنان وهو خارج الحكم أقوى من الرئيس اللبناني أو يكون رفيق الحريري وهو خارج الحكم كذلك أقوى من رئيس الحكومة. مجرد حسبة رئيس العراق على الاصطفاف الكردي وتبنيه في القضايا الأهم رؤى الحكم الذاتي للأكراد يضعفه كرئيس للعراق، وإذا التشريع في لبنان يعطي منصب الرئيس لمسيحي ومنصب رئيس الوزراء لمسلم فرئيس الحكومة يتعامل بأنه الرئيس المنتخب للمسلمين وليس رئيس حكومة معين من الرئيس وفي هذا إضعاف للرئيس. إذا عدنا للانقلابات والصراعات على الحكم في بلداننا، فهي ظلت تستهدف رأس النظام والوصول إلى بديل كرأس نظام، وحيث أثقال في الحزب الاشتراكي لم تكن تستطيع إقصاء أو تنحية عبدالفتاح إسماعيل إلاّ بتنصيب علي ناصر محمد كبديل فذلك ما سارت فيه حتى إقصاء "فتاح" واستدعائه للإقامة بموسكو، ومن ثم بدأ طرح ما سميت القيادة الجماعية أو أن لا يجمع علي ناصر محمد بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب كما هو ممارس في كل بلدان الأحزاب الشيوعية والقومية بل عليه أن يختار إما منصب رئاسة الحزب أو رئاسة الدولة وذلك بين ما تفاعل صراعياً وأفضى إلى مجازر 1986م. البنية الصراعية في المنطقة المتصلة بلبنان كبلد مجاور لفلسطين المحتل تقدم حزب الله البطل القومي من خلال بطولاته في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي جنوبلبنان حتى تحريره وإلى مستويات أبعد من ذلك. البنية الصراعية الطائفية للديمقراطية في لبنان هي التي دخل منها حزب الله كثقل من تموضعه في الصراع بنجاحاته وبطولاته، وهو لذلك فرض على واقع لبنان تجاوز تقسيمات اتفاق الطائف وكثقل لشيعة توالي إيران ولم تكن في اتفاق الطائف بالحسبان. فالشيعة باتت صفاً بين صفوف أو اصطفافات مذهبية إسلامياً غير الاصطفاف مذهبياً وإسلامياً. فالديمقراطية تتطور بتطور الصراعات ربطاً بصراع مع إسرائيل أو تموضع إيران في الصراعات، وهي تتطور واقعياً بمثل هذه الإضافة للصفوف والاصطفافات صراعياً وذلك لا يمثل إضافة نوعية ولا واعية للديمقراطية. أي بلد لديه مشروع أو وصل إلى قناعة بالخيار الديمقراطي فبقدر امتلاكه مشروعاً واعياً وواقعياً وله في التنفيذ مصداقية يستطيع تصعيد نجاحاته بحسب وضع وظروف ووعي كل واقع. إذاً لا وجود لمثل هذا المشروع أو يصار إلى استشكالات وجوهر المشروع شكلياً أو أهدافه شكلية، فالتطورات على مدى قريب أو بعيد قد تفضي إلى مشاريع من هذا النوع ليس بالضرورة أن تنفذ بنفس أو لنفس ما جرى في لبنان أو العراق. الأنظمة يفترض أن تتعامل مع المعارضات بوعي يشمل مثل هذه التطورات المحتملة أو لا يهملها، والمعارضات يفترض أن تتعامل مع الأنظمة بوعي أوطانها وواقعها وليس بوعي صراعاتها. من السهل أن يؤتي بمناظر أو دكتور عراقي في فضائيات مثل "الجزيرة" أو "الحرة" أو غيرهما ليدين التجارب والانتخابات الأخرى التي تكرس "الرئيس الأوحد" والأشرف إلغاء الانتخابات والعودة للاستفتاءات الشكلية لإضفاء الشرعية للحاكم. أليس من حق العراق كوطن أن يكون لرئيسه وزن وثقل رئيس الحكومة الإسرائيلية. إذا أصبح الحكام العرب هم كما حالة لبنانوالعراق.. فهل ذلك ما يرضينا كاعتزاز بالديمقراطية وبالأوطان؟. ليس بمقدور أمريكا ولا غيرها فرض مثل هذه المشاريع على مدى منظور أو أبعد لكلفتها ولما في الواقع من صعوبات، ولكن إن مرت وتوالت العقود وعقولنا وتفكيرنا ووعينا جامد في الصراعات أو مجمد بها ضمن الوارد إحلال مثل ذلك في الحالات المواتية وبتدرج بعيد ليقدم "نماذج" تستخدم للحملات الإعلامية والنفسية وستكون ذات تأثير. بالرغم من الإثارة المتميزة وتميز الإبهار في تقديم الانتخابات العراقية لأبناء المنطقة أو على مستوى أوسع ولكن أميريكا بعد أكثر من سبع سنوات لم تنجح في تقديم "قدوة" ديمقراطياً أو أنموذج إبهار حقيقي التأثير من الحالة العراقية. الصراع مع إيران سيظل أولوية أمريكية مرحلية بما تستوجبه تكتيكياً وما تفرضه من تكتيكات غير افتراض استعمال هذا الصراع استراتيجياً وتكتيكياً في ذات الوقت في التعامل مع المنطقة أو الأثقال الأخرى في العالم. ماهو استراتيجي ومرحلي أو تكتيكي بأي مراحل في هذا الصراع والتعامل به ومعه ليس لصالح التعجيل بمشاريع "دمقرطة"، كما تتمنى معارضات عربية غير الموازية لهذا الصراع كحرب ضد الإرهاب. الأرجح أن المعارضات العربية ستسير في خط ووعي الحرب الباردة، كما سارت الأنظمة في ظل تلك الحرب حتى مشاهد الحرب العراقية- الإيرانية وحروب الجهاد ضد الإلحاد في أفغانستان وتبعاتهما كوبال على المنطقة. إذاً هذا الأرجح هو ما ستسير فيه غالب المعارضات، فالأنظمة معنية أن تتطور إلى استيعاب ووعي كل البدائل، فالواقع بقدر ما يتاح له التشكل السياسي الواعي سيتشكل وبقدر ما لا يتاح له ذلك أو يمنع ولا يدعم ينشد إلى التشكلات النمطية والماضوية السلبية أياً كانت مذهبية أو عرقية ونحوها من العصبيات.