تستمد القوانين قوتها من مصدرين أساسيين (1-الغاية التي تصدر من أجلها. 2-الجهة التي تصدر منها.) غاية القوانين في الغالب هي الحفاظ على مصالح الناس، عندما يبسط القانون رداءه على الجميع، فان الكل سيشعر بالدفء والأمان، وكلما زاد أعداد أولائك الناس، تزداد قوة ذلك القانون، والعكس صحيح، وكذلك الأمر فيما يتعلق بمصداقية ومشروعية الجهة التي تصدر تلك القوانين. في ظل النظام الدولي الجديد: الذي عزز من قوة النظم الاستبدادية الحالية -على المستويين المحلي، والدولي- تبدو كل القوانين التي تصدر، هي قوانين لا تخدم إلا مصلحة شريحة معينة، أو فئة معينة (الحاكم وحاشيته، على المستوى المحلي، الدول العظمى، على المستوى الدولي) حين تكون القوانين بذلك الشكل، تفقد قوتها المنبثقة من غاية ذلك القانون، والجهة التي أصدرته، فتصير في الواقع العملي فاقدة لقوتها القانونية، لذلك يلجا المستبد إلى خلق قوة من نوع ما لذلك القانون، قد تتمثل في استخدام وسائل الإكراه والقهر(أسلحة، سجن، تعذيب، ….الخ) الأمر الذي خلق قوانين من نوع آخر يمكن أن نطلق عليها (قانون القوة) هذا النوع من القوانين، هو الذي أفسد حياة المجتمعات، كما أفسد حياة الدول، على المستوى الجماهير، والشعوب، ظهر (قانون القوة) منذ أمد بعيد، فكان هو سلاح كل طاغية مستبد، يصدره وينفذه كل منحرف إدارياً، وقيمياً، وأداء، وأمانة. على المستوى الدولي، ظهر هذا القانون بشكل واضح وقوي، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، في ظل وجود القطبين، لم يكن بمقدور أحدهما أن يفرض مثل هذا القانون على الآخر،غياب توازن الرعب بين الدول العظمى لصالح أمريكا، غيب دور هيئة الأممالمتحدة، باعتبارها المؤسسة الدولية، التي من صلاحيتها حماية الأمن والسلم العالميين، وكنتيجة طبيعية لذلك، تراجع القانون لصالح القوة، هذا الوضع يخالف بشدة ما أراده وعمل من أجله فقهاء القانون، لقد كانت كل كتاباتهم محاولة لإيجاد صياغة جديدة للحياة، والتبشير بنظام جديد قائم على علاقات تعاقدية، يتغلب فيها القانون على القوة، تكون فيها القوة حارسة للقانون، وضامنة لحقوق الناس، ويمكن في هذا السياق أن نشير إلى كتاب مونتيسكيو (روح القانون) وجان جاك روسو في كتابه (العقد الاجتماعي) وجان لوك في كتابه (اتفاقيتان) بمافي ذلك ما تطرق إليه ماكس فيبر الذي تكلم عن أنظمة الحكم في كتابه (الأخلاق البروتستانتية) جعل أرقاها وأكثرها تقدما ما دعاه بالعقلانية القانونية. (الولاياتالمتحدةالأمريكية) التي صارت القطب الوحيد، هي التي بدأت في صناعة هذا المنتج الجديد من القوانين (قانون القوة) ولعل بداية دخول هذا القانون إلى الخدمة بأوسع نطاق، كان في الوطن العربي، بالتحديد في حرب الخليج الثانية، عند غزو العراق للكويت، حيث قامت الولاياتالمتحدة مع حليفتها بريطانيا، بغزو العراق، فمثل خروجها عن دائرة (قوة القوانين) التي تصدر عن الأممالمتحدة سابقة خطيرة -برغم أن الواقع أثبت ضعف قوة قوانين الأممالمتحدة، لأنها لم تكن تخدم سوى مصالح الدول الكبرى فقط- إلا أنها كانت تستخدم على نطاق اقل انتشاراً، مما هو عليه اليوم، منذ ذلك التاريخ، بدأت خطوط الإنتاج، تصنع الكثير من تلك القوانين، وبصورة مستفزة، ومهينة ل (قوة القوانين) الأمر الذي انعكس على كافة المستويات الدولية والمحلية، ليستمر سباق التسلح، و ضرورة الحصول عليه، على حساب حياة ورفاهية الإنسان. تلك الطريقة المنحرفة عن النظم القانونية، حولت الموضوع إلى قاعدة تشريعية، على كافة المستويات، في ظل هذا المنتج الجديد، لا حرمة، ولا قيمة، ولا أهمية، ولا صوت يعلوا فوق صوت القوة، في ظل هذا النوع من القوانين، لا قيمة لإنسانية هذا الكائن البشري، لا قيمة للحق، لا أهمية للعدالة، في ظل هذا القانون، عاد الإنسان إلى الحياة الأولى، حياة الغاب، الذي يأكل فيه القوي الضعيف، في ظل هذا القانون -الذي ينتج بعضه بكل أسف تحت قبة الأممالمتحدة- لا استطيع القول بأن الحياة عادة إلى الجاهلية الأولى، لأن تلك الجاهلية كان لها قيم إنسانية سوية، تحكم تعاملاتها، تُخفف من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، تُقلل من اقتراف مثل تلك الجرائم بحق البشرية، بعكس جاهلية اليوم. تلك القيم الإنسانية -على المستويين العالمي، والمحلي- انتهت صلاحيتها، برعاية وحماية الأممالمتحدة، التي كان الهدف من وجودها، الحفاظ على تلك القيم الإنسانية في التعاملات الدولية، وبخاصة ما يتعلق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر في العاشر من كانون الأول عام 1948 ليكون بمثابة كابح يوقف أطماع النفس الإنسانية الجامحة، التي تتجاوز قسوتها حدود العقل والمنطق، لكن للأسف لم يترك هذا الإعلان، أية بصمة تذكر في حياة العلاقات الدولية والنظم السياسية، ظل تألق شريعة الغاب وتراجع كل بادرة خير إنسانية نرتجيها من عدالة دولية صارت هي الأخرى لا هم لها سوى تملق ومحاباة (قانون القوَة) لخدمة لمصالحها، في موضوع سابق بعنوان (بورصة الأممالمتحدة للقيم الإنسانية تنهار) كنت قد تحدثت فيه عن هذا الأمر بنوع من التفصيل، يمكن الرجوع إليه. حين نتأمل الأحداث والحروب في الوطن العربي فقط، التي تفتك بملايين البشر(اليمن، سوريا، العراق، ليبيا، وغيرها) تلك الأحداث التي شردت الملايين، وجوعت مئآت الملايين، كلها تحدث بإشراف الأممالمتحدة، من يتابع ذلك سيدرك المنحدر الإنساني، والأخلاقي، الذي تسير فيه البشرية، حين استندت إلى (قانون القوة) برغم أن التاريخ يقول: بأن الحمقى، حين يمتلكون القوة، تكون هي الأداة التي تقضي عليهم، مؤكداً بأن القوة بحاجة إلى عقول مُتزنة، وحكمة كبيرة للتعامل معها، مالم فإنها تكون قاتلة، ليس للمحيط فقط، بل ولمن يمتلكها ويستخدمها. يُقال بأن بشار الأسد في سوريا، لا يزال حاكماً -بغض النظر عن كل ما اقترفه بحق البشرية، ناهيك أن يكون أولائك البشر هم شعبه، وذلك الوطن هو وطنه- شخصياً لا أعرف ماذا ومن يحكم، لأن الشعب قد انتهى بين قتيل، وجريح، ومشرد، ونازح، طوال أكثر من أربع سنوات، لكن ما هو مؤكد لدي، أن سبب ذلك البقاء، أنه يمتلك القوة. ما يجري في اليمن لنفس الفترة، كذلك سببه أن صالح لا يزال يمتلك القوة، إلا أن الوضع في اليمن أكثر مأساوية، فلأنه يمتلك تلك القوة، لم يكتفي مع حليفه الحوثي، بتهديد أمن واستقرار بلده وشعبه، بل أراد أن يخرج عن نطاق الجغرافيا اليمنية، فقام مع حليفه الحوثي، بتهديد الجوار، مستعرضين تلك القوة، كلاهما لم يحسب أن الاعتماد في مثل هذه الأمور على (قانون القوة) ليس مُقتصراً عليه دون غيره، لأن بمقدور الآخرين أن يستخدموا ذلك القانون، وقد تكون قوتهم، أكثر قسوة، وبطشهم أكثر عنفاً. إلا إن أرادا أن يخلقا وضعاً مثالياً، لقتل أكثر عدد من اليمنيين، ولأن قوتهما لن تكون كافية للقيام بذلك، عمدا إلى طلب العون من الخارج، بتلك الطريقة الاستفزازية، للإمعان في القتل والتشريد -في ظل هذه الأمور يصبح الكثير جائزاً- غير أن مجريات الأحداث تقول بأن الغباء والحماقة، هما من دفعا إلى ذلك السلوك الأحمق، صالح لم يُدرك بأن غيره قد يكون مثله تماماً، أكثر بُخلاً عما كان عليه في عام1994م لأنه عندما شعر بأن لديه قوة قال: بأنه في ذلك التاريخ كان أكثر كرماً، حيث حدد لمعارضيه3منافذ للهروب، لكنه اليوم لم يحدد لهم سوى منفذ واحد، القوة جعلته أكثر بخلاً. إذاً: القوة تزيد البخيل بُخلاً، والقاتل قتلاً، والظالم ظلماً، والطاغية طغياناً، والطامع طمعاً، والغبي غباء، والأحمق حماقة، فكانت النتيجة أن ذلك الخارج، جاء مستخدماً نفس الوسيلة (قانون القوة) ليدافع عن مصالحه وأمنه، وينتقم من أعداءه وخصومه، فكانت قوة قانونه أكثر من قوة قانون صالح، لأنها خلال 15دقيقة فقط، جعلت صالح والحوثي، يُشيعان جنازة قوتهما الجوية، والدفاعية، وإذا كان صالح والحوثي، قد تركا لخصومهما منفذاً واحداً للهروب، فإنهما لم يجدا اليوم مثل ذلك المنفذ لهروبهما، كلاهما اليوم لم يدرك خطورة ما يقوم به، فلا يزال حتى اللحظة، يدفعهما غيهما إلى الانتقام من كل شيء (يقول مقربون من صالح، بأنه يوجه قياداته العسكرية بالقول: دمروا كل شيء، اقضوا على كل ما هو جميل) أي عقلية هذه، وأي إنسانية، في رجل يفعل كل هذا، لأنه أصبح شخصاً غير مرغوب فيه، هذا الأمر يجعل الجميع يؤمن بأن الوقت قد تأخر كثيراً، وأن خلعه كان يجب أن يتم منذ زمن بعيد، بل ما كان يجب أن يتولى الحكم رجلٌ بهذه العقلية، وهذه النفسية، مما يزيد الإصرار على عدم مسامحته، بعد أن أضاع فرصته. الخارج، بكل تنوعاته، لايهمه كل ما جري وما قد يجري في اليمن، لذلك فإنه يدفع بالأوضاع إلى الإستمرار، لذلك فإنه يقوم اليوم برمي طوق النجاة إلى صالح والحوثي، بعد أن كادت أمواج قوتهما أن تغرقهما، الخارج لا يفعل ذلك حباً فيهما، لكنه استغلالاً لحماقتهما، مصالحه تكمن في بقاء الأوضاع في اليمن مستمرة تحت (قانون القوة) للحفاظ على مصالحه، وتحقيق أهدافه، لذلك هو يدعم بقوة عبر الكثير من السبل(مباحثات عمان، الدعوة إلى مؤتمر جنيف) ليس لإنهاء الإقتتال، ولكن للحفاظ على أطراف قوية في اليمن، تحركها حينما تحتاج إلى ذلك. الحوثي وصالح يأخذان الطعم، يتلقفانه بحماقة، يدفعهما إلى ذلك أمرين: حب البقاء، وحب الإنتقام، يظهر ذلك من خلال تصريحاتهما بالموافقة على مؤتمر جنيف بدون شروط مسبقة، هذا القول قد يفهمه البعض على أنه، استجابة لتطبيق قرار الأممالمتحدة(2216) أو أنه خضوع أو استسلام، لكن الحقيقة غير ذلك، إنها دعوة إلى الدخول في حلقة مفرغة من المباحثات، هي العودة بالأحداث إلى المربع الأول، ليستمر الحال أكثر وقت ممكن، ذلك الشرط يعني إلغاء كل المرجعيات السابقة (المبادرة الخليجية، مخرجات مؤتمر الحوار، قرار الأممالمتحدة (2216)قرارات مؤتمر الرياض) التخلي عن كل ذلك، لا يعني سوى أن كل ماجرى خلال الفترة الماضية أصبح لا قيمة له، البدء من جديد يعني استمرار القتل، والفوضى، ومعاناة كافة اليمنيين، خدمة لمصالح الدول الخارجية. بالنسبة لإيران فمنذ مايقرب من80يوم مضت، أثبت الواقع بأن وعودها، بالوقوف إلى جوار(صالح والحوثي)غير ممكن، وبالنسبة إلى أمريكا، بريطانيا، روسيا، فبمجرد أن يضمنوا مصالحهم لدى الطرف الآخر، سيتم التخلي الفوري عن صالح والحوثي في اقرب وقت ممكن -الحمقى لا يقرأون التاريخ، لا يستفيدون من التجارب- ترى هل ستستمر الحماقة حتى درجة معانقة الموت -بيد الخارج أو على أيادي مناصريهم- الكثير من مؤيديهم أصبحوا في وضع يدركون فيه، بأنه قد كُذب عليهم، وأنهم يُقاتلون من أجل حماقات لم يقترفوها، وأنهم يموتون لأجل لاشيء. شواهد كثيرة تقول ذلك، وأصوات قوية، بدأت تُسمع، القيادي الحوثي وعضو ما يسمى باللجنة الثورية، صادق أبو شوارب، ظهر مؤخراً يتحدث عن الممارسات الخاطئة لجماعة الحوثي وبلاطجة صالح، كيف أنهم يستغلون حاجات الناس لمصلحتهم الشخصية، أمام أعين الجميع (موضوع نشره على صفحته على الفيس بوك) مصادر أخرى تحدثت عن أحد أعضاء ما يسمى باللجنة الثورية للحوثي- ابن المتوكل- رئيس اللجنة التي شُكلت لفحص أوراق الصرف داخل مجلس الوزراء، تقول تلك المصادر بأنه اصطدم بحقائق مذهلة عن نزاهة رئيس الوزراء السابق محمد سالم باسندوة، وأن المذكور قال: وجدنا أشرف وأنزه رئيس وزراء مر علينا، ونحن نطلع على الأوراق المالية، وأضافت المصادر، بأن رئيس اللجنة المتوكل، كان يضرب جبهته ويقول: كنا نصدق كل الشائعات عن هذا الرجل، الذي أظهرت المستندات، بأنه كان يرفض اعماد فواتير البترول والديزل لسيارته وبيته، وكان يوجه بخصمها من راتبه، وانه رفض إكرامية رمضان العام الماضي -خمسة مليون ريال- التي صرفها له الرئيس هادي، وأنه قطّع الشيك أمام وزير المالية زمام، لأن الرئيس حينها رفض صرف إكرامية لموظفي الدولة، فقال بأي حق نأخذ نحن إكرامية ولم تصرف لبقة الموظفين؟! حقائق كثيرة على كافة المستويات، لم تعد مخفية عن مناصري الحوثي وصالح، الكثير قد فهم اللعبة، عرف أنه يُزج بالأبرياء إلى الموت بسبب حماقة تلك القيادات، وأنه يتم حصار الشعب بتلك الصورة التي لم تستثني مناصريهم، تنفيذاً لقرارات تلك القيادات، الكثير أدرك بأن (قانون القوة) يكون مُميتاً حين يُطبقه حمقى ومنحرفين. أخيراً: بشأن(قانون القوة) هناك مؤشرات تدل على تشكل ما يشبه الدائرة المُغلقة من العنف على الساحة اليمنية، جراء استخدام هذا القانون، المملكة السعودية وحلفائها استخدموا هذا القانون، ضد الأضعف اليمن، صالح والحوثي، استخدما ذلك القانون، ضد الأضعف الشعب اليمني، وهناك مؤشرات قوية باكتمال هذه الدائرة، من خلال التدخل الأمريكي، الذي ظهر بقوة، ليس في المجال السياسي فقط، بل في المجال العسكري، حيث ظهرت مؤخراً التدخلات العسكرية عن طريق الطائرات بدون طيار، التي ضربت المقاومة في الجوف والبيضاء و رداع، وبعض المحافظات الجنوبية، من أجل فك الخناق عن قوات الحوثي وصالح، للضغط على المملكة وحلفائها، لوقف ضرباتها حتى لا يتم القضاء النهائي على حلفائها الحوثي وصالح، وبخاصة الحوثي الذراع الإيراني في اليمن، والذي سينتهي دور أمريكا في المنطقة، إذا انتهى الحوثي، الذي تقول أمريكا بأنه يهدد المملكة والخليج، وأن بقائها في الخليج هو للدفاع عنها، لذلك فإنها لن تسمح بالقضاء النهائي عليه، فهل ستستخدم هي الأخرى(قانون القوة) لضرب المقاومة الشعبية، للدفاع عن صالح والحوثي؟! عندها ستكتمل الدائرة، فيدافع كل طرف عن مصالحه، ويُسحق المواطن اليمني، على أيادي أبناءه، وقرارات قيادات لا تجيد سوى الحماقة. التحالف الخليجي يضرب في اليمن، لإغاظة إيران وحلفاء صالح، وصالح والحوثي، يضربون الشعب، لإغاظة المملكة وحلفائها، وأمريكا تضرب الشعب اليمني، لإغاظة المملكة، ليموت الشعب وتبقى تلك الأطراف، باحثة عن مصالحها الشخصية، هل كان سيحصل هذا كله لولا الإنقلاب على كل ماقد تم الإتفاق عليه؟! فمن يتحمل مسؤولية كل مايجري إذاً؟. [email protected]